«الإخوان»… جائحة الإسلام السياسي
محمد ح. الحاج
«الإخوان» تنظيم دولي نشأ على غرار «الأخويات» الماسونية في العالم، لكنها «أخوية» تستظلّ راية الإسلام على قواعد لا علاقة لها البتة بالإسلام، وكان ظهورها الأول في بريطانيا لتؤسّس لموقعها في مصر وتنتقل منها إلى دول المنطقة على التوالي، ثم وبسبب سلوكها العدوانيّ وارتباطاتها الخارجية لوحقت خلاياها في مصر، وتباعاً إلى دول أخرى، ليتركز نشاطها في مملكة آل سعود وبعض مشيخات الخليج العربي وإماراته، لكن انتشارها لم يقتصر على الدول العربية، إذ نشأت أشدّ الفروع تعصّباً في الدول التي كانت مستعمرات بريطانية وأهمّها باكستان والهند وأفغانستان برعاية بريطانية وتمويل سعودي وخليجي.
بريطانيا التي كانت تهيمن على غالبية بقاع العالم الإسلامي، عملت على خلق جماعات ترتبط بها وتخدم مصالحها على المدى البعيد، حتى بعد خروجها من تلك المناطق، وكان الساسة البريطانيون يدركون أنّ عمليات الاستعمار والاحتلال لن تدوم إلى الأبد. السياسة البريطانية التي اعتمدت مراكز البحوث ودراسات المستشرقين هي التي اكتشفت وشجعت محمد بن عبد الوهاب الوهيبي الذي اعتمد مذهب ابن تيمية في التكفير والكراهية، وهكذا بعثت اليهودي البريطاني الماسوني هيمفر ليعلن أنه مؤمن بأفكار بن عبد الوهاب، ثم ليطوّر تلك المفاهيم ويضعها في القالب الذي يخدم مصالح الماسونية العالمية قبل ظهور الصهيونية بزمن طويل 1727 1733 ، وليدفعه لاحقاً بتوجيهات بريطانية سرية إلى الانتقال إلى الدرعية حيث بداية آل سعود ودعوته لهم لتبنّي مذهبه واستخدام فتاواه مطية تبرّر غزوهم القبائل الأخرى وسبيَها قتل رجالها الذي يرفضون الالتحاق بهم وإعلان الولاء لهم، وهكذا وقبل نهاية القرن وصلت طلائع الدرعيين آل سعود إلى جنوب دمشق، وشرق حمص وقطعوا طرق الحجيج السوري والمصري وما تلا ذلك من حملات محمد علي باشا بقيادة أبنائه حتى أعادهم إلى نقطة انطلاقهم 1813 ، وبقي التبنّي البريطاني لهم قائماً، مستثمرين أشراف مكة في حربهم ضدّ السلطنة العثمانية، ودفع آل سعود إلى واجهة الجزيرة العربية ثانية، ثم أعادوا هيكلة «الإخوان» تحت شعار جديد، إذ تأسّس محفلهم تحت الرعاية البريطانية، وكان مرشدهم الأول رئيس المحفل المصري حسن البنا الذي أقام أوثق العلاقات مع آل سعود الذين لمع نجمهم من جديد وانتقل ولاؤهم إلى السيد الجديد، الأميركي، بعدما بدأت تغيب الشمس عن الإمبراطورية البريطانية.
تبنّت الولايات المتحدة الأميركية آل سعود وكانت أول من اعترف بمملكتهم في النصف الأول من القرن العشرين 1937 بعد اتفاقيات سرية وقعت على ظهر طرّاد أميركي بين عبد العزيز آل سعود والرئيس الأميركي، وأُبعد النفوذ البريطاني رغم الارتباط الوثيق بين المملكة العجوز والدولة الأميركية التي كان يصعد نجمها. وعلى خلفية الصراع السرّي تبنّت بريطانيا إنشاء تنظيم «الإخوان» في مطلع الأربعينات إنما على قواعد المحفل نفسها لضمان التبعية التامة لهؤلاء المرشد العام بدلاً من الحاخام الأعظم واستخدامهم في خدمة المصالح البريطانية، وظهر ذلك جلياً في موقفهم العدواني من عبد الناصر القائد العربي الذي تمرّد على عالم الغرب، وتعرّض لاحقاً لعدوان كبير بهدف إسقاطه واستعادة مصر، ولم تقف الولايات المتحدة مكتوفة اليدين حيث أصدرت إنذارها المشهور لدول العدوان الثلاثي بالانسحاب، لاكتساب مصر وظهور أميركا على أنها الدولة المدافعة عن حرية الشعوب المستعمَرة بفتح الميم . ورغم النفوذ الصهيوني في الولايات المتحدة اقتضت ظروف المنطقة والعالم انصياع الدول الثلاث، لكن اللعبة لم تنطل على الرئيس ناصر الذي اتجه شرقاً من الوجهة العسكرية التسليحية، وحاول بالتعاون مع قادة آخرين تيتو سوكارنو نهرو وأطلق الدعوة إلى انعقاد مؤتمر باندونغ لإقامة عالم جديد غير منحاز إلى أيّ من طرفيْ الحرب الباردة العالمية الشيوعية والرأسمالية . لم يرض ذلك الغرب، ما دفع بتنظيم «الإخوان» إلى اتخاذ موقف عدواني على المكشوف إزاء حركة التحرّر في البلاد العربية، خاصة في مصر.
الخلافات الشكلية بين الوهابية، و»الإخوان المسلمين» على اختلاف مسمّياتهم لم تفسد العلاقات الجذرية بينهما، وكلا التنظيمين يستمدّ توجهاته ويؤطر تحركاته استناداً إلى مقرّرات المؤتمر الماسوني العالمي الذي يعمل منذ نشأته على تحقيق ما ورد في بروتوكولات خبثاء اليهود حكماء صهيون ، وإذ يؤمن هؤلاء بأنهم «شعب الله المختار»، يؤمن الوهابيون و»الإخوان» بأنهم «الفرقة الناجية من النار»، وإذ يعتبر اليهود أنّ الغوييم الأغيار مجرّد مخلوقات شبيهة بهم، خلقت لخدمتهم وأنّ من حقهم وضع حدّ لحياتهم وإرسالهم إلى النهاية من دون أن يكون ذلك جريمة في حق الإنسانية ولا خطيئة يحاسبون عليها، لأنهم لا يعتبرونهم أصحاب نفس إنسانية، يعتبر «الإخوان» والوهابيون أنّ من ليس على مذهبهم هو كافر، يحلّ قتله والاستيلاء على ماله وسبي نسائه وأطفاله. المعايير واحدة وإنْ اختلف التوصيف، وهنا المفارقة في موقف عالم الغرب صيف وشتاء تحت سقف واحد فالعقيدة الغربية تقف ضدّ نفسها فتعتبر اليهود أنهم شعب الله المختار، وأنّ سلوكهم العدواني يندرج تحت شعار الدفاع عن النفس. الموقف ذاته لناحية السلوك العدواني اللا أخلاقي للوهابية و»الإخوان» تجاه شعوبهم وأبناء عقيدتهم، وبلغت حدود الوحشية المطلقة المنفلتة من عقال الأخلاق والشعور الإنساني الذبح والتقطيع وأكل الأكباد والقلوب وبقر بطون النساء ، ما أشعر الغرب، خاصة على مستوى الشعوب، بالرهاب والخوف من ارتدادهم على من تبنّاهم وأوجدهم ووفر لهم الحماية والرعاية على مدى قرن من الزمن، خدمة لمصالح لم تعد مقبولة في الألفية الجديدة. وإذا كانت غاية الغرب ترمي إلى إظهار العالم الإسلامي على هذه الصورة لاستمرار عمليات النهب والسيطرة وتبعية هذا العالم وتخلّفه، إلاّ أنّ التداعيات وانفلات هذه التنظيمات المتوحّشة من عقالها، يهدّد الغرب في عقر داره، يدفع حكماً إلى موقف جديد لإعادة الحسابات، مثل صاحب حظيرة من الحيوانات المفترسة أصابها مرض الكلب فخرجت على قواعد سلوك الطاعة واقتربت أو هي بدأت بقتل صاحبها.
الموقف السعودي الوهابي باعتبار «الإخوان» تنظيماً إرهابياً أملته ظروف دولية الإمارات العربية سبقت السعودية في استشراف الخطر لكنه لم يرق إلى موقف حقيقي يعالج التنظيم الأم. وهي محاولة لقطع فرع من شجرة عفنة عملية تجميل فجذور هذه الشجرة الماسونية العالمية وفروعها: الصهيونية، الوهابية، «الإخوان»، أما الأغصان الأخرى ومنها «القاعدة» ومتفرّعاتها فهي حطب المحرقة.
بريطانيا، الأرض الخصبة التي نمت عليها الشجرة السامة تعيد النظر، وقد تصدر قراراً يعتبر «الإخوان» تنظيماً إرهابياً، إذ تتعرّض لتهديدات «الإخوان» بأنها ستكون أرض التفجيرات والفوضى التي صدّرتها إلى أنحاء العالم كله، وخاصة الإسلامي منه، في باكستان، والهند، والبنغال، وأفغانستان والشيشان، وأخيراً في الجانب العربي في العراق ومصر والشام ولبنان وفلسطين وأماكن أخرى. هذه النار تخرج اليوم على السيطرة لتشكل جائحة عالمية تهدّد أمكنة ولادتها ورعايتها ومناطق تدريبها. «الإخوان» أسفروا عن وجههم الحقيقي وتكشفت نواياهم… سقطت ورقة التوت، ما قد يدفع إلى قيام تحالف دولي عالمي لمكافحتهم والقضاء عليهم، وهو مطلب سوري، وطني، قومي بامتياز يخدم الإنسانية ويحفظ للإسلام الحقيقي وجهه المشرق المتسامح، ويبتعد بالمسيحية عن سيطرة الصهيونية الماسونية الهادفة إلى السيطرة على العالم وثرواته وحضارته… فهل من مستجيب؟
هامش: عجبي لمقرّر دراسي في بعض دولنا يقول إنّ الحركة الوهابية حركة إصلاحية، إلخ! أين وجه الإصلاح في حركة ترسّخ مفاهيم القتل والتخريب والتكفير وتهدم بنيان المجتمعات الحضارية؟!