ماريانا السويداء..وصية شهيدة
نظام مارديني
ليست سهلة كتابة العمود اليومي، بل هي معركة يومية، ولكن من نوع آخر لا تقل أهمية عن المعارك العسكرية التي تخاض في «سوراقيا» ضد قوى الظلام والتكفير المدعومة من قوى دولية وإقليمية تريد الشر لوطننا منذ قيام الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة بعد «وعد بلفور» المشؤوم.
كانت للقائد العسكري الشهير هانيبعل مقولة شهيرة هي: دع الأرض تقاتل عنك.. وكان يعني بها أن اختيار أرض المعركة مهم لكسب الحرب. فهل نحن الآن في وضع نقول فيه دعوا الأرض تقاتل عنا أم دعونا نقاتل من أجل الأرض، لأننا نخوض الحرب الوطنية السوراقية الكبرى؟
لعل وصية الشهيدة، ابنة السويداء، «ماريانا السمان» تعطينا درساً في معنى الوفاء للأرض، وهي إذ تكتب وصيتها قبل أن تطلق الرصاصة الأخيرة على نفسها كي لا تقع أسيرة في يد الإرهابيين: قائلة : «لا تسلّموهم البلد».. هذه الجملة تختصر معنى البطولة المؤيدة بصحة إيمانها بوطنها وأرضها وشعبها.
إن أشياء تحدث فوق التصور.. كيف يتحوّل الدم ذهباً وكيف يتكدّس الذهب فوق الذهب. أليس هناك مَن يقول: أيّها السيد الضمير.. تقدَّم!
هي البطولة التي لا تصنعها استراتيجية الثقافات الملطخة والرؤوس الملطخة، والأيدي الملطخة التي جعلت روجيه غارودي يقول ذات يوم: «الأفضل أن نضع أرواحنا في حقائب محكمة ونغادر هذا العالم».. فهل يغادر خونة هذا الوطن إلى حيث تبقى رؤوسهم مطأطأة أمام الشهيدة ماريانا؟
لن ننسى لغة «الجراد» بمن يمثلها من «الجربان وكيلو وصبرة والخطاب» وقوافل من الخونة، لن ننسى لغتهم وهي تسقط علينا.. وكيف أقتنعت تلك الأفواه التي تخالها ملأى بالكلام، فإذا بها ملأى بالعار.. هذا لأن الفضائح التي توضع أمام الجميع، وغداً تنفجر كلها أمام الجميع، أكبر من أن يتصورها أولئك الذين تمنينا أن يترعرعوا في كلمتنا الكبرى، قضيتنا الكبرى، بل وعدنا الكبير: فلسطين!
نحن الذين ندرك أي أخلاقية، وأي شفافية، حكمت وتحكم الرئيس بشار الأسد، الذي نعلم جيداً ما هو رأيه في محترفي الانتهازية، والببغائية، والازدواجية، والوصولية، والنفعية، وحتى التهريج.. هؤلاء الذين طالما لطّخوا وجداننا المقدّس الذي ورثناه عن آبائنا، وترعرع في دقات قلوبنا.. هنا «سوراقيا».. على الصعيد القومي لم أكن أدري أين هو الخط الفاصل بين نصف الروح والنصف الآخر؟
لم يعُد ممكناً إلا أن نعي ماذا يعني الهاجس الاستراتيجي المشترك، وهو الهاجس الخلاق، إذا ما عملنا لتحويل الوعي من حالة ميتافيزيقية، كما هي حالنا في الكثير من الأحيان، إلى حالة عملانية.. هل يستطيع الأسد أو ميشال عون والسيد حسن نصر الله وحيدر العبادي والمقاومة الفلسطينية، أن يعملوا، فيما العواصف تهبّ من كل حدب وصوب، وفيما المنطقة تمشي على خط الزلازل?؟
ثمة عبارة لستانلي هوفمان، الأستاذ البارز في هارفارد: «الشياطين تملأ الوقت الضائع في أميركا».. الوقت الضائع عندنا شاسع ويكاد يكون لا نهائياً وهذه خطيئتنا الكبرى ، فلماذا نملأه بالشياطين.. لا أحد يقول بأن نملأه بالملائكة. فعلاً، العلاقات بين دول الهلال السوري الخصيب تحتاج إلى بلورة ديناميات استراتيجية تفضي إلى التفاعل العبقري، أجل العبقري، في السياسة، وفي الاقتصاد، وفي الثقافة.. الأهم من كل هذا وذاك، التفاعل العبقري في… الإنسان.
انظروا، بانورامياً، إلى هذا المشهد في العالم العربي.. هل يمكن للزمن أن يصدأ هكذا؟ قال لي صاحبي: اللغة صدأتْ أيضاً.. أمام الشهيدة ماريانا، أبنة الثمانية عشر ربيعاً، وهي تشارك في التصدي لهجوم إرهابي على قريتها الحقف في سويداء القلب.
أبناء وبنات حلب.. وقبلهم أبناء وبنات كوباني ليسوا أقلّ بطولة وشهادة.. وسيحفظون الوصية.. ولن يسلّموا الأرض.. أرضنا للإرهابيين..