عون يعلن لـ «شعب لبنان العظيم» الحرب على الفساد وحراسة الدستور الحكومة بين لمّ الشمل سريعاً… وفيتو القوات للاستئثار بجبنة الحقائب… فالتأخير
كتب المحرّر السياسي
مع الساعات الفاصلة عن الانتخابات الرئاسية الأميركية والفوارق الضئيلة التي تفصل المرشحَيْن الديمقراطية هيلاري كلينتون والجمهوري دونالد ترامب، وسقوط السياسة لحساب حروب الفضائح التي ستتحكّم بالتصويت السلبي للناخبين فيفوز ترامب بأصوات كارهي كلينتون أو تفوز كلينتون بأصوات كارهي ترامب، توقفت الماكينة الأميركية السياسية والإعلامية والدبلوماسية عن التصويب على الدور الروسي في شمال سورية، وتركزت على فتح جبهة الرقة بالتزامن مع معارك الموصل لتزخيم فرص الفوز للمرشحة الديمقراطية كلينتون، وبدت روسيا مع سورية وإيران على أبواب قرار بدء العمليات الكبرى التي تشمل جبهة جنوب حلب ومشاريع الـ 1070 وحي أبي سعيد وشرق حلب وتتجه نحو حي صلاح الدين بعد بستان الباشا، بينما تتقدّم وحدات الجيش السوري والحلفاء نحو مدينة الباب التي تبعد عنها خمسة كيلومترات فقط، بينما يرتبك الأتراك الذين يقفون على بعد ثلاثة عشر كليومتراً منها في أقرب نقطة بلغوها في عملية درع الفرات، مع تهديد سوري بالتصدي لكلّ انتهاك تركي جواً أو براً، وفي ريف دمشق إنجازات للجيش السوري على جبهات مخيم خان الشيح ومحيط مدينة دوما.
حزب الله الذي رمى بثقل آلته نحو سورية بعدما اطمئن لمسار رئاسة الجمهورية، وسلم راية الحكومة لحليفه رئيس مجلس النواب نبيه بري، أوصل مباشرة وبالتضامن والتزامن مع نصائح بري، رسائل التطمين لعدم وجود أي نيات لعرقلة تشكيل الحكومة، وحسمها كلام الأمين العام لحزب الله عن الاستعداد للمساعدة في تذليل التعقيدات إذا اقتضى الأمر، لتبدو حصيلة الاستشارات التي أجراها الرئيس المكلف سعد الحريري، بين حدّي الإسراع بتشكيل حكومة لمّ الشمل، وتصفية ذيول الخلافات في كلّ مرحلة الفراغ الرئاسي، ومنها معارك الانتخابات، والولادة السريعة المرهونة بهذا العنوان، الذي يعني تمثيل النائب سليمان فرنجية بحقيبة وازنة أو تسليمه شخصياً حقيبة الداخلية، وتوزير الحزب السوري القومي الاجتماعي وحزب الكتائب، والنائب طلال إرسلان والوزير فيصل كرامي، أو الاستجابة للضغوط التي حملها رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع إلى الرئيس المكلف ليل أمس، ومحورها طلب أربع حقائب للقوات في حكومة من أربع وعشرين وزيراً منها حقيبة سيادية، ما يعني عملياً إغلاق الباب أمام الحكومة التوافقية، ووضع رئيس الجمهورية والرئيس المكلف أمام خيار الاصطدام برفض الرئيس بري المشاركة في حكومة قرار الثلثين فيها محكوم بتوافق ثلاثي التيار الوطني الحر والقوات والمستقبل، ما يؤكد له الهواجس التي سبق وطرحها قبل الانتخابات الرئاسية وأدّت لتصويت كتلة التنمية والتحرير بأوراق بيضاء فيما تقول مصادر مطلعة أنّ الرئيس الحريري الذي سبق وتبلّغ من الرئيس بري تحذيراً من مسعى جعجع لم يجب على طلبات جعجع وأحاله على رئيس الجمهورية كراعٍ للتمثيل المسيحي في الحكومة من موقعه كرئيس للجمهورية وكزعيم للقوة المسيحية النيابية الرئيسية، والحريري يضع في حسابه وفقاً للمصادر أنّ إطالة أمد التشكيل يتوقف على تذليل هذه العقبة، التي تضع الحكومة بين خيار الانتظار الطويل بسبب فيتوات جعجع وشهية القوات على الجبنة الحكومية، والسعي للاستئثار ومحاصرة العهد وسط خلافات ومنازعات، بلا حكومة، أو خيار الحسم بالسير بالحكومة التوافقية الثلاثينية التي تضمّ الجميع ولو اقتضى ذلك فرضها كأمر واقع وترك القوات تأخذ قرارها بالبقاء في الحكومة أو الخروج منها، وليس هناك مَن يتوقع خيار الخروج من حكومة العهد الأولى، ولو كانت الطلبات مشفوعة بدلع الحديث عن تفضيل البقاء خارج الحكومة، إذا لم تأتِ رياح التشكيل بما يلائم سفن النظرة القواتية.
عون من «بيت الشعب»: لا رأس سيخرق الدستور
«يا شعب لبنان العظيم كنتم شعباً عظيماً وأصبحتم شعباً أعظم». بهذه الكلمات ومن منصة بيت الشعب في بعبدا خاطب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون المواطنين الذين ضاقت بهم باحات القصر الجمهوري لتهنئة «الجنرال» بوصوله إلى سدة الرئاسة الأولى. وأكد عون أمامهم أننا «اليوم أمام مشروع كبير ووصولنا الى رئاسة الجمهورية ليس الهدف بل الهدف أن نبدأ بناء وطن قوي. وهذا الأمر هو بالوحدة الوطنية التي سنعزّزها أكثر فأكثر. الوطن القوي بحاجة الى دولة قوية تديره وهي التي تُبنى على دستور يحترمه السياسيون جميعاً». وقال: «ما في رأس رح يخرق سقف الدستور من الآن فصاعداً، وأن الفساد سيُستأصل وستعود البيئة نظيفة مهما كلف الأمر».
وأضاف عون: «الشعب اللبناني عليه أن يحترم القوانين التي هي العقد الذي يحمي اللبنانيين. وعلى قوى الأمن أن تحفظ أمن المواطنين كي يناموا وأبوابهم مفتوحة، والمجتمع اللبناني لديه حاجات بدائية غير متوفرة لحدّ اليوم وكان هناك كيدية سياسية تعرقل عملنا. وأول ما سنفعله هو تأمين هذه الحاجات بأقصى سرعة ممكنة واستثمار الموارد الطبيعية التي ستغنينا عن الاستدانة لنزدهر اقتصادياً وعلينا أن ننفتح على العالم العربي».
وقالت مصادر مقربة من الرئيس عون لـ «البناء» إن «مشهد الحشود التي تقاطرت من مختلف المناطق أسدلت الستار على مرحلة سابقة اتسمت بخرق الدستور والقوانين ورسمت أفقاً جديداً واستراتيجية شاملة للمستقبل عنوانها الرئيسي التطبيق الحرفي للدستور وإعادة بناء وتكريس دولة المؤسسات والقانون». وأشارت الى أن «المطلوب من الرأي العام أيضاً أن يدعم هذه الثقافة وأن يحاسب من يخرق الدستور». وأوضحت المصادر أن مرحلة إعادة الاعتبار للدولة ودستورها وقوانينها التي بدأت مع انتخاب الرئيس عون تتطلّب من جميع أركان النظام اللبناني أن تخرج من المنطق الذي كان سائداً طيلة عقدين من الزمن، حيث بلغ انتهاك القانون والدستور والسيادة حداً لا يحتمل».
وأكدت المصادر أن المسار الذي انطلق لإعادة بناء الدولة يسير بشكلٍ تدريجي نحو التنفيذ العملي، وأن الرئيس عون مرتاح لمآل الأمور حتى الآن، ويؤكد أن هذا المسار لن يتوقف، لكنها أوضحت أن رئيس الجمهورية ليس المسؤول عن تشكيل الحكومة، بل هو يظلل ويدعم جهود رئيس الحكومة المكلف الذي عليه تدوير الزوايا لإخراج التشكيلة الحكومية الى النور». وأشارت إلى أن «لا مبررات موضوعية لتأخير تشكيل الحكومة»، مؤكدة على «التعاون والتفاهم بين رئيسي الجمهورية والحكومة المكلف». أما عن العلاقة مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري، فأكدت المصادر أنها «جيدة وتتطور الى الأفضل». ولفتت المصادر إلى أن «عملية تشكيل الحكومة لن تكون طويلة والأمور مسهلة لا سيما وأن شكل الحكومة قد حسم أي وحدة وطنية جامعة».
رسائل من «الشيخ» إلى «السيد»…
وأنهى الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري مشاوراته مع الكتل النيابية في المجلس النيابي، وكان الأبرز فيها اللقاء مع كتلتي «الوفاء للمقاومة» والحزب السوري القومي الاجتماعي التي أكد باسمها النائب أسعد حردان أن من حق الكتلة أن تطالب بحقيبة أساسية، معتبرًا أن أولوية الحكومة يجب أن تكون للشأنين الاجتماعي والاقتصادي. ولفت إلى أن الإصلاح يبدأ من قانون انتخاب يُنصف اللبنانيين. بينما شدد رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد على ضرورة «تشكيل حكومة الوفاق الوطني التي لا تستثني أحداً، تكون أولويتها الاهتمام بالوضع المعيشي للمواطنين وتعزيز الوضع الأمني»، لافتاً الى أننا «نريد قانون انتخاب جديداً يُحقق العدالة للجميع ولم نطرح موضوع الحقائب، لكننا اتّفقنا على وضع آلية لدرسها».
ولم تخلُ جلسة المشاورات مع الكتلة من «رسائل الشيخ سعد الى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله»، وبحسب المصادر أنه وخلال اللقاء أرسل الحريري تحياته إلى السيد نصرالله وسأل رعد «كيفو السيد»، فردّ «منيح»، فعاد وردّ عليه الحريري «سلّملي علي».
وشدّدت مصادر في تيار المستقبل لـ «البناء» على أن «الاجتماع بين الحريري وكتلة الوفاء للمقاومة كان جيداً وإيجابياً، وبمعزل عن حقيقة الرسائل التي نقلت بين السيد نصرالله والرئيس الحريري، لكن اللقاء بالتأكيد كسر الجليد وسيقرّب المسافات بين حزب الله وتيار المستقبل بعد مرحلة طويلة من الجفاء بينهما، والإيجابية التي بدأت مع العهد الجديد وانتخاب رئيس للجمهورية ستكون سمة المرحلة المقبلة ويُبنى عليها لفتح صفحة جديدة بينهما، لا سيما وأنهما سيشاركان في حكومة واحدة».
وشدّدت المصادر على أن «العلاقة بين الرئيسين بري والحريري كانت وستبقى جيدة وممتازة ولو شابها بعض العتب في الملف الرئاسي».
والى ذلك، أجمعت معظم الكتل النيابية التي التقاها الرئيس المكلّف أمس على «تشكيل حكومة وفاق وطني تتمثّل فيها معظم القوى السياسية».
وعقب انتهاء المشاورات، أكد الحريري: «أننا إيجابيون بالتعاون مع القوى السياسية كافة، من أجل تشكيل حكومة وفاق وطني يُشارك فيها أكبر عدد من الكتل السياسية»، ومشدّداً على أن لا «فيتو» على أحد، ولا توجد أي قوى سياسية تضع نفسها في هذا الموقف». وتوجّه الحريري الى قصر بعبدا للقاء الرئيس عون لاطلاعه على نتائج المشاورات.
وعلمت «البناء» أن جميع الأطراف ستعمل على تسهيل تشكيل الحكومة، رغم رفع السقوف ومطالب كل طرف، لكن هناك إصرار لدى رئيسَي الجمهورية والحكومة المكلف على تشكيلها بأسرع وقت ممكن، وكما سيعمل الحريري بكل قوته على فك العقد لينتهي الأمر باتفاق بين الأطراف على صيغة معينة مرضية للجميع، مرجّحة أن تبصر النور في عيد الاستقلال وحتى إن تأخّرت بعده فليس لوقتٍ طويل».
وقالت مصادر نيابية مستقبلية لـ «البناء» إن الحريري لم يلمس خلال المشاورات من أي كتلة نيتها وضع عراقيل أمام تشكيل الحكومة، وأنه سيعمل خلال الأيام المقبلة على جوجلة المطالب والاقتراحات والصيغ التي طرحت ليعرض صيغة أولى على رئيس الجمهورية في غضون أيام، متوقعة أن تكون الحكومة 30 وزيراً ووحدة وطنية ما يفترض تمثيل الوزير سليمان فرنجية بها»، لكنها أشارت إلى أن «لا صيغة نهائية ولا حقائب محسومة الأطراف حتى الآن والأمر بحاجة إلى مزيد من الدراسة والنقاش».
وأكدت أن كتلة المستقبل لا تتمسّك بحقيبة معينة بل أبلغت الحريري خلال لقائها معه تمسّكها بوزارة سيادية».
تتمة صفحة 2
وفي حين حذرت أوساط سياسية معنية من سعي بعض الجهات السياسية لوضع عراقيل أمام تشكيل الحكومة ومحاولة إقصاء أطراف أخرى عن التركيبة الحكومية، برزت زيارة لافتة لرئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، إلى بيت الوسط مساء أمس حيث التقى الحريري بحضور رئيس جهاز الإعلام والتواصل في «القوات» ملحم رياشي والنائب السابق الدكتور غطاس خوري ونادر الحريري. وتناول اللقاء، آخر المستجدات السياسية والمساعي الجارية لتأليف الحكومة الجديدة.
وسبقت زيارة جعجع مواقف عالية النبرة ورفع لسقف المطالب لعدد من نواب القوات أبرزها للنائب جورج عدوان الذي طالب بوزارة سيادية للقوات ووزارة خدمية وأخرى تقنية كالاتصالات.
ظريف في بيروت اليوم
على صعيد آخر، يصل وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف مساء اليوم الى بيروت لتهنئة الرئيس عون.