القدس… مشاريع تهويدية مستمرة

راسم عبيدات ـ القدس المحتلة

واضح أنّ المشاريع الاستيطانية التهويدية، في مدينة القدس، تتسارع بشكل جنوني غير مسبوق، في استهداف واضح للتاريخ والجغرافيا. وكذلك، محو كل ما له علاقة بالتاريخ العربي ـ الإسلامي للمدينة. والتدمير الكلي لبقايا القرى العربية المهجر سكانها وأهلها: قريتا لفتا والشيخ بدر. فحسب المخططات الاستيطانية الجديدة، «وجه القدس» التهويدي، هذا المشروع، الذي وضع له حجر الأساس، الأسبوع الماضي، رئيس بلدية القدس المحتلة نير بركات وما يسمّى «وزير القدس» زئيف إليكن ووزير المواصلات يسرائيل كاتس، فإنّ مشروع سكة الحديد الخاصة به، ستمرّ من فوق بقايا أراضي لفتا. وكذلك، هذا المشروع الجديد، المقام على ما مساحته 211 دونماً في مدخل القدس الغربية، قريباً من مجمع البنايات الحكومية الصهيونية، سيحتوي على مراكز تجارية، مراكز سياحية، فنادق، مراكز ترفيه ومركز مؤتمرات.

سيحتوي الحيّ الاقتصادي الجديد على أكبر مركز مواصلات، من ضمنه محطة قطار سريع ومحطتان للقطار الخفيف. وسيتضمّن أكبر مركز مؤتمرات من خلال ترميم «مركز مباني الأمة».

عندما يقول وزير المواصلات الصهيوني، كاتس، في احتفالية وضع حجر الأساس، بأنّ «الحديث يدور عن مشروع قومي متقدّم وخاص» ويزفّ «بشرى طيبة لمدينة القدس وزائريها». وعندما يقول ما يسمّى «وزير القدس» إلكين وزير «إنه مشروع استراتيجي لتطوير القدس»، فهذا يعني بأنّ الناظر للمشروع من الجهة الغربية، عندما يجد أبنية جميلة وشاهقة، هو لا يدرك أنّ هذه المدينة محتلة وأنّ هناك حقاً لشعب فلسطيني فيها، طرد وهجر بالقوة عنها. وعندما يقول رئيس بلدية القدس العنصري، نير بركات، بأنّ القدس بعد هذا المشروع ستكون غير القدس اليوم، فهذا يعني أنّ الأبنية النوعية التي يتضمّنها المشروع ستكون من أجل تغيير معالم القدس بشكل كامل.

هذا المشروع، بالإضافة الى المشروع التهويدي الآخر، الذي كشفت عنه صحيفة «هآرتس» حول ربط القدس بـ «تل ابيب» بواسطة القطار السريع، من خلال نفق طوله كيلومترين وبعمق 80 متراً، يلتفّ حول أسوار البلدة القديمة ويصل إلى ساحة البراق.

والمشروع التهويدي الآخر، الذي كشفت عنه «القناة العبرية الثانية» أمس الاول، من أنّ وزير المواصلات الصهيوني «كاتس» صادق على خطة لربط القدس بمستوطنات الضفة الغربية، بواسطة القطار الخفيف، بحيث يكون مسار القطار باتجاه مستوطنات معاليه أدوميم، ادم، جفعات زئيف ومستوطنات رام الله. هذه المشاريع، ستكون لها آثار تدميرية على مدينة القدس وأهلها، لجهة محو التاريخ وتزويره والتغيير الجغرافي والانقلاب الديمغرافي، حيث تُزال الأسماء العربية للقرى والشوارع. وكذلك، الأماكن التاريخية والسياحية وغيرها. وتصبح المدينة ذات أغلبية يهودية، على أن يستكمل هذا المشروع بالإنفصال والحصار للعديد من الأحياء المقدسية، ذات الكثافة السكانية العالية، مثل جبل المكبر، صورباهر، العيسوية، مخيم شعفاط وغيرها، ضمن خطة المحافظة على نقاء يهودية القدس وخطة الوزير عضو الكنيست السابق، حايم رامون ومعه مجموعة من القادة العسكريين والأمنيين المتقاعدين، بالإنفصال من جانب واحد، عن تلك القرى والتجمعات السكنية الفلسطينية.

هذه المشاريع الاستيطانية التهويدية «وجه القدس» الاقتصادي: ربط القدس بالساحل الفلسطيني، التواصل بين البؤر الإستيطانية داخل البلدة القديمة ومحيطها وبالذات جبل الطور وسلوان، سهولة الوصول إلى ساحة البراق وبأعداد ضخمة من المصلين اليهود والزوار وكذلك، ربط القدس بمستوطنات الضفة، من خلال القطار الخفيف، تحمل مضامين ورسائل واضحة، عبر عنها نتنياهو في خطابه الأخير أمام الكنيست، في دورته الشتوية، حينما قال بأنه «لا انسحاب لحدود الرابع من حزيران 1967» و«لا تقسيم جديد للقدس، أو انسحاب منها». وضمن هذه المشاريع الاستيطانية وما يجري من استيطان في قلب الأحياء العربية، المسألة واضحة لكلّ من يقرأ سياسة ولديه بعد بصر وبصيرة وغير مصاب بالعمى السياسي، من دعاة الاشتباك السياسي الفلسطيني، بأنّ «القدس الكبرى» ستكون غير «القدس اليوم» وخصوصاً ضمن مشروع 2020. وهذا يعني مزيداً من التهويد وخنق المقدسيين وطردهم.

المخاطر المحدقة بالقدس كبيرة وتستهدف حسم السيطرة عليها بشكل نهائي، في ظلّ حالة فلسطينية ضعيفة ومنقسمة ومنشطرة على ذاتها وتزداد ضعفاً وتقسيماً وحالة عربية منهارة بشكل غير مسبوق، حيث الهموم الداخلية والقطرية والحروب المذهبية والطائفية وتراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية وحتى الانتقال للتحالف والتطبيع مع المحتلّ، على حساب الحقوق العربية، يضاف لذلك، حالة دولية معطلة إرادتها السياسية ومشتبكة أقطابها الرئيسة ومروحة تحالفاتها من أوكرانيا حتى اليمن، لها أولوياتها على القضية الفلسطينية.

«الزحف» الاستيطاني من جهة الغرب، يستهدف محو وتدمير آثار قرى عربية هجر سكانها. ربط الساحل الفلسطيني بالقدس مواصلاتياً وجغرافياً وتاريخياً وربط مستوطنات الضفة بالقدس وغيرها من المشاريع الإستيطانية الأخرى، هدفها جعل القدس الكبرى مدينة «يهودية» تشكل بؤرة جذب لليهود والسياح وطاردة للفلسطينيين المطاردين والملاحقين بسياسيات التطهير العرقي والعقوبات الجماعية والقوانين والتشريعات والقرارات العنصرية، التي تضطرهم لمغادرة المدينة قسراً، فهم سيصبحون جزراً متناثرة في محيط استيطاني واسع، سيحاصرون في «غيتوهات» و«كانتونات»، معازل مع بوابات لكلّ معزل و«كانتون».

وكذلك، تلك المشاريع الاستيطانية وبالذات، الربط بين القدس ومستوطنات الضفة، لكي تحكم السيطرة على القدس وتشطر شمال الضفة عن جنوبها وتمنع أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة ومتواصلة جغرافياً، كمقدمة لضمّ مناطق سي من الضفة الغربية، التي تشكل ستين في المائة من مساحتها، لدولة الإحتلال، كما يخطط لذلك معسكر نتنياهو ـ ليبرمان ـ بينت وشاكيد.

الخطر داهم وجدي ونحن نتقاتل على جلد الدب قبل اصطياده. ونخوض نقاشا بيزنطيا وسفسطائيا حول جنس الملائكة وهل هي ذكر أم أنثى؟ وحتى نصل الى معرفة ذلك، لن يتبقّى لا قدس ولا مقدسيون.

Quds.45 gmail.comِ

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى