العماد عون رئيساً للجمهورية: ترحيب مقاوم وقلق صهيوني
عبدالله خالد
… وأخيراً وبعد سنتين وخمسة أشهر وخمسة أيام من الفراغ الرئاسي انتخب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية اللبنانية بحيث أصبح الرئيس الثالث عشر للبلاد في عهد الاستقلال والرئيس الثالث الذي يأتي بعد فراغ رئاسي شهده لبنان بعد أن نال استقلاله والقائد العسكري الرابع الذي يصل إلى سدة الرئاسة. وكان الوزير السابق والنائب الحالي سليمان فرنجية قد سحب ترشيحه ودعا مؤيديه إلى الاقتراع بورقة بيضاء.
حضر جلسة الانتجاب جميع أعضاء المجلس النيابي الـ127 بعد استقالة النائب روبير فاضل. وحصل العماد عون في جلسة الإقتراع الأولى – التي يتطلب النجاح فيها أكثرية الثلثين أيّ 86 صوتاً على 84 صوتاً مقابل 36 صوتاً للورقة البيضاء وسبعة أصوات اعتبرت لاغية، الأمر الذي استوجب جلسة اقتراع ثانية يكفي النصف زائد واحد – أيّ 65 صوتاً لنجاح المرشح. ولكنها ألغيت لعدم تطابق أوراق الاقتراع مع عدد المقترعين، وكذلك ألغيت الدورة الثالثة للسبب نفسه. وأعلن فوز العماد عون في دورة الاقتراع الرابعة بأغلبية 83 صوتاً مقابل 36 صوتاً ورقة بيضاء و7 أوراق ملغاة.
وعلى الرغم من إمكانية حصول خطأ غير مقصود إلا أنّ تكراره أعطى الانطباع بإمكانية وجود نية مبيّتة لتعطيل الانتخاب وإبقاء الفراغ الرئاسي لفترة أطول، أوعلى الأقلّ دفع العماد عون إلى اتخاذ مواقف متشنّجة تشكل حجة لفرط جلسة الانتخاب لتلافي تطوّرها إلى ما هو أسوأ. ولكن العماد عون تصرّف بحكمة وخرج من الجلسة رئيساً بعد انتظار دام 26 عاماً.
والواقع أنه لم يعد مبرّراً أن يستمرّ ارتكاب مثل تلك الأخطاء. الأمر الذي يفرض استخدام تقنيات العصر الحديث وفي مقدّمتها التكنولوجيا كبديل للاستمرار بالتمسك بتقنيات العصور الوسطى. وكان لافتاً في تهنئة رئيس مجلس النواب نبيه بري للرئيس عون بعد اقتراعه بورقة بيضاء دعوة الرئيس المنتخب إلى تسريع عملية التوصل إلى إقرار قانون انتخابي عصري يستند إلى النسبية ويشجع على دخول المرأة إلى السياسة – وتحديداً المجلس النيابي- ولو عبر فرض كوتا نسائية في البداية.
أما الرئيس ميشال عون فقد ظهر كقائد شعبي كعادته – حين توجه إلى الشعب مباشرة، أكثر مما توجه إلى ممثليه، حين طرح الخطوط العريضة لمشروعه الذي يفترض أن تدعمه كلّ القوى التي ساعدته على الوصول مع التأكيد على أهمية المواصفات التي يحملها وصلابته في الدفاع عن المبادئ التي آمن بها والأهداف التي استبسل في الدفاع عنها. ولعلّ أهمّ ما ورد في خطاب القسم هو التالي:
ـ حماية الاستقرار السياسي واحترام الميثاق الوطني والدستور والقوانين.
ـ تنفيذ الطائف بكامل بنوده وليس بشكل انتقائي.
ـ إصدار قانون انتخابي يحقق العدالة والمساواة وصحة التمثيل.
ـ العداء للكيان الصهيوني بالجهد والمقاومة.
ـ محاربة الإرهاب بكافة أشكاله.
ـ معالجة مشكلة النازحين ورفض تحوّل مخيماتهم إلى مخيمات أمنية والاتصال بالمراجع المعنية والأمم المتحدة.
ـ العمل على تعزيز قيام لبنان الواحد الموحد.
والواقع أنّ الرئيس عون بعد نفيه من لبنان أجرى مراجعات متعدّدة وخصوصاً بعد مغادرة الجيش العربي السوري لبنان. ومع عودته انتهج سياسة تنطلق من دراسة الواقع الموضوعي واستشراف آفاق المستقبل من خلال وضع لبنان في موقعه الطبيعي كدولة عربية مشرقية تعتبر أنّ الكيان الصهيوني هو عدوها المركزي، وأنّ هذا يفترض دعم المقاومة وإقامة أفضل العلاقات مع الأشقاء العرب وفي مقدّمتهم سورية وكلّ القوى التي تدعم محور المقاومة.
بهذه الخلفية وقع مذكرة تفاهم مع حزب الله وزار سورية والجمهورية الإسلامية الإيرانية وأكد انفتاحه على كلّ من يدعم حق لبنان والعرب في استرجاع ما احتلّ من أرضهم وإقامة العلاقات مع الدول الأخرى انطلاقاً من مدى دعمها لحقها في تقرير مصيرها ومواجهة كلّ المشاريع والمخططات التي تستهدف النيل من حقها في حياة حرة كريمة تحقق لها العدالة وتضمن المساواة بين أبنائها عبر المواطنة التي ترفض الطائفية والمذهبية والعنصرية. وهذا ما جعل المقاومة في لبنان وسورية تدعم العماد عون حين أعلن ترشحه للرئاسة، والتزامهما بهذا الدعم رغم كلّ الضغوط التي مورست.
وحين تبنّى الرئيس سعد الحريري ترشيح الوزير السابق والنائب الحالي سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية في محاولة لإحراج حزب الله وسورية وزرع التناقض بينهما والعماد عون. جاء الجواب قاطعاً: العماد عون هو مرشحنا ونحن نكنّ للوزير فرنجية كلّ الحب والتقدير باعتباره إبن المدرسة السياسية العربية المقاومة التي نؤمن بها جميعاً. وهذا ما أجهض المخطط المعادي وأجبر الجميع على العودة إلى دعم ترشيح العماد عون للرئاسة.
وكان لافتاً للانتباه التصريح الذي أدلى به النائب فرنجية حين خرج من المجلس النيابي وأكد أنّ انتصار الرئيس عون هو انتصار للخط السياسي العربي المقاوم الذي يؤمن به… وكان لافتاً أيضاً مسارعة الرئيس بشار الأسد والرئيس حسن روحاني وقائد المقاومة السيد حسن نصرالله إلى تهنئة الرئيس المنتخب، إضافة إلى الترحيب الروسي، وفي المقابل مسارعة الكيان الصهيوني للإعراب عن قلقه من وصول الرئيس عون، وتوجيه الإدارة الأميركية التهنئة للشعب اللبناني وليس للرئيس عون وتذكيرها بالقرارين 1559 و1701 في إشارة ضمنية لسورية والمقاومة… والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو التالي: ماذا بعد…؟