قالت له

قالت له: لماذا يكون الغضب كبيراً والصوت مرتفعاً في خلاف الحبيبين؟ ولماذا يفقدان قدرة السيطرة على فرص البقاء معاً إذا أخذ أحدهما على الآخر مأخذاً، فيقول فيه كلاماً لم يقله بأسوأ من عرفهم، وهو يعلم ما كان يقوله عن حبيبه من قبل؟

فقال لها: الأمر يختلف إن كان الحبيب قادراً على إخراج حبيبه من حياته، ويطوي الصفحة أم لا. فإن فعل، ما يقوله تصفية حساب لحبّ كان ميتاً وينتظر رصاصة الرحمة. وإن بقي يواظب على التذكّر والتذكير ولو بالذمّ وسيّئ التعبير، فهو ملازم له. ودرجة الغضب تتلازم مع درجة الحبّ. ومهما كان المأخذ وحجم الكلام المُقال، يبقى عليه السؤال لماذا تكبير الجروح التي لن تشفى؟ وإن كان الحبيب صار خارج حياته فلماذا مواصلة الصراخ وعلى الحبيب أن يسأل بالمقابل أليست درجة الغضب ودرجة الصراخ تعبيراً عن درجة الألم؟ وما قاله كلّ حبيب أو فعله أو تراءى له سيّئ القول والفعل، حتى صار ما صار. أيكفيان للفراق المسالم والنسيان أم هي بعض من انكشافات البشر عندما يقتربون كثيراً من بعضهم، فيرون ما لم يكن ظاهراً من قبل، وما قد لا يرونه في الغير، لأنهم لم يقتربوا أو لم يرَ مثله الحبيب فيهم، لأنه لم يقترب، وهم ليسوا أفضل منه بما يشبه وربما أكثر، لكنهم يتشبثون بما بين أيديهم، أو يظنونه كذلك ليمارسوا لحظة كبرياء تأخذهم نحو الفراق، وبعض من جذورهم يقاوم. لكن الكلام صار فوق السحاب وصار سقفاً لا مكان معه لعتاب.

فقالت له: وإن كان الظنّ بالسوء صحيحاً؟ هل يصير الحبّ سبباً لمغفرة أو تسامح رغم الألم والانكسار؟

فقال لها: الأصل في السؤال، هل ينظر الحبيب للحبيب بحُسن النيّة منذ البداية؟ أم تأخذه لعبة الوهم والادّعاء إلى سوء الفهم والجفاء؟ فهل كان الصدام صدفة أم جاء بخطّة وصيد ولعبة الفريسة وجراح المفجوع وإثبات مظلومية الموجوع؟

فقالت: المهم أنه شعور بالجراح وانتفاض للكرامة.

فقال لها: هذا يكون إما انتفاضاً عابراً قبل الهدوء أو قطع دابر بداعي رفض الخنوع. أما أن يكون رفقة ألم مقيم فضرب من ضروب تعذيب الذات ولحس مبرد يتستطيب طعم الدم المسال، ويكابر في الجواب، وينسى السؤال هل هو الآن أفضل؟ فإن كان نعم فليس له أن يسأل، وإن كان لا فلماذا يصرّ أن يفعل؟ وأسخف الأسئلة في الحبّ من هو المسؤول ومن هو المضحّي ومن هو المنشغل ومن هو المشغول؟ فإن مات الحّب صارت كلّ الأسئلة مشروعة، وإن كان حياً صارت الأسئلة إرضاء غرور يقبل في حال الدلال لا في كل حال. فالحب ليس دفتر حساب لأن فواتيره آلام مدفوعة.

فقالت وإن رأيتك في منامي فيما أكره أن أراك، وغضبت وسألت وقيل لي إن منامي مفسر وأنك بالأمس معها كنت تسهر.

فقال لها: وإن كنت بالأمس مع حظّي الأعثر أشرب الشاي والزعتر؟

فقالت: إذن، أغلِق الدفتر، وتعال إليّ الليلة بعد العشية أو أكثر.

فقال لها: وهل كان بيننا عتاب وتبخّر؟ أم الحديث في العموم وليس لنا في العتاب محضر؟

فقالت: كان حلماً وفُسّر. وتذكّر بعد اليوم مع سواي لا تسهر.

فمشى أمامها وتعثّر!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى