أميركا وأردوغان… سباق محموم لإنقاذ داعش!

محمد ح. الحاج

لم يكن خافياً أبداً على متابع السياسة الخارجية الأميركية تلك العلاقة الحميمية الوظيفية مع التنظيم الإرهابي الأكبر على مساحة العالم، القاعدة أولاً، ووريثه داعش، أو الجناح الذي ما زال مرتبطاً جذرياً بالأمّ القاعدة وعنيت.. جبهة النصرة.

هذه التنظيمات التي وفرت للإدارات الأميركية المتعاقبة ذريعة ومبرّر التدخل في دول العالم وفرض وجود جديد لقواعد أميركية أو توسيعها وحتى احتلال مناطق بموجب اتفاقات ثنائية تعاطفاً مع الإدارة بعد هجوم نيويورك وتدمير أبراج التجارة المشبوه، اللافت حقيقة هو التوجه الأميركي المتسارع لتطويق روسيا الاتحادية والتواجد المستجدّ والكثيف على أراضي دول كانت الى زمن قريب تدور في الفلك الروسي أو تستظلّ القوة الروسية، إضافة إلى ما تعلنه الإدارة تلك عن اجراءات نشر درع صاروخية للوقوف بوجه الصواريخ الإيرانية وخطرها الذي قد يطال اوروبا أو الحلفاء على ساحة المنطقة، ولا تعدم الماكينة الإعلامية الصهيو أميركية الوسيلة لتضخيم هذا الخطر بكلّ الوسائل وإقناع العالم سواء الحليف أو المتعاطف بهذا الخطر وضرورة حشد الطاقات لمنعه.

التوظيف الأكثر ربحاً

داعش دولة إسلام في العراق والشام أوجدتها الاستخبارات المركزية الأميركية وتبنّتها القيادة السياسية باعتراف وزيرة الخارجية السيدة كلينتون، موّلتها وأشرفت على تدريبها ودفعت عديد من دول متحالفة لتغطية هذا التمويل وتعميم ثقافتها بفعل فتاوى الجهاد بعد تحويل عداء هذه الدول تجاه الصهيونية – شكلاً – إلى عداء للدولة الإيرانية فعلاً تحت يافطة التناقض المذهبي، وجاء النجاح مضموناً بسبب ثقافة التعبئة والتحريض والبيئة المتخلفة القابلة للاستجابة السريعة بمثل استجابة البنزين للنار…

هي إذاً الفوضى، الفوضى الخلاقة التي تمّ التبشير بها منذ زمن، قبل كلينتون، على لسان كوندوليزا رايس زمن بوش الابن، حقاً هي فوضى خلاقة تخدم مشروع الغرب بجوهره الصهيوني ومشروعه الأخطر، كما تخدم هوامش المشروع وهي ليست أقلّ خطورة أو أقلّ نجاحاً على الصعيدين المحلي، مواجهة محور المقاومة، والدولي بمواجهة الاتحاد الروسي المتجه سريعاً ليكون القطب العالمي الثاني العامل على إلغاء أحادية القطبية العالمية المتمثلة في النظام الأميركي ومعه حلف الناتو.

الخروج الأميركي المذلّ من العراق العام 2011 دفع بحكومة الظلّ الأميركية القابعة خلف الكواليس إلى توظيف تنظيم داعش وتوجيهه لبدء عملياته في الساحة العراقية منطلقاً من قاعدة العداء المذهبي وأنّ إيران ستكون البديل المحتلّ للعراق بعد خروج القوات الأميركية، وكان التمهيد قبل ذلك وعلى يد عملاء للاستخبارات المركزية وأيضاً لشركة «بلاك ووتر» حيث شملت التفجيرات والاعتداءات مقدسات تنسب للمذهبين شكلياً حسب التصنيف الإعلامي، تفجير لمسجد أو لتجمّع سني، يعقبه تفجير أكبر لمسجد أو تجمّع شيعي، وفعَل التحريض فعْله بمواكبة إعلام عميل ومستهدف على مساحة الجوار، وفي السياق جرى توظيف واستغلال الفتاوى الصادرة عن مراكز وعلماء دين، سواء كردود أفعال أو كتوظيف مأجور ومطلوب، ثم، وبعد خروج القوات الأميركية صدرت أوامر التفجير على نطاق واسع، وتمّ استهداف مراكز الدولة فوصلت أشدّها باستهداف المربع الأمني في العاصمة وخرجت مناطق كثيرة على السيطرة خلال سنتين أو ثلاث، إلى أن تمّ تتويج ذلك باجتياح الموصل وظهرت داعش وكأنها دولة فعلية على مساحات شاسعة من الأرض السورية والعراقية، بعد أن فتحت لها تركيا الأبواب على مصاريعها، موانئ ومطارات وبوابات عبور حدودية، تركيا كانت الشريك الأقرب إلى الغول الذي استولدته الاستخبارات الأميركية، وعليه بنت إدارة أردوغان خططها التوسعية التي بدأت تتكشف فصولها خلال المرحلة الحالية.

الشراكة التركية المتأخرة في الحرب على داعش!

عندما أعلنت الولايات المتحدة الأميركية عن إنشاء تحالف لمحاربة داعش، طبعاً بعد أن سهّلت لهذا التنظيم عن طريق لعبة استخبارية وضع اليد وحيازة كميات هائلة من أسلحة وعتاد الجيش العراقي، رفضت تركيا الانضمام لهذا التحالف نتيجة قراءات خاطئة للموقف وللمستقبل على حدّ سواء، وأيضاً لإثبات أنّ حزب العدالة والتنمية هو حليف موثوق لمن كانوا يعتبرونهم «مجاهدين مؤمنين»، ومن الداخل التركي وفي عديد من المدن كان هناك شهود عيان أثبتوا أنّ قيادات وأفراد من التنظيم يتجوّلون بحرية مطلقة وبعضهم بالسلاح وتحت حماية الاستخبارات التركية، وكان الثمن أكداس من المال السعودي والقطري، ولاحقاً بعد مضيّ سنتين أثبت التحالف أنه كان يقوم بتمثيل مسرحية قتالية على خشبة الأرض العراقية مارس خلالها وتحت جنح الظلام إمداد داعش لوجستياً في الوقت الذي قصف فيه الحشد الشعبي العراقي بعنف تحت عنوان… نيران صديق بالغلط، وتحكم في حركة الجيش العراقي لتمديد فترة الصراع وتمكين داعش، في نفس الوقت وعلى الساحة السورية قام التحالف بتدمير البنية التحتية في المناطق الشمالية والشرقية وحتى حلب وخاصة الجسور والمحطات الكهربائية والمنشآت النفطية التي لم تكن قد سقطت بيد داعش، كما قصف طيرانه معسكرات الجيش السوري في محيط الرقة لتسقط المدينة اثر ذلك، وفي محيط دير الزور كرّر هجومه أكثر من مرة مدّعياً أنه خطأ… وبقيت دير الزور عصية على تحقق المشروع…

بعد كلّ هذه الحقائق لا يزال الأميركي يعلن أنه يحارب داعش، وهذا أعطى للتركي مثالاً وقدوة يجب احتذاؤها والإعلان عن محاربة داعش بنفس الطريقة، أولاً: للحلول محلّ داعش بشكل مباشر ومنسق، وثانياً: لحماية عناصره وقياداته وقطع الطريق على وضع نهايتهم قيد التحقيق على أيدي الجيش السوري والعراقي وبمساعدة غطاء جوي روسي.

لا تواجه الولايات المتحدة الأميركية أية عقبات في التواجد على الأرض العراقية، وهي تحدّد المحاور التي تقوم بتغطيتها عملانياً على الأرض وحتى من الجو، بذلك تضمن تحركاً مأموناً لأدواتها من تنظيم الدولة، واكتشف قادة المنطقة من العراقيين والسوريين وأيضاً الروس أنّ الغاية الأميركية هي دفع قوات داعش بما تملك من أسلحة أميركية حديثة باتجاه العمق السوري عبر الرقة شرق حلب، ودير الزور باتجاه تدمر وصولاً إلى ريف حمص ما يشكل نوعاً من حصار على امتداد واسع للقوات والدولة السورية وتمّ البدء باتخاذ إجراءات أكثرها فاعلية التطويق لغرب الموصل من قبل قوات الحشد الشعبي وقطع الطريق دخولاً وخروجاً منها وإليها، وليس من المستبعد قيام القوات الجوية للتحالف باستهداف محور عريض لتواجد قوات الحشد بالتنسيق مع داعش للخروج والوصول إلى بادية الشام أو الجزيرة السوريتين، إضافة إلى محور قد يكون شبه بديل أو رافد باتجاه الشمال مخرج تحت المظلة التركية وضمن مخطط مسبق يؤكده إصرار حكومة أردوغان على البقاء في معسكر بعشيقة قبل أشهر، ثم الإعلان عن قرار المشاركة في تحرير الموصل، وأمام معارضة الحكومة العراقية وبرلمانها جرى التهجّم على رئيس الوزراء العراقي والإعلان أنّ تركيا ليست بحاجة لإذن من أحد لتفعل ما تريد، وجاء ذلك مصحوباً بخرق الحدود السورية بذريعة تحرير جرابلس الحلول محلّ داعش الذي التحق أفراده بالقوات التركية بعد تغيير مظهرهم وقطع الطريق على قيام كيان كردي في الشمال مدعوم من أميركا ذات الوجهين… وبقي الأمر المحيّر هو الصمت الروسي أمام السلوك التركي وإعلانه منطقة آمنة على مساحة 5000 كم مربع، يجري فيها تثبيت الإدارة التركية وليست السورية الممثلة لما يسمّى «الثورة» ويرفع العلم التركي وليس علم الانتداب «علم الثورة»…

اليوم وفجأة جرى إعلان بدء العمليات من قبل قوات «قوات سورية الديمقراطية» التي ترفع أيضاً العلم الأميركي، لتحرير الرقة وهي ليست مدرجة ضمن المنطقة الكردية وسكانها من العشائر العربية التي تمّ تهجير أغلبهم، ومعلوم أنّ هذه القوات تدعمها القوات الأميركية ويغطيها طيران التحالف، في الوقت الذي بدأ الجيش السوري توجهه نحو الباب لقطع الطريق على مخطط أعلنته تركيا قبل فترة مستهدفة منبج عبر الباب.

اليوم وفي خضمّ ما يحصل يتبيّن لقادة المحميات الأميركية في نجد والحجاز وما حولهما حقيقة قيمتهم التي لا تساوي جزءاً من أموالهم المستهلكة… وأصفار تسقط عن اللوحة.

ويتبيّن لقادة «الثورة» الأدوات أنهم على نفس السوية من الأهمية… أدوات مرحلية محدودة الصلاحية تحقق الغرض منها… ويتمّ تهميشها توطئة للتخلص منها ودفعها إلى مزبلة العمالة. ميشيل كيلو عبّر عن جانب من هذه الحقيقة المرة .

الأمر ذاته ينتظر الأدوات الكردية سواء كان اسمها «قوات سورية الديمقراطية، أو البرازانية»… فهي وتحت الراية الأميركية مخصصة لمهامّ مرحلية تنتهي بوضع اليد الأميركية وحتى التركية على أجزاء من الشمال السوري، وسيكونون تحت الانتداب أو الاستعمار إنْ نجحت الخطة، وإلا يستمرّ الصراخ الأميركي أنّ حقوقهم مهدورة، أو يفرح التركي بأنهم أصبحوا منبوذين من شعبهم وأمتهم، بل أصبحوا في خانة الأعداء. ما زال صالح مسلم يتعلق بشعرة مدافعاً عن ارتهانه للإدارة الأميركية… قريباً يبق البحصة!

اليوم الذي تخرج فيه أميركا من الشمال السوري ستلحقون بها كما لحق جيش لحد بجنرالات الكيان الصهيوني، عندها سيكون إذلالكم أكبر بكثر فهنا لا حدود تفتح بوجهكم، وطائرات النقل الأميركية ستقلع على عجل… أما أنتم فتكونون بمواجهة شعبكم حيث أنتم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى