هكذا تلعب أميركا بأوراقها… وهكذا نبعثرها ونمضي بثبات
جمال رابعة
المتابع لتطوّرات الأحداث إقليميّاً ودوليّاً وفي المنطقة، قد تختلط عليه الأمور لتعقّد المواقف وتناقض التحالفات والتصريحات لجهة الموقف التركيّ وموقف وأهداف ديكتاتور أنقرة من الصراع الدائر في المنطقة وعلاقته بحلف الناتو، في مقابل حلف المقاومة الممتدّ من موسكو إلى طهران مروراً بالعراق إلى سورية فلبنان.
الثابت أنّ الرِّهان الأميركيّ ومخطّطه في سورية والمنطقة قد فشل بكلّ مراحله، وهذا مردّه إلى صلابة ومتانة ثلاثيّة الجيش العربيّ السوريّ والشعب والقائد والمقاومة الوطنيّة اللبنانيّة وروسيا وإيران.
الوقائع كانت تؤكد أنّ هناك ضغطاً أميركيّاً على أردوغان للتدخّل عسكريّاً بقواته في سورية، لكن كان يقابَل بالرّفض من قِبله إلّا بمشاركة ميدانيّة عسكريّة من الجانب الأميركيّ، وهذا أمر لا توافق عليه الإدارة الأميركيّة لوجود جيوش بالإنابة تقاتل لتحقيق أهداف مشروعها في المنطقة، كتلك المجاميع الإرهابيّة من «داعش» و«النصرة» و«نور الدين الزنكي» والجيش التركي.
من هنا، كان لزاماً على الجانب الأميركيّ المراهنة على حصان طروادة واللعب على الورقة الكرديّة ومداعبة أحلامهم لتحقيق كيان مستقلّ في الشمال السوريّ، والهدف الأميركيّ ذو بُعدَيْن…
الأول، المزيد من الضغط والاستنزاف للجيش العربيّ السوريّ والدولة السوريّة، ممّا يمهّد للمجاميع الإرهابيّة تحقيق التمدّد وعلى كامل الجغرافية السوريّة.
الثاني، هو تحريض ديكتاتور أنقرة للتخلّي عن شرطه بالاعتداء والتدخّل في سورية والعراق من دون المطالبة بالمشاركة الميدانيّة من القوات الأميركيّة، فكان لها ذلك. تدخّل أردوغان لذات الأسباب التي سُمح له بالتدخّل وفقها، وغضّ النظر عمّا يحصل في الشمال السوريّ من قِبل الحلفاء وشركائنا في النصر روسيا وإيران، بمحاولة لمنع وانقطاع وامتداد أحلام كرديّة تغذّيها الإدارة الأميركيّة لمجموعة من القيادات السياسيّة الكرديّة ذات التوجّهات المتعدّدة، والتي تعمل مع العديد من الاستخبارات الدوليّة والعالميّة ومنها الموساد «الإسرائيلي». أمّا عامة الشعب الكرديّ في سورية، فهي مكوّن أساسي ورئيسي من مكوّنات الشعب السوريّ لا ناقة ولا جمل له ممّا يحصل من قِبل هذه القيادات ذات الأحلام الورديّة.
الثابت أنّ الإدارة الأميركيّة لعبت في الورقة الكرديّة، ولم يدرك الأكراد أنّ هناك حدوداً لرعاية أميركا لهم وحمايتهم من تدخّل تركيّ عندما تحقّق هدفها بدخول القوات التركيّة إلى سورية وتخلّيها عن شروطها بتدخّل أميركي مباشر، وأنّ ديكتاتور أنقرة وجيشه الإنكشاريّ يقاتل كما «داعش» بالإنابة عن أميركا والكيان الصهيونيّ في هذه اللعبة القذرة المرسومة باقتدار.
ديكتاتور أنقرة يقول، إنّ تركيا موجودة في سورية والعراق، وإنّ لها الحق في ذلك. ويتابع القول خلال اجتماع للمخاتير في أنقرة: «ينبغي أن نأخذ حقوقنا التاريخيّة والقانونيّة بعين الاعتبار عندما نتحدّث عن المسألة العراقيّة»… مؤكداً «أنّ القوات المدعومة من تركيا تتقدّم نحو مدينة الباب السوريّة».
يستند ديكتاتور أنقرة على أوهام سلجوقيّة طورانيّة، وخرائط تسعى إلى إظهار الحدود المنصوص عليها في الميثاق الوطنيّ التركيّ، الوثيقة التي دعا أردوغان أخيراً رئيس الوزراء العراقي إلى قراءتها لفهم سبب اهتمام بلاده بالموصل. الميثاق الوطنيّ التركيّ، الذي وُقِّع عام 1920 بعد هزيمة الإمبراطوريّة العثمانيّة في الحرب العالميّة الأولى، يحدّد الأجزاء من الإمبراطوريّة التي تُعدّ الحكومة مستعدّة للقتال من أجلها على الحدود الجنوبية لتركيا، يمتدّ الخط من شمال حلب إلى كركوك في العراق.
وقالت صحيفة «جوز نيوز» في تقرير تابعته «سكاي برس»، إنّ «روسيا ستهاجم القوات التركيّة المتواجدة في قبرص في حال تدخّلت القوات التركية في الموصل»، داعياً تركيا إلى «الكفّ عن تصدير سياستها القذرة إلى دول الجوار».
وفي ذات السِّياق، يأتي تعليق الاتّفاق الروسيّ الأميركيّ وتصاعد التهديدات الأميركيّة بتنفيذ «الخطة بـ«، وكذلك بدأت روسيا زيادة حشدها العسكريّ في سورية.
ولهذا جاء التحذير الروسيّ في وقته، ليضع حدّاً لهذا التمادي والتجاوز بتدمير ثلاثة جسور على الفرات، والاعتداء على الجيش العربيّ السوريّ في جبل الثّردة بديرالزور، ليس لضرب البُنية التحتيّة فقط، بل لتبيان ردود الفعل وجسّ النّبض لروسيا وحلفائها لهذا التدخّل تمهيداً لما بعد الموصل وحلب.
ماذا يُفهم من تعليمات البنتاغون بإجهاض اتّفاق الهدنة مع الرّوس في سورية؟ والتلويح بخيار استهداف البُنى التحتيّة العسكريّة ومواقع الجيش العربيّ السوريّ؟
وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، يقول إنّ العمليّة السياسيّة السوريّة أُرجئت لأجلٍ غير مسمّى، وذكرت صحيفة «واشنطن بوست» أنّ ضربة جويّة كبيرة كانت ستقوم بها الولايات المتحدة ودول الناتو للجيش العربيّ السوريّ في شهر تشرين الأول الماضي.
وبدورها، وكالة الأنباء الدوليّة الروسيّة «vest wk» في مقابلة مع الخبير العسكريّ الروسيّ فلاديمير يفسيف، حيث يقول إنّ اكتشاف الخطة الأميركيّة لضرب الجيش السوريّ هو الذي دفع روسيا لنشر أنظمة مضادّة للصواريخ والطائرات من نوع «أس 300» و«أس 400»، والقادرة على اعتراض الصواريخ البالستيّة الأسرع. يتابع الخبير أنّ قرار موسكو إرسال أسطول من السفن الحربيّة، وعلى رأسه حاملة الطائرات الأدميرال كوزنيتسوف، إلى السواحل السوريّة قد أنقذ الجيش السوريّ من هجوم صاروخيّ أميركيّ، ولقد فوجِئت واشنطن بإرسال موسكو لهذا الأسطول الكبير من السفن الحربيّة، كما أنّ وجود السفن الروسيّة بين الجزائر وإيطاليا يعطّل ما تخطّط له سفن حلف شمال الأطلسي باستخدام صواريخ كروز لضرب سورية.
خلاصة القول اليوم، إنّه إبّان ما أعلنت عنه واشنطن من خيارات عسكريّة ضدّ الجيش العربيّ السوريّ، لم نكن نخشى هذه التهديدات لأنّنا نؤمن بما تصوغه الدولة السوريّة والرئيس بشار الأسد في إطار التحالف مع الدول العظمى والإقليميّة الوازنة، والتي لا يمكن أن تتخلّى عنّا لأنّها تدرك طبيعة المعركة، وتعي أنّها تخوض ذات المعركة لمواجهة ذات الاستهداف فيما لو تحقّق ونجح المشروع المعادي في سورية.
ولا يزال في حوزتنا الكثير من الأسلحة الاستراتيجيّة التي ستفاجئ الجميع فيما لو تعرّضنا لعدوانٍ مباشر. إنّ المعركة كبرى، والمواجهات المباشرة لم يحن وقتها الآن، عندها فقط سيعلم القاصي والدّاني قدرات الجيش العربيّ السوريّ ودفاعاته الجويّة وآثارها، وهو اليوم الموعود الذي ننتظره…
عضو مجلس الشعب السوري