تقرير للإسكوا عن النزاع في سورية وتداعياته الاقتصادية: سورية في المرتبة ما قبل الأخيرة عربياً بعدما كانت الثالثة
أطلقت الإسكوا أمس من مقرها في وسط بيروت، تقريراً حمل عنوان «النزاع في الجمهورية العربية السورية: تداعيات على الاقتصاد الكلي وعقبات في طريق الأهداف الإنمائية للألفية».
وتحدث خلال اللقاء كلٌّ من كبير الاقتصاديين في الإسكوا رئيس إدارة التنمية الاقتصادية والعولمة عبدالله الدردري، وناشر جريدة السفير طلال سلمان، ورئيس قسم السياسات الاقتصادية في الإسكوا خالد أبو اسماعيل، ورئيس قسم النمذجة والتنبؤ الاقتصادي في الإسكوا هادي بشير.
وأوضح الدردري أنّ هذا التقرير «ليس حول تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية والذي يصدر سنوياً عن الحكومة السورية بالتعاون مع منظومة الأمم المتحدة، إنما يتطرّق إلى هذا الموضوع في معرض التحليل حول تداعيات الأزمة على الاقتصاد الكلي».
وأشار الى أنّ «التقرير اعتمد على بيانات المؤسسات الحكومية السورية وعلى بيانات مؤسسات ووكالات الأمم المتحدة بحسب اختصاصاتها، وعلى تحليلات ومعلومات الخبراء».
من جهته، أشار سلمان الى أنّ التقرير «يقدم لوحة مفجعة لما أصاب العمران السوري بمختلف جوانبه الاقتصادية الاجتماعية من تدمير مريع، ليس أفظع منه وأقسى إلا ما أصاب المواطن السوري، رجلاً كان أو امرأة». وأضاف: «إنّ التقرير الممتاز والشامل الذي بين أيدينا شهادة على وحشية الحرب الأهلية التي يمكنها التهام البشر والحجر والشجر، وليس ورقة نعي لسورية، مع أنّ أرقامه وتوصيف لحجم الخراب في العمران والاقتصاد والزراعة والتعليم ومختلف وجوه الإنتاج، تقدم صورة محزنة عن واقع سورية اليوم وتكاد تقضي على الأمل بقيامتها».
ثم قدم بشير وأبو اسماعيل عرضاً مفصلاً حول التقرير الذي يتألف من ثلاثة فصول تبحث في حالة الاقتصاد الكلي، وتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية، والتوقعات في شأن مستقبل التنمية في ظلّ استمرار النزاع.
حالة الاقتصاد الكلي
وخلص التقرير إلى أنّ «عام 2013 هو الأسوأ على جميع الصعد منذ بدء النزاع، فقد شهد تدهوراً مستمراً في المؤشرات التنموية». إذ اتسع العجز في الموازنة مع زيادة مخصصات الإنفاق الجاري، وتقلصت الإيرادات الضريبية وعائدات النفط، فارتفع الدين العام ارتفاعاً حاداً. وانخفض الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي من 60 مليار دولار عام 2010 إلى 56 ملياراً عام 2011، ثم إلى 40 مليار دولار عام 2012، وإلى نحو 33 مليار دولار عام 2013. وتقدر الخسارة الإجمالية للناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بأسعار 2010 خلال السنوات الثلاث الماضية بنحو 70.67 مليار دولار.
كما تشير البيانات الواردة في التقرير إلى دخول الاقتصاد السوري في ركود تضخمي، وارتفاع مستويات تضخم أسعار المستهلك في شكل ملحوظ خلال فترة النزاع حتى بلغت أعلى مستوى لها 89.62 في المائة في الفترة 2012-2013. وتضخمت في شكل خاص أسعار المواد الغذائية والمشروبات، التي ارتفعت بنسبة 107.87 في المئة في الفترة نفسها. ويعود تسارع التضخم إلى انخفاض قيمة الليرة السورية مقابل العملات الأخرى في السوق السوداء، وارتفاع الأسعار نتيجة لذلك بنسبة 173 في المئة خلال الفترة 2010-2013.
ويقدّر مجموع الخسائر التي تكبدها الاقتصاد السوري طوال السنوات الثلاث للنزاع 2011-2013 بنحو 139.77 مليار دولار، تكبد القطاع الخاص خسائر بقيمة 95.97 مليار دولار 68.7 في المئة من الخسارة الاقتصادية الإجمالية، بينما بلغت خسائر القطاع العام 43.8 مليار دولار».
الأهداف للألفية
وتناول الفصل الثاني من التقرير «أهداف الالفية، والتي كانت سورية قد حقّقت تقدماً كبيراً فيها، وتم تصنيفها في آخر تقرير 2010 في المرتبة الثالثة بين الدول العربية في تحقيق اهداف الالفية، وهي الآن في المرتبة قبل الأخيرة عربياً قبل الصومال.
كانت الجمهورية العربية السورية نجحت في خفض نسبة السكان الذين يقل دخلهم عن 1.25 دولار في اليوم إلى اجمالي السكان من 7.9 في المئة إلى 0.2 في المئة في الفترة من 1997 إلى 2010. غير أنّ هذا المشهد تغير جذرياً مع نشوب النزاع. وسرعان ما ارتفعت جميع مؤشرات الفقر وخطيه الأعلى والأدنى والفقر المدقع، لعدة عوامل منها ارتفاع معدلات البطالة نتيجة تعطل النشاط الاقتصادي في معظم القطاعات، ووصل عدد السكان تحت خط الفقر الأعلى إلى 4 ملايين شخص 18 في المئة .
وانخفضت نسبة الالتحاق الصافي في التعليم الأساسي من 98.4 في المئة في عام 2011 إلى 70 في المئة في عام 2013. كما شهدت معدلات تحصين الأطفال ضد الأمراض تدهوراً كبيراً.
التوقعات
وتناول الفصل الأخير من التقرير «التوقعات بشأن مستقبل الأهداف الإنمائية للألفية في الجمهورية العربية السورية في ظلّ استمرار النزاع، وذلك على صعيد الحوكمة والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وفرص التقدم المحتملة. ويؤكد هذا الفصل أنّ توقعات الخبراء بشأن الانهيارات الكبرى في الاقتصاد السوري خلال سنوات النزاع قد تحققت، والخسائر الكبرى قد وقعت في عام 2015، يتوقع أن يرتفع معدل وفيات الأطفال دون الخامسة إلى 28.8 طفل لكل ألف نسمة، وأن يصل معدل وفيات الأطفال الرضع دون عمر السنة إلى 28.7 حالة لكل ألف طفل، مقابل 23.3 في عام 2013. ويتوقع أيضاً أن يرتفع معدل وفيات الأمهات إلى 73.4 حالة وفاة لكل مئة ألف ولادة.
في السنوات القليلة المقبلة، يتوقع أن تتدنى نسبة الالتحاق بالتعليم الأساسي إلى 50 في المئة في الفئة العمرية 6 -11 سنة، وإلى 30 في المئة في صفوف التلاميذ في الصفين الأول والنهائي من مرحلة التعليم الابتدائي.
إنّ أخطر ما تتضمنه هذه الدراسة هو تقديرات الخبراء بشأن الفقر الذي يتوقع أن يصل خطه الأدنى في عام 2015 إلى 59.5 في المئة وخطه الأعلى إلى 89.4 في المئة. وهذا يعني أنه إذا ما استمر النزاع لغاية عام 2015، فسيكون 90 في المئة من السوريين فقراء».