«جنون الارتياب»

حميدي العبدالله

في مقال نشر في مجلة «فورين بوليسي» الأميركية، نشر «سايمون هندرسون» مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في «معهد واشنطن» مقالاً حمل عنوان «كيف يمكن إنهاء حرب جنون الارتياب التي تشنّها السعودية». ما جاء في المقال يتعدّى شنّ حملة إعلامية في وسائل إعلام أميركية بارزة ضدّ المملكة العربية السعودية الحليف الموثوق للولايات المتحدة في المنطقة العربية وليس منطقة الخليج وحدها منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وحتى الآن، بل يميط اللثام عن أسباب تمرير مشروع قانون «جاستا» في الكونغرس الأميركي، على الرغم من المعارضة الشكلية لإدارة أوباما لهذا القانون، معارضة شكلية لأنه لا يعقل أنّ الرئيس أوباما وإداراته لا يؤثران على مواقف أكثر من سيناتور واحد في مجلس الشيوخ.

المقال يتضمّن انتقاداً واضحاً لشنّ السعودية حربها على اليمن، ويحذّر من مخاطر دعم الولايات المتحدة لحكومة المملكة العربية السعودية في هذه الحرب، وينزع هندرسون أيّ شرعية سياسية عن الحرب السعودية في اليمن، بل يرجعها إلى عوامل ليس لها علاقة بما تعلنه حكومة المملكة العربية السعودية.

يقول هندرسون «لطالما كان جنون الارتياب أساس صنع السياسات السعودية بشأن اليمن»، فقد كانت المملكة تعاني من جنون الشك إزاء اليمنيين أنفسهم، والآن ترتاب من الإيرانيين» وبعد توضيحه لما تقوله السعودية عن ارتباط بين الحوثيين وإيران «ترتاب السعودية من الإيرانيين، فالمتمردون الحوثيون اليمنيون يتلقون التأييد من الإيرانيين، أو الدعم الإيراني أو التأثير الإيراني بمظاهر متعددة». ولكنه لا يؤيد ما تقوله السعودية ويقول «أنا شخصياً أفضل مصطلح التأثير الإيراني لوصف الوضع، لأنه يوضح الوقت الذي اتخذ فيه الحوثيون تنظيم حزب الله اللبناني أنموذجاً لهم، وتبنّوا شعار الله أكبر، الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام، فهم في النهاية يريدون أن يكونوا أسياد مصيرهم أكثر من وكلاء تابعين لإيران».

واضح من خلال هذه العبارات أنّ أكثر أطراف النخبة الحاكمة تطرفاً لا يؤيد الحرب السعودية في اليمن، ويعتقد أنّ حكومة المملكة العربية السعودية زجّت بالولايات المتحدة في حرب لأهداف سعودية خاصة وسيكون لها تأثير سلبي على مصالح الولايات المتحدة.

عن هذه الأسباب الخاصة يقول هندرسون الحرب على اليمن هي ترجمة للنصيحة «التي أسداها الملك عبد العزيز، المعروف بابن سعود، عندما كان على فراش الموت عام 1953، ويفترض أنه قال: لا تدعو اليمن يتحد أبداً، اليمن هي المشكلة التي ربما لن يتمّ حلها إلا بعد تفكيكها» ويتساءل الكاتب «كيف تضمن الولايات المتحدة عدم تداخل الحرب الأولى، أيّ التي اختارتها السعودية مع الثانية».

مضمون المقال يخرج عن نطاق التحالف القائم بين السعودية والولايات المتحدة، وبالتالي فمن الواضح أنّ قانون «جاستا» هو تعبير عن مناخ جديد لا يعمل في مصلحة استمرار التحالف التقليدي بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى