جان سعاده… هل تذكرون؟

إعداد حسن الخنسا

هي زاوية تعود بذاكرة القراء والمتصفحين إلى سنوات خلت، في زمن الأبيض والأسود، زمن أصل اللون حيث لا ألوان طبيعية أو مفبركة، زمن العفوية في الرياضة وزمن الهواية.

قد لا يعي البعض أحداثاً ونجوماً ومدربين مروا وتركوا بصمة في يوم من أيام الدنيا التي تسير على عجلات السرعة، مخلفين إرثاً تناقلته الأجيال اللاحقة ولا تزال.

حكايات عفّ عنها الزمن ولكن التاريخ من هنا، أعاد نبشها، وسيعيد بث الحياة فيها لتكون وجهة تجذب العقول وتسحر العين بمتعتها وتفتح نافذة على ذكريات ومحطات «ذهبية» مر بها القطار بسرعة البرق فتوقف عندنا لنبدأ الرحلة من جديد.

هي زاوية رياضية جديدة نطل بها على قرائنا لنستذكر سوياً أمجاد الماضي والحاضر، أبطال تركوا بصمتهم ورحلوا فأين أصبحوا؟

كما كانت كرة السلة الرياضة المفضلة لدى اللبنانيين في التسعينات، كانت المصارعة الحرة هي رياضة لبنان الأولى في الستينات، وكان في مقدم هذه اللعبة الأخوان جان وأندريه سعاده. توفي أندريه في عام 1999 عن عمر يناهز الـ61 سنة، أما جان سعاده فهو موجود معنا ولا يزال هو البطل. بطل جيل كامل من اللبنانيين الذين عاشوا مراهقتهم في الستينات والسبعينات على حلم أن يصبحوا أقوياء ومشهورين مثله.

انتظرت أجيال الستينات والسبعينات ليالي طوال النقل المباشر لمباريات المصارعة على شاشة القناة 7 «تلفزيون لبنان»، وكان المعلق الإذاعي آنذاك ينقل أحداث المباريات بحماسةٍ كبيرة وتحيز لسعاده الذي رفع اسم لبنان عالياً من خلال رياضة المصارعة، فلم ينازله أحد إلا وطرحه أرضاً ليدبّ الرعب في قلوب مصارعي العالم.

هو الهادئ الحنون مع من حوله في زوايا منزله، والغاضب العنيف بين قضبان حلبة المصارعة. فهو وعلى رغم احترافه للعبة المصارعة العنيفة، من الصعب أن يستثيره أو يغضبه أحد.

جان سعاده الذي يبلغ اليوم 74 من عمره، صاحب مسيرة حافلة بالبطولات المحلية والعالمية، فهو وأخوه أندريه شغلا اسم لبنان لسنوات طويلة، وعرفا بالأخوين سعاده. ولد أندريه عام 1938 في بيروت، فيما ولد جان عام 1940. حبهما للرياضة وولعهما فيها جعلهما يحوّلا بيتهما لنادٍ رياضي. في عمر 16 سنة بدأ جان يحصد الجوائز والألقاب، توج عام 1956 بطلاً للبنان في المصارعة الحرة، وتوج بطل العرب عام 1957، وبطل في دورة البحر الأبيض المتوسط عام 1958، كما توج بطل فرنسا عام 1961، وبطل أوروبا عام 1964، وبطل العالم عام 1970. لقب في فرنسا بأمير آل منصور، وخاض 125 حفلة مصارعة خلال تسعة أشهر، مما وضع لبنان على خريطة المصارعة الحرة العالمية. كما أحضر أبطال العالم إلى لبنان في مباريات حاشدة في المدينة الرياضية. وبعدما غلب كأس الموت أندريه عام 1999 بقي جان وحيداً بين الماضي والحاضر حافظاً لتاريخ من البطولات والأمجاد، يقلب صفحاته بعدما أصيبت هذه الرياضة في لبنان والعالم العربي بـ«الأفول».

يقوم سعاده اليوم بممارسة الرياضة ما يقارب 3 إلى 4 ساعات يومياً، إضافة إلى أنه يتمرن في شكلٍ يومي، فهو أيضاً يمرّن في ناديه الخاص «نادي الشباب الدائم» وفي «مجمع كونتري لودج» في بصاليم حيث يعطي صفوفاً رياضية للسيدات.

ويشعر بحزن كبير عندما يذكر مرحلة الأمجاد التي عاشها، خصوصاً عندما يشاهد البطولات التي حققها مع شقيقه أندريه.

وفي إحدى المقابلات يقول سعاده إن لعبة المصارعة انتهت جماهيرياً في لبنان بسبب الحرب الأهلية التي قضت على كل شيء. واشتهر سعاده وحصد أبرز بطولاته بفضل «التجسيرة» الخاصة به، وعلى رغم محاولة الكثير من اللاعبين تقليده، واكتشاف سر هذه «التجسيرة»، لم يفلح أحد منهم بذلك.

خاض الأخوان سعاده في حياتهما تجارب عدة، فإلى جانب شهرتهما بالمصارعة الحرة، شاركا أيضاً في تمثيل الأفلام العربية والفرنسية، حيث لعبا أدواراً إلى جانب نبيلة عبيد وجورجينا رزق ومديحة كامل. أما في فرنسا فقد كانا يقومان بأدوار الممثل البديل الذي يؤدي المشاهد الخطرة. وعن هذه المشاهد بالذات قال سعاده أنه كان يغامر في حياته ويؤدي أقوى المشاهد، والتي كان أبرزها «قفزه من على جسر نهر السين». وكما ارتبط اسما سعاده بالبطولات والأفلام، ارتبط أيضاً ببعض الأمثال الشعبية، فمثل «مثل العادة يا سعاده» يعود السبب في إطلاقه لهما لأنهما كان لديهما ضربة مشهورة، وكان الجمهور كلما يشاهدهما يردد «مثل العادة يا سعاده».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى