ماذا وراء احتجاجات الشارع الأميركي؟

معن حمية

للولايات المتحدة الأميركية رئيس يحكمها، لا رئيس يتحكم بسياساتها الاستراتيجية. هذه قاعدة ثابتة راسخة، لا ينكرها الأميركيون الديمقراطيون منهم والجمهوريون، ويعرفها كلّ مَن هم مع أميركا، ومَن هم ضدّها.

السياسات الاستراتيجية ترسمها معاهد الدراسات واللوبيات المتحكمة لتحقق مصالح الدولة الأميركية العظمى ومصلحة «إسرائيل»، وأيّ أميركي ينتخب رئيساً يختار إدارة تعاونه على ترجمة هذه السياسات، وما من اختلاف بين رئيس وآخر، إلا في الأسلوب والسلوك… فجورج بوش الابن، سلك طريق خوض الحروب المباشرة، واحتلّ العراق لتحقيق الأهداف ذاتها التي عمل على تحقيقها خلفه باراك أوباما عبر الأدوات، وليس بصورة مباشرة.

القاسم المشترك بين بوش الابن وأوباما هو تحقيق الأهداف ذاتها. وبما خصّ بلادنا، كان المخطط، ولا يزال، تدمير مشروع الدولة وتجريده من عناصر قوته. وتتمة هذا المخطط تقضي بتقسيم بلادنا وتفتيتها وتشظيتها طائفياً ومذهبياً وعرقياً، وهذه مصلحة استراتيجية لأميركا و»إسرائيل».

مع ترامب لن تتبدّل الأهداف، وربما الأولويات، لكن هذا الرئيس الذي تطلق عليه «النخب» الأميركية صفة المتعجرف، وبأنه سيُنزل أميركا من أعلى القمة إلى أسفل المنحدر، ربما يكون سبباً في وقف المسار الانحداري للولايات المتحدة.

الإدارات الأميركية المتعاقبة نجحت في تدمير قوة العراق وزعزعة أركان وحدته، وقادت بالواسطة حرباً إرهابية ضدّ سورية، وأشعلت حروباً في عدد من البلدان العربية، لكنها أنتجت في المقابل مجموعات كبيرة من الإرهابيين المتطرفين، وهؤلاء يشكلون خطراً على المجتمعات كلّها، بما في ذلك المجتمع الأميركي. ولعلّ ترامب هو الأبرع بين أسلافه في فهم طبيعة الخطر الإرهابي. وربما هو الوحيد الذي لا يزال يتذكر هجمات 11 أيلول 2001 الإرهابية على بلاده من قبل تنظيم «القاعدة» الذي ترعرع في كنف أميركا واشتدّ إرهابه بفعل المال والسلاح الأميركيين.

والذين لا يرون في ترامب رئيساً جديراً بقيادة أميركا، يتجاهلون أنّ هذا الرجل على صورة بلاده، ويترجم سياسة ازدواجية المعايير التي تعتمدها بلاده، وموقفه واضح ضدّ الحركات الإرهابية المتطرفة، لكنه في المقابل يقف في صف الإرهاب الصهيوني، وقد عبّر عن وقوفه إلى جانب «إسرائيل»، في الحملة الانتخابية وما قبلها، وحين أصبح رئيساً.. وهذا من صلب الاستراتيجية الأميركية.

لكن في المقابل، يدرك ترامب أنّ الدعم الأميركي وحده لـ «إسرائيل» لن يكون كافياً لتحقيق المصلحة الأميركية «الإسرائيلية» الواحدة المشتركة، خصوصاً بعد أن تراجعت أميركا في السنوات الأخيرة من موقع أحادية القرار والقطبية الواحدة إلى تخوم الموقع الذي تقدّمت اليه روسيا والصين ودول أخرى، وهذا التراجع الأميركي يدفع ترامب إلى اعتماد سلوك جديد من ضمن إيقاع المعادلة الدولية المستجدة.

لهذا السبب، لم يشعر ترامب بالحرج حين أشار إلى محاذير الاستمرار في الحرب ضدّ سورية، ولم يتردّد بالتأكيد على أولوية محاربة داعش في سورية، وليس إسقاط الدولة السورية. وهذا لا يعني أنّ ترامب بات متخندقاً إلى جانب سورية، بل هو يتلمّس مصالح بلاده ويعتقد أنّ هذه المصالح مهدّدة بفعل استمرار دعم المجموعات الإرهابية، خصوصاً أنّ روسيا الاتحادية تقف الى جانب سورية في الحرب ضدّ الإرهاب، وتعتبر المجموعات الإرهابية على اختلافها أهدافاً مشروعة.

ما يتلمّسه ترامب، يتعارض مع نهم «النخب» الأميركية إلى سطوة استعلائية استعمارية احتلالية غير محسوبة، وربما يؤدّي هذا التعارض إلى نشوء «حرب جديدة»، وهذه المرة في قلب أميركا وبين الأميركيين أنفسهم!

التظاهرات والاحتجاجات التي قامت بوجه انتخاب ترامب، تتصاعد، وهذا النوع من الاحتجاجات على ما أفرزته نتائج الانتخابات الأميركية ليس مسبوقاً، ولا هو من موروثات الشارع الأميركي، بل هو أمر استجدّ مع مجيء رئيس لأميركا من خارج صفوف «النخب».

واللافت، أنه في الوقت الذي احتفلت فيه «إسرائيل» بفوز صديقها وحليفها دونالد ترامب، يظهر أنّ اللوبي اليهودي يدفع باتجاه تصعيد وتيرة الاحتجاجات في الشارع الأميركي، والشخصية الرئيسة التي تحوم حولها شبهة تمويل حركة الاحتجاجات والتظاهرات ضدّ ترامب، هي اليهودي جورج سورس الذي له باع طويل في تمويل ما سمّي بالثورات الملوّنة في أكثر من بلد. وهذا الأمر يطرح تساؤلاً موضوعياً، هل ما يجري في شوارع أميركا بدايات «حرب» بعنوان الثورة الملوّنة، أم هو ضغط يهودي على ترامب لتقييده ودفعه نحو مواقف أكبر من الالتزام بمصلحة «إسرائيل»؟

عميد الإعلام في الحزب السوري القومي الاجتماعي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى