اسكتلندا تضع بريطانيا على المحكّ

عامر نعيم الياس

نشرت صحيفة «صنداي تايمز» البريطانية في السابع من آب الماضي نتائج استطلاع للرأي حول السؤال التالي: «هل تفضّل أن تستقلّ اسكتلندا عن المملكة المتحدة؟»، وجاءت النتيجة الصادمة لاستطلاع معهد «يو غوف» على الشكل التالي: 51 في المئة من المستطلَعة آراؤهم قالوا نعم للاستقلال، مقابل 49 في المئة رفضوا. تقدّم مذهل في النِسب بحسب المعهد الذي رصد تراجع نسبة مؤيّدي البقاء ضمن المملكة المتحدة بمقدار 22 نقطة عن شهر تموز الماضي. ويعلّق مدير معهد «يو غوف» على نتائج الاستطلاع قائلاً: «تمثّل النَّعم احتمالاً حقيقياً».

إنّ التقارب في نسب المؤيدين والرافضين يجعل من نتيجة الاستفتاء حول الاستقلال عن بريطانيا بتاريخ 18 أيلول الحالي، مصدر قلق بالغ لدى رئيس الحكومة البريطانية ديفيد كاميرون الذي يواجه وحزبه اختباراً حسّاساً يتعلّق بمصير المملكة المتحدة المؤلفة من بريطانيا ومقاطعة ويلز وإيرلندا الشمالية واسكتلندا، تلك الدولة الصغيرة المؤثّرة في حركة الاقتصاد البريطاني، والتي انضمّت إلى المملكة منذ عام 1707.

وفي ما يخصّ هذا الملفّ، تجدر الإشارة إلى أنّ اسكتلندا واحدة من أغنى الدول نفطاً في أوروبا. وبحسب «لوموند» الفرنسية فإن 96 في المئة من منتجات المملكة المتحدة النفطية و52 في المئة من الغاز، ينتَج من مناطق بحر الشمال في المياه الإقليمية الاسكتلندية. أمر يطرح تحدّيات اقتصادية أمام حكومة المحافظين في بريطانيا، إلى جانب تلك النخبوية، خصوصاً أنّ اسكتلندا تعدّ من بين أكثر الدول الأوروبية وحتى الأولى على مستوى المملكة المتحدة بمستوى التعليم العالي في صفوف شبابها.

القلق البريطاني تُرجِم بتحرّكات ضمن المملكة المتحدة لجماعات «معاً أفضل» ومنظمة «النظام البرتقالي» البروتستانتية التي تأسّست عام 1795، والتي دعت إلى تنظيم تظاهرة تجوب شوارع اسكتلندا في الثالث عشر من الشهر الحالي أي قبل خمسة أيام على موعد الاستفتاء على الاستقلال في اسكتلندا. أمر يطرح بدوره تساؤلاً حول جدوى الرهان على العامل الإثني في مواجهة الشعور القومي الاقتصادي والذي يعتبر أساس التحرّك نحو الانفصال.

لا تزال الحرب في إيرلندا الشمالية بين البروتستانت والكاثوليك، تحت ستارة الانفصال من عدمه، والمنظمات الإرهابية من القوات النظامية، شاهداً على الازدواجية الأوروبية في التعاطي مع الملفّات الدولية. فالانفصال بحدّ ذاته وبالطريقة التي يروّج لها الغرب في منطقتنا خصوصاً، تعتبر من المحرّمات في إطار مجاليه الحيوي والداخلي، وبينما تطرح القضايا في منطقتنا على أساس أحقية الانفصال استناداً إلى الهوية الديمغرافية المتواجدة ضمن بقعة جغرافية واحدة، يُهمَل هذا المعطى في الغرب تحت معطيات أخلاقية عاطفية تتعلّق برجحان الهوية الوطنية، ومفهوم القوّة المستند إلى قدسية وحدة الأراضي والشعب تحت سيادة علم واحدة وحكومة واحدة مع مراعاة التمثيل للشعوب المتآلفة ضمن إطار الكومنولث الواحد. لكن يبدو أنّ الأمور لم ولن تسير بالاتجاه الذي يريده البريطانيون المنظّرون، المحترفون مشاريع التقسيم القطري والحدود المفترضة. فبغضّ النظر عن نتيجة الاستفتاء في اسكتلندا، والتي تضع مؤيدي الانفصال ومعارضيه على قدم المساواة، فإنه حتى لو لم تنفصل اسكتلندا عن إنكلترا، فإن القضية الاسكتلندية لن تتبخر في سماء المملكة المتحدة، والمسألة القومية ستطوّر من أدواتها حتى الوصول إلى غايتها، ويكفي هنا أن نقول إن الحزب القومي الاسكتلندي الذي يملك اليوم غالبية في الحكومة، كان مجرد حزب صغير في القرن الماضي لا تتعدّى نسب التأييد له الواحد في المئة، واستطاع تطوير أدائه استناداً إلى الشعور القومي أولاً، والعامل الاقتصادي ثانياً.

وفي هذا السياق تقول صحيفة «غارديان» البريطانية تعليقاً على تحرّك الجماعات المؤيّدة للوحدة في اسكتلندا: «إن الشيء الأخير الذي يريده من رفض البقاء في المملكة المتحدة، رؤية أعضاء المنظمة البرتقالية ينفخون في آلاتهم الموسيقية رافعين أعلامهم وأعلام بريطانيا في شوارع اسكتلندا… إنّ قضية الوحدة ليست قضية عاطفية بل قضية اقتصادية: هي قضية فرص عمل، ونقد، لا أعلام خفاقةً».

كاتب سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى