مدّ اليد… نهبٌ «مشروع»

وليد زيتوني

يصعب حالياً، التكهّن بما ستكون عليه الإدارة الأميركية المقبلة، وما هي الاتجاهات التي ستسلكها، إلاّ بعد تعيين فريق العمل الرئاسي كما هو العرف المتبع في الولايات المتحدة، غير أنّ النتائج الفورية التي أسفرت عن انتخاب دونالد ترامب يمكن تلخيصها بالتالي:

ـ تراجع الإعلام المباشر في توجيه الرأي الأميركي وصناعة القرار، لحساب العالم الافتراضي وخاصة وسائل التواصل الاجتماعي التي كانت الأداة الأقوى بمواجهة الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، الذي استفاد منه ترامب لأبعد حدود.

ـ عدم الرضى الأميركي شعبياً عن الأداء السياسي للولايات المتحدة الأميركية، وفي مقدّمه استخدام القوى المتشدّدة والمتطرفة في تحقيق الأهداف، وما درج على تسميته بالحرب الناعمة. تماماً كما رفض من قبل أسلوب الحرب المباشرة التي قامت بها الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق في عهد جورج بوش الابن المسماة بالحرب الجامدة.

ـ الخروج من نمطية القيادات التقليدية المصنّعة سلفاً من اللوبيات والكارتلات، إلى شخصية رجل أعمال يقود أميركا بأسلوب مغاير نسبياً.

هذا لا يعني أبداً القفز فوق مؤسسات الدولة ولا القفز فوق مصالح الحزب الجمهوري الذي حمل ترامب إلى سدّة الرئاسة. بالطبع وقبل كلّ ذلك استحالة حصول تغيير في الاستراتيجية الأميركية الشاملة، أمّا إذا حصل هذا التعديل فيتناول الأسلوب فقط دون شمول هذا التعديل القواعد الأساسية.

من المعروف أنّ الاستراتيجية الأميركية تقوم على ركنين أساسيين هما: قوة الدولار التي تعني ترف الشعب الأميركي على حساب الشعوب الأخرى. والركن الثاني هو خلق عدو خارجي، يكون أداة تماسك داخلي وانصهار اجتماعي من جهة، وتبرير رصد ميزانيات مالية كبيرة لتقوية الجيش كأداة في عملية النهب الخارجي وفرض السيطرة على العالم والهيمنة على اقتصاده من جهة ثانية.

ومهما تكن الصورة المقبلة ضبابية، إلاّ أنّ الخطاب الأول لترامب بعد فوزه قد أشار بشكل واضح لبعض التغييرات التي ستطال أسلوب الإدارة المقبلة، مع العلم أنّ أميركا وبكافة المراحل السابقة لم تلتزم العهود مع أصدقائها واستطراداً مع أعدائها إلاً ما يؤمّن لها مصالحها، ومصالحها فقط.

المواقف المبدئية التي أطلقها ترامب ذات شقين داخلي وخارجي، بالإضافة إلى كثير من الوجدانيات كسلعة رائجة في هذه المناسبات.

ففي الشق الداخلي هو لا يخرج عن السياق العام للاستراتيجية الأميركية في ما يتعلّق برأب الصدع الداخلي مع إعطائها أولوية على صعد تنمية وترميم البنى التحتية والالتفات إلى الشرائح «المنسية»، من الشعب الأميركي وتحديداً قدامى القوى المسلحة.

أما في الجانب المتعلّق بالسياسة الخارجية، فإنّ الأمر أكثر غموضاً، بالتالي ما طرحه ترامب يبدو كلاسيكياً وعاماً لو كانت الدولة غير الولايات المتحدة، ولو أنّ الرئيس غير رئيس الولايات المتحدة. فالولايات المتحدة هي مَن تطرح شرّها على العالم، وتعرض قوتها، بل تهاجم الأهداف التي تراها ضرورة لتحقيق سياستها واستراتيجيتها. لم يسبق في التاريخ أن هاجمت دولة ما الولايات المتحدة في عقر دارها، إنما الولايات المتحدة هي مَن ترسم حدود أمنها القومي الافتراضي على امتداد العالم، وترسل جيوشها الجرّارة، وأساطيلها المتمدّدة لإخضاع من يقف في وجه مصالحها ووجه سياستها.

إنّ سياسة مدّ اليد للأمم الأخرى، إنما تخفي في طياتها الحصول على امتيازات دون أكلاف بشرية ومادية، وأكثر من ذلك هي تريد نهب ثروات العالم بشكل «شرعي ومقونن». إنها فوقية جديدة في التعامل الخارجي يرافقها بالتأكيد استعراض للقوة الساحقة والترسانة المتفوّقة نوعياً وتكنولوجياً.

هذا النمط من التعامل سيعيد العالم إلى عهد إظهار القوة وعدم استعمالها، وهو النمط المرجّح بعد فشل أسلوبي الحرب الجامدة والناعمة.

وبالرغم من ذلك يبدو أنّ أميركا، وبنتيجة الانتخاب الأخير قد فشلت في الحفاظ على فرادتها بحكم العالم، وكسابقتها الإمبراطورية الإنكليزية الآيلة إلى الانحسار والانكماش، بحيث تغيب الشمس عن أراضي الإمبراطورية التي ورثتها.

أخيراً ترامب الذي يتماهى مع شخصية بوتين علناً يُخفي سلوك غورباتشوف ضمناً.

فهل سنشهد غلاسنوست أميركي عمّا قريب؟

نائب رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى