قاتلوا في أنقرة بطلب من أنقرة!

مصطفى حكمت العراقي

ما تزال طبول الحرب تقرع بلا هوادة، في معركة تحرير الموصل من عصابات «داعش» الاجرامية، التي ترافقت مع معطيات عديدة قد يطول شرحها، لكن يمكن ايجازها بأن معركة التحرير ومن يقوم بها وما بعدها، قد تم بولادة قيصرية عسيرة جدا، حتى توالت الاشاعات ولم تتوقف مطلقاً. وآخرها، كان الايحاء الكردي بمعلومات عن فتح ممر يسمح للإرهابيين بالانسحاب باتجاه سورية، في طريقة تماهي رغبات واشنطن بالترحيل نحو الشرق السوري، أذ كشف مسؤول العلاقات الخارجية في حكومة «كردستان العراق» فلاح مصطفى باكير، أنه جرى فتح ممر خاص في جنوب مدينة الموصل العراقية، لخروج مسلحي «داعش» باتجاه سورية. الا أن فصائل الحشد الشعبي رمت بهذه الرغبات ادراج الرياح، حيث حققت إنجازاً جديداً تمثل بقطع طريق إمداد الإرهابيين بين الموصل والرقة السورية، التي اصبحت الملاذ الاخير للبغدادي وشكلت العاصمة الجديدة للعصابات الارهابية، بعد أن اقتربت الموصل من اكمال تطهيرها وعودتها لحضن الوطن، ما شكل رعبا لـ«داعش» ومن ورائها في انقرة والرياض وباقي عواصم الشر، حتى وجدنا رجوعا لأسطوانة التعالي الأردوغاني بالظهور من جديد، فوصفت القيادات التركية رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، بالسياسي الضعيف.

جاء ذلك، بعد أن حذر العبادي، الاتراك، من عواقب وخيمة إن تدخلوا في معركة الموصل. وزير خارجية حكومة أردوغان، مولود جاويش أوغلو، تهجّم على العبادي، بالقول: أنت لست قادراً حتى على محاربة منظمة إرهابية. أنت ضعيف وبعد ذلك، تحاول لعب دور الأقوياء. وأكد الوزير التركي، أنّ بلاده مضطرة لأخذ كلّ التدابير ضدّ التهديدات الموجهة نحوها، من العراق. وتابع: من جهة أخرى بدأت التهديدات تتوجه نحو أشقائنا التركمان في تلعفر. ولا يحق لأحد أن يقول لنا ما شأنكم وتركمان العراق. كلام أوغلو، ينمّ عن حقد واضح ونفاق سياسي كبير، على رؤوس الأشهاد. فأين كان أوغلو وحكومته ورئيسه عندما احتلت «داعش» تلعفر ومناطق سهل نينوى وجعلت التركمان قطيعا بين النازح والقتيل والجريح والمشرد. واخذت النساء سبايا، يتم بيعهن في اسواق النخاسة؟ أين كان أردوغان، الذي أطرش أذاننا، منذ أن أصبحت القوات العراقية في أطراف الموصل وإلى اليوم، بعبارات رنانة، فمرة يهدّد الحشد الشعبي ومرة يعود للتهجم على العبادي! ومرة أخرى يلوّح بعصاه المكسورة ويرسل قواته نحو الحدود العراقية التركية، ليقول بأنّ دخول الحشد إلى تلعفر هو أمر محرّم، فمن هو العراقي: أردوغان، أم جنود الحشد؟ ومن له الحق بتحرير أرضه: أردوغان، أم فصائل الحشد؟

توجه أردوغان نحو التصعيد القومي الطائفي لأهداف داخلية وخارجية، فهو يريد اعادة مزاعم المطالبة بالموصل بوصفها ولاية عثمانية سابقة، كما يدعي، في وسيلة منه لتحقيق غايتين: الاولى، الاستمرار بحلم العودة للسلطنة والتوسع الذي لم ينفك أردوغان بالسعي لتحقيقه والثانية، هي التحضير لكسب دعم المتطرفين في تركيا، في مقدمة لطرح استفتاء بشأن انشاء نظام رئاسي في تركيا.

أردوغان استخدم الحيل مرارا وتكرارا. ووسّط العديد من الوسطاء مع بغداد، لتحقيق تنسيق، في الحدّ الأدنى، مع الحكومة العراقية، للمشاركة في تحرير الموصل ظاهراً والإبقاء على القوات التركية المحتلة للأراضي العراقية، في الباطن. فلم يبق باب الا وطرقه لضمان أمن الاتراك وجنودهم إن اشتركوا في عمليات التحرير، خصوصاً بعد التهديد المتكرّر من فصائل الحشد الشعبي، بالتعامل مع الاتراك كما يتمّ التعامل مع «داعش» إن تجرأوا على أي خطوة استفزازية، غير متفق فيها مع بغداد. وبعد كلّ ذلك وبعد فشل جميع المساعي، اتجه أردوغان لاستخدام ادواته الخبيثة، فكشفت مصادر ميدانية رفيعة لـ«البناء» من مناطق عمليات تلعفر والقاطع المسؤول عن تحريره الحشد الشعبي، أنّ أجهزة التنصت التي بحوزة فصائل الحشد، رصدت مكالمات لمسلحين اتراك، في سابقة هي الاولى منذ بدء عمليات تحرير الموصل وتلعفر، ما يؤشر جلياً اتجاه القيادة التركية لإعاقة التحرير من الخلف، بعد العجز عن إعاقته من الامام. كما أنّ التناغم بين أردوغان وقيادة «داعش» في أعلى مستوياته، فخرج وبشكل مفاجئ زعيم «داعش» البغدادي، طالبا من اتباعه صبّ نار غضبهم على القوات التركية ونقل المعركة إلى تركيا، بحجة محاربة الاتراك لـ«داعش» في سورية. وهي الكذبة الاكبر في ما يجري في المنطقة، من حروب تكون ضحيتها الاولى فقدان الحقيقة والصدق، فمن أسّس «داعش» لا يزال يستخدمها. وهو من أوعز للبغدادي بأطلاق تصريحات كهذه وفي هذا التوقيت، لجعل الحجة التركية بالتدخل في العراق مدعومة بتهديدات كاذبة، يجيّرها أردوغان لمصلحته متى يشاء. فمن أدخل ضباط المخابرات الاتراك إلى تلعفر وأوعز للبغدادي تهديد الاتراك الشكلي، من غير المستبعد القيام بأعمال انتحارية واجرامية في تركيا، في قادم الايام، لتحقيق حلم التوسع هو أردوغان.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى