هل خسر ريفي الرهان…؟
روزانا رمّال
يتحدّث مصدر مطلع على الأجواء المحيطة بالوزير الطرابلسي أشرف ريفي لـ «البناء» في الوقت الذي يعيش الحريري فيه زهوة تكليفه بتشكيل الحكومة وترؤسها في بيروت ومختلف المناطق برفقة جمهوره عن «كلمة سر» خارجية «سعودية تركية» مشتركة أوعزت لريفي بعدم التشويش على الأجواء التوافقية في البلاد، طالبة إليه الانكفاء او الالتزام بمعيار من السلوك الذي يتماهى مع المرحلة. وعلى هذا الاساس غاب موقف ريفي منذ انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية.
حاول وزير العدل المستقيل غداة إعلان الرئيس سعد الحريري دعم ترشيح العماد عون لرئاسة الجمهورية، اقتناص الفرصة الأخيرة التي تخوّله الحصول على المزيد من الاوكسيجين الذي بدا أنه ينضب في حركة ريفي السياسية، فعمد الى الحشد بالشارع من أجل الاعتراض على هذا، فما كان إلا أن اصطدم ريفي بالحضور الشعبي الخافت نسبياً على امتداد المساحة السنية في البلاد، بعدما كان متوقعاً بالنسبة إليه ان تحصل حالة من انتقال العدوى سريعاً فتمتدّ الاحتجاجات في مختلف المناطق السنية من طرابلس الشمالية وصولاً الى صيدا جنوباً مع تقطيع طرقات وشغب يشلّ البلاد، فيؤكد ريفي للمعنيين في السعودية على زعامته المفترضة في لبنان فيعزز ثقته بنفسه وبحضوره في الشارع ويعززون هم من قناعتهم بتكريسه الشخصية السنية المعتمدة سعودياً في لبنان بهذه المرحلة.
خسرت السعودية الرهان على ريفي للمرة الثانية، وربما تكون القاضية فيما لو نجحت المساعي الحالية لتكريس التوافق في البلاد. الأولى «عسكرياً» عبر التدخل في سورية وما حشده ريفي بلبنان وإيهامه السعوديين بقدرته النافذة على إحداث فارق من الجهة الشمالية لمساعدة المعارضة السورية على التخلص من نفوذ النظام السوري وحلفائه، عبر تأييد وتدريب جماعات لقتال النظام السوري.
انطلق ريفي في مسألة الثورة والحريات ووضعها نصب عينيه لتحقيق حلم الزعامة في الشارع السني، فتكون الحرب في سورية بوابة عبوره الى القيادة الشاملة في لبنان. وهو يدرك تماماً انّ فكرة الهجوم على النظام السوري مرفقة بأولوية الهجوم على حلفائه في لبنان، خصوصاً حزب الله.
لا يمكن الحديث عن فشل كلي لمهمة ريفي بعدما استطاع إحراز بعض النقاط في مرمى الخصوم، واستطاع لفت الأنظار في تكريس مسألة تفجير المسجدين في طرابلس، وسجن ميشال سماحة والاعتراض على الأحكام الصادرة بحقه في المرة الأولى لحين عودته للسجن من جديد. استطاع ريفي ايضاً النجاح في مسألة اعتبار أنه لن يشارك بحكومة فيها حزب الله الذي يهاجم السعودية صبح مساء ايضاً لكن كلّ هذا كان مؤقتاً.
المحطة السعودية الثانية مع ريفي جاءت بعد أن حقق انتصاراً سياسياً كبيراً في طرابلس بفوز اللائحة التي دعمها في الانتخابات البلدية متخطياً بيوتات سياسية كبيرة في طرابلس، حتى كادت السعودية تقتنع بشكل وافر أنّ ريفي هو رجل المرحلة المقبلة، فبدأ تدفق المال السعودي عليه في حين «شحّ» هذا المال على المقلب الآخر عند الحريري.
كادت الأمور تسير كما أرادها ريفي، لولا سوء حظ دق الباب فجأة بمحاولات محلية للتغيير، لعب ريفي دوراً أساسياً قد لا يعترف فيه الحريري أمام اللبنانيين، لكن تصعيده شكل مخاوف جمّة عند المستقبل وباقي القيادات السنية في لبنان وجعل مسألة العودة لرئاسة الحكومة بدون دعم وازن بالنسبة للحريري امراً مستحيلاً.
طرح امين عام حزب الله مسألة عودة الرئيس سعد الحريري لرئاسة الوزراء في أكثر من محضر حتى صار الأمر علنياً عندما كشف في أحد خطاباته عن انفتاحه على كلّ الأطراف في مسألة رئاسة الوزراء شرط انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية. تلقّف الحريري المبادرة التي جاءت على شكل منقذ توقيتاً وإخراجاً، وهو يعرف جيداً انّ هذا الطرح كان موجوداً عند حزب الله منذ سنتين ونصف السنة، لكن من دون أن يتأكد من انه قادر على التحلي بشجاعة الموقف تجاه السعودية اولاً، وليس متأكداً ايضاً من انّ الظروف دولياً مؤاتية لتضحية كهذه، فالأمور لم تكن محسومة بالنسبة لسورية، فروسيا بالحدّ الادنى لم تكن موجودة في الحرب السورية مباشرة.
كان لريفي الفضل الأكبر بالحساب المحلي لتسهيل مهمة انتخاب رئيس جمهورية وولادة الصفقة، فهو الاسم الأخطر بالنسبة للحريري الذي لا يملك الكثير من الهوامش ليناور فيها، فكان عليه القبول بما يطرحه «الفريق الإيراني» في لبنان الذي يبدو أنه أنقذ حياته السياسية.
يدرك ريفي اليوم معنى الصفقة الكبرى التي يعيشها اللبنانيون وأبعادها، ويدرك ايضاً انّ ترجمتها تتلخص بالتالي: «نجح الحريري المفلس، حيث فشلت أنا بتثبيت الزعامة لدى السعوديين، فالمال لم يكن قادراً وحده على تأسيس أرضية جامعة كالتي توفرت للحريري، حيث أحسن استغلالها بكلام «تشاركي»، وهي فرصة بوركت دولياً من روسيا وإيران ووراءهما الولايات المتحدة الاميركية».
لا حضور ولا ظهور، لا مشاركة لا مباركة، ولا حتى إدانة من الوزير ريفي لما يجري في لبنان. فرياح المصالحة أكبر وأقوى من الحالة التي سعى ريفي لتأسيسها منطلقاً من مبادئ «آمن» بها طويلاً، تبدو اليوم مما مضى عليها الزمن وولى وأنّ عليه التعايش مع رياح من نوع آخر تبدو أنها ستغطي مساحة المنطقة انطلاقاً من لبنان لوقت طويل. كلّ هذا لا يعني حسب المصادر «ألا تخصص لريفي أدوار مستجدّة او مهمات محدّدة لا تتعدّى كونها استثنائية».