كفوف سوداء تسلّقت النتيجة… وتمارس الابتزاز!
معن حمية
بانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية اللبنانية، انتهى الشغور في موقع الرئاسة، وتعزّز الشعور بإمكانية انتظام الحياة السياسية في البلد، وتفعيل عمل المؤسسات كافة. وعليه، توسّم اللبنانيون خيراً بمرحلة جديدة تنصبّ فيها كلّ الجهود لمعالجة الأزمات والمشكلات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، والاهتمام بقضايا الناس والإنماء.
صدمة إيجابية أحدثها انتخاب الجنرال عون رئيساً، وصدمة إيجابية ثانية أحدثها خطاب القَسَم الذي انطلق من ثوابت وخيارات واضحة ليشكّل خارطة طريق واضحة، إنْ لناحية التمسك بحق مقاومة العدو الصهيوني ومقاومة الإرهاب أم لناحية بناء دولة المواطنة القوية العادلة. وهذا ما جعل معظم اللبنانيين يتفاءلون باقتراب سنّ قانون انتخابات نيابية على قياس دولة المواطنة يحقق صحة التمثيل وعدالته، ويحول دون العودة إلى مآزق الشغور ويحمي اللبنانيين من المنادين بالثبور وعظائم الأمور.
العارفون بطبيعة وحقيقة وحيثيات إنجاز الاستحقاق الرئاسي في لبنان، يجزمون أنّ مساراً جدياً مواكباً سيحقق آمال اللبنانيين بالخروج من النفق المظلم. وكلّ آمال اللبنانيين معقودة على قانون انتخابي عصري يعتمد الدائرة الواحدة والنسبية ويحرّرهم من شرانق الطائفية والمذهبية، لأنهم يعتبرون أنه يشكل مدخلاً للإصلاح الحقيقي، ونهاية أكيدة للفساد المستشري على أكثر من صعيد.
أما ما أعقب الصدمتين الإيجابيتين من استشارات ملزمة لتسمية رئيس الحكومة، ونيل النائب سعد الحريري نسبة مرتفعة من تأييد الكتل النيابية، فقد أظهر للعلن أنّ هناك كفوفاً بيضاء ساهمت في إخراج لبنان من مستنقع الفراغ، ووضعه على سكة الاستقرار، وتحصينه بإجماع داخلي توزّع على الرئاستين الأولى والثالثة.
الكفوف، البيضاء منها والسوداء، ليست لبنانية «مئتين بالمئة»، فالمراقبون والمتابعون والمحللون، أدلوا خلال الأيام الماضية بدلوهم، مؤكدين أنّ مجموعة من الوقائع، وتقاطعات على صعيد المنطقة والعالم، أدّت إلى دينامية جديدة أنهت الشغور الرئاسي، وستظهر جلية مع سرعة تشكيل الحكومة الجديدة.
لكن اللافت والأهمّ أنّ معظم المحللين أجمعوا على ثابت أساسي يحاول البعض تجاهله وتجهيله، وهو أنّ ما حصل من إيجابيات في لبنان إنما يعود الفضل فيه، إلى عنصر دفع عمل بنضج وتأنٍّ من أجل الوصول إلى هذه النتيجة. وهذا العنصر يتمثل بقوى المقاومة، دولاً وأحزاباً، والتي استثمرت وقائع الميدان ومعادلات الانتصار على صعيد المنطقة والإقليم لصالح إنجاز الاستحقاق الرئاسي في لبنان، من دون أن تصافح كفوفها البيضاء الكفوف السوداء التي رضخت للأمر الواقع.
النتيجة التي تحققت، كانت محسوبة منذ سنة ونيّف. ولذلك رأينا بدء انتقال بعض القوى من ضفة التعطيل والتخريب والرهانات الخاسرة، إلى ضفة المعادلات الرابحة. لكن هذا الانتقال لا يُحتسب تحرّراً من لوثة التخريب والتعطيل، بل يندرج في سياق تسلّق النتيجة لضمان أسباب البقاء. لكن، من تسلّق النتيجة، لا يحق له أن يملي شروطاً على صانعيها، كما أنّ أصحاب الكفوف السوداء لا يجب أن يحاضروا بالعفاف، وعليهم أن يخجلوا كثيراً حين يدّعون أنّ كفوفهم ليست سوداء.
أصحاب الكفوف السوداء، يضمرون نيات سيئة سوداء، فهم لا يتوقفون عند حدود تسلّق النتيجة، بل يحاولون تقييد العهد الجديد بمواقف موغلة في الخطيئة بحق لبنان واللبنانيين.
على أية حال، الوقت الآن ليس لتبيان عجز المتسلّقين عن فهم مضمون خطاب القسم، والمرحلة الراهنة ليست مرحلة ولدنة ومراهقة في السياسة، بل هي مرحلة تمهّد لانتظام عمل المؤسسات، وللشروع في بناء دولة المواطنة عبر صياغة قوانين جديدة، وفي مقدّمها قانون انتخابات عصري.
العهد الجديد ينطلق قوياً بالثقة التي تُودع بعهدته، وبالمواقف الصادقة التي تُعلَن دون مواربة، وليس بالمداهنة حيناً والابتزاز في كلّ الأحيان.
الحقيقة كلّ الحقيقة، أنّ أخطر المفسدين، هم الفاسدون في أعمالهم وفي مواقفهم وخياراتهم. وهؤلاء لا يحق لهم ادّعاء نظافة الكفّ، لا في الوزارات ولا في أيّ مرفق من مرافق الدولة، وعليهم أن يوقفوا لعبة استثمار «بيعتهم». فالبيعة تفرض فرضاً نتيجة واقع معيش، والمبايع هو في أحايين كثيرة، مُجبَرٌ لا بطل.