ذكّر إن تنفع الذكرى
في أيام وظروف مشابهة قبل ثمان سنوات، ناقشت لجنة أميركية عليا تمثّل الحزبين الجمهوري والديمقراطي برئاسة شخصيتين بارزتين في الحزبين هما: جيمس بايكر ولي هاملتون، كيفية الخروج من المأزق العراقي، إذ لا جدوى من المزيد من التورط العسكري، بعد معارك الفلوجة وتنامي الظواهر الإرهابية المتطرّفة. وخلصت اللجنة لتوصيات عرفت بتوصيات بايكر ـ هاملتون.
التوصيات التي حملها تقرير اللجنة تنطلق من العداء الأميركي مع سورية وإيران، ومن المصالح المتصادمة معهما. لكنها ترى فرصة لمواجهة الأزمة أو الكارثة العراقية باستنهاض فرص تعاون معهما وفقاً لاحترام توازن المصالح، وتدعو إلى إطار إقليمي أوسع عبر التصدّي للصراع العربي ـ «الإسرائيلي» بشجاعة اعتماد القرارات الدولية، ومنها قيام الدولة الفلسطينية على أراضي العام 1967 لسحب فتائل التفجير، وإرساء استقرار إقليمي من دون أن يصعب التصدّي لمخاطر الإرهاب في العراق، كما يحول ذلك دون الاعتراف بحلّ سلمي لملف إيران النووي وبالدورين السوري والإيراني في لبنان والعراق، وبحق لبنان وسورية باسترداد أراضيهما المحتلة من قبل «إسرائيل».
التوصيات ليست قطعاً تسليماً بالحقوق العربية ولا اعترافاً بنهج المقاومة ولا بصحة نهج سورية، بل هي قدر من واقعية عدو يستخدم عقله للبحث عن مصالحه العميقة لا عن حسابات ضيقة بعقل ضيق وجيوب واسعة.
إعادة نشر بعض فقرات التقرير للمقارنة مع ما يذهب إليه الرئيس الأميركي باراك أوباما من إعادة لسياسات جورج بوش التي كان فشلها سبباً لتقرير بايكر ـ هاملتون وزارع الفشل يحصد الهزيمة.
فقرات من توصيات تقرير لجنة بايكر ـ هاملتون
ـ يجب تشكيل المجموعة الدولية لدعم العراق فور بدء هذه الهجمة الدبلوماسية الجديدة، باعتبارها إحدى أدواتها.
ـ ينبغي أن تتشكل هذه المجموعة من العراق وكل دول جواره، بما فيها إيران وسورية، إضافة إلى الدول الرئيسية في المنطقة، ومنها مصر ودول الخليج، والأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي. ويمكن أن تنضمّ دول أخرى مثل ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية، التي قد تكون مستعدّة للمساهمة في حلّ سياسي ودبلوماسي.
ـ الدبلوماسية الجديدة وعمل المجموعة الدولية ينبغي أن يتمّا بسرعة، وأن يكونا على مستوى وزراء الخارجية أو أعلى. ويجب أن تتولى وزيرة الخارجية الأميركية، إن لم يكن الرئيس، جهود الولايات المتحدة التي يمكن أن تكون ثنائية أو متعدّدة الاطراف، حسبما تقتضي الظروف.
ـ يجب أن تطلب المجموعة الدولية مشاركة مكتب الأمين العام للأمم المتحدة في عملها. وينبغي أن يسمي الأمين العام مبعوثاً خاصاً له في المجموعة.
ـ ينبغي أن تطوّر المجموعة نهجاً محدّداً للتعاطي مع دول الجوار، يأخذ بعين الاعتبار مصالح هذه الدول وتوجهاتها ومساهماتها المحتملة.
إن التعامل مع إيران وسورية مثار خلاف. ومع ذلك، نرى أن أي أمة، من وجهة نظر دبلوماسية، يمكنها وينبغي عليها أن تشرك خصومها وأعداءها في محاولة لتسوية النزاعات والخلافات تماشياً مع مصالحها. وعليه، فإن على المجموعة الدولية إشراك إيران وسورية في حوارها الدبلوماسي من دون شروط مسبقة. وترى مجموعة الدراسات حول العراق أن العلاقات الأميركية مع سورية وإيران تشمل قضايا صعبة يجب أن تحل. لكن ينبغي إجراء محادثات دبلوماسية مكثفة وموضوعية، تتضمن قدراً من توازن المصالح. ويجب أن تضع واشنطن في اعتبارها نظام الحوافز لإشراك سورية وإيران، كما حدث بنجاح مع ليبيا.
ـ يجب على الولايات المتحدة أن تنخرط مباشرة مع إيران وسورية في محاولة للحصول على التزام منهما بسياسات بناءة إزاء العراق والقضايا الإقليمية الأخرى. وعلى واشنطن التفكير في الحوافز وكذلك العقبات، في سعيها إلى نتيجة إيجابية. وينبغي البحث في إمكان تكرار التعاون الإيراني ـ الأميركي في أفغانستان، لتطبيقه على الحال العراقية، على رغم أنّ إيران ترى أن من مصلحتها أن تغوص الولايات المتحدة في مستنقع العراق.
ـ يجب أن يستمر التعامل مع مسألة البرنامج النووي الإيراني عبر مجلس الأمن وأعضائه الخمسة الدائمين، إضافة إلى ألمانيا.
ـ يجب أن تسعى المجموعة الدولية إلى إقناع إيران، عبر الجهود الدبلوماسية، بأن عليها اتخاذ خطوات محدّدة لتحسين الوضع في العراق.
كذلك، وعلى رغم أن العلاقة بين الولايات المتحدة وسورية في أدنى مستوياتها، فإن المصالح السورية في النزاع العربي ـ «الإسرائيلي» مهمة ويمكن تحريكها. ونوصي بما يلي:
ـ يجب إقناع سورية بمصلحتها وتشجيعها على المساهمة في خطوات مثل مراقبة حدودها مع العراق إلى أقصى حدّ ممكن، وتسيير دوريات مشتركة مع العراقيين على الحدود، وإنشاء خطوط لتبادل المعلومات، وزيادة التعاون السياسي والاقتصادي مع العراق.
وفي سياق إقليمي أوسع، لن تكون الولايات المتحدة قادرة على تحقيق أهدافها في الشرق الاوسط ما لم تتعامل مباشرة مع الصراع العربي ـ «الإسرائيلي». يجب أن يكون هناك التزام متجدّد ومستمر بتسوية شاملة بين العرب و«الإسرائيليين» على جميع الجبهات: لبنان وسورية وفلسطين. وهذا الالتزام يجب أن يشمل المحادثات المباشرة مع «إسرائيل» ولبنان والفلسطينيين، الذين يقبلون بحق «إسرائيل» في الوجود، لا سيما سورية التي تعتبر نقطة العبور الرئيسة لنقل الأسلحة إلى حزب الله وتدعم مجموعات فلسطينية متطرّفة. ولا حل عسكرياً لهذا الصراع.
ـ يجب أن يكون هناك التزام متجدّد ومستمر من الولايات المتحدة بتسوية سلمية شاملة بين العرب و«الإسرائيليين» على الجبهات كافة.
ـ هذا الجهد يجب أن يشمل الدعوة غير المشروطة في أقرب وقت ممكن إلى اجتماعات تحت رعاية الولايات المتحدة أو اللجنة الرباعية الدولية، بين «إسرائيل» ولبنان وسورية من جهة، و«إسرائيل» والفلسطينيين من جهة أخرى، بغرض التفاوض حول السلام كما حدث في مؤتمر مدريد عام 1991، على مسارين منفصلين أحدهما سوري ولبناني، والآخر فلسطيني.
ـ يجب أن تشمل المفاوضات مع سورية في شأن السلام بعض العناصر، وهي الامتثال الكامل لقرار مجلس الأمن 1701 الذي يوفر إطاراً لاستعادة لبنان سيادته، والتعاون الكامل مع التحقيق في كل الاغتيالات السياسية في لبنان، لا سيما رفيق الحريري وبيار الجميل، والتحقق من وقف المساعدات إلى حزب الله واستخدام الأراضي السورية لنقل الاسلحة من إيران إليه، وأن تستخدم سورية نفوذها لدى حزب الله و حماس لإطلاق الجنود «الإسرائيليين» الأسرى، والتحقق من وقف سورية محاولات تقويض الحكومة المنتخبة ديمقراطياً في لبنان، والتحقق من وقف شحنات الأسلحة من سورية إلى حماس أو غيرها من الجماعات الفلسطينية المتشدّدة، وأن تساعد سورية في الحصول على التزام من حماس بالاعتراف بحق «إسرائيل» في الوجود.
ـ وفي مقابل هذه الاجراءات وفي سياق اتفاق سلام شامل آمن، يعيد «الإسرائيليون» الجولان، مع ضمانات أميركية لأمن «إسرائيل»، يمكن أن تضم قوة دولية على الحدود، بما في ذلك قوات أميركية، إذا طلب الطرفان.
ـ في ما يخصّ القضية الفلسطينية، يجب التمسك بقراري مجلس الأمن 242 و338 ومبدأ الأرض مقابل السلام، باعتبارها الأساس الوحيد لتحقيق السلام، وتقديم دعم قوي للرئيس الفلسطيني محمود عباس والسلطة الفلسطينية لأخذ زمام المبادرة في تمهيد الطريق لإجراء مفاوضات مع «إسرائيل»، وبذل جهد كبير في دعم وقف إطلاق النار، وتقديم الدعم لحكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية، وعقد مفاوضات تعالج قضايا الوضع النهائي الخاصة بالحدود والمستوطنات والقدس وحق العودة ونهاية الصراع.