انتهت اللعبة… ولا عزاء للخونة
جمال محسن العفلق
قد يكون من المبكر الحديث عن نهاية الحرب العدوانية على سورية، ولكن بالتأكيد أنّ الوقت أصبح أقرب مما قد يتوقعه البعض للحديث عما يسمّى معارضة سورية، «معتدلة» و»متطرفة» وما إلى هنالك من مسمّيات ابتدعها أهل السياسة مرة وصنّعها الإعلام المعادي لسورية وشعبها ألف مرة. فبمجرد صدور نتائج الانتخابات الرئاسية في الأميركية وإعلان نجاح دونالد ترامب أصبح مصير ما يُسمّى «معارضة سورية» مرهوناً اليوم بما أطلقه ترامب خلال حملته الانتخابية من مواقف، كما أصبح مصير أعضاء هذه المعارضة مرهوناً بما قد يقدم عليه الرئيس الجديد بعد تسلّمه مهامه بشكل رسمي مطلع العام المقبل.
وبعيداً عن النزاع الأميركي الداخلي، وما حدث في صناديق الاقتراع، وبالرغم من أنّ ترامب يمثل اليوم كابوساً على الاقتصاد الأميركي والعالمي واختلاف آراء الأوروبيين حول كيفية التعامل معه، إلا أنّ موقفه أو أيّ قرار سيتخذه سيمثل سياسة الولايات المتحدة الأميركية ومصالح مَن أوصله إلى البيت الأبيض. والرئيس الأميركي الجديد كما الذين سبقوه لا يهمّه في هذا العالم إلا حماية أمن ما يُسمّى «إسرائيل» وما عدا ذلك فإنه يعتبر أنّ أميركا غير ملزمة فيه ولا مجبَرة على دفع أيّ نفقات او تكاليف.
بالتأكيد… لا يمكن أن يكون ما تقدّم في مصلحة ما يُسمّى «معارضة سورية» ولا يتفق معها، لأنّ الواضح أنّ التمويل سوف يتوقف وأنّ دعم موقف مَن خانوا وطنهم من قبل الإدارة الأميركية الجديدة لن يكون كما السابق، فالدعم الأميركي سيكون بمقابل، والمقابل لا تملكه كلّ أطياف المعارضة وليست قادرة على تحقيقه.
فالعدوان على سورية وشعبها تمّ بفعل قرار دولي اعتمد على خيانة مَن التصقوا بمكاتب الاستخبارات الغربية من السوريين وعملوا على قتل اخوتهم وتشكيل الجماعات الإرهابية وإثارة النزعات الطائفية، وتحت إشراف مباشر من الولايات المتحدة الأميركية التي كانت تكلّف التابعين من الدول الإقليمية بتنفيذ ما خطط له لتمزيق الأراضي السورية. فما يسمّى «معارضة سورية» لم تتصل بشكل مباشر بمكاتب الأميركيين في المنطقة، إلا في ما ندر، بل كانت الاتصالات في أكثر الأوقات من خلال وسيط، تابع أو خادم لمصالح الإدارة الأميركية، وهذا يعني أنّ ما يُسمّى معارضة بكلّ ما قدّمته من خيانة لوطنها لم تكن بالمستوى الذي يسمح لها بالجلوس وجهاً لوجه مع المشغل الرئيسي.
وإذا كنا اليوم بحاجة إلى حوار وطني داخلي فكلّ مَن عمل مع الخارج هو مستبعَد عن هذا الحوار، وهذا ليس إقصاء للقوى الوطنية إنما هو إحقاق للحق، فكيف سنتحدث مع مَن نعلم أنه عمل ضدّ وطنه براتب شهري، أو كان نواة لتأسيس جماعة إرهابية كانت مهمتها الوحيدة قتل أبناء وطنهاـ وكي يكون اللقاء مع الذين ساهموا ولو بالصمت على دخول قطعان المرتزقة وتأسيس الإمارات الإرهابية على أرض سورية؟
هناك أشياء كثيرة تقبل التأويل والتفسير وتحمل معاني كثيرة، ولكن لا يمكن تفسير الوطنية والمواطنة بغير معنى الولاء للوطن، ولا يمكن أن نتحدث اليوم عن حالة وطنية ما من دون التوقف عند كلّ المواقف التي سبقت هذه الحالة، لقد وضع من التحق بركب الخيانة لسورية نفسه في موقف لا يُحسَد عليه.
فلا حماية لمن ساهم بالقتل ولا حماية للمموّلين فدماء السوريين ليست رخيصة ولا يعوّض عنها بكلمة اعتذار، واليوم غير الأمس. وبفشل هيلاري كلينتون وهي من الفريق الذي ساهم وبشكل كبير بدعم القتل في سورية وتمويل القتلة ستكون المهمة أكثر سهولة في ملاحقة مَن اشتركوا في سفك الدم السوري.
لقد انتهت اللعبة وتبدّلت الأدوار، ومَن كان يستند على التمويل الخارجي ليصل إلى هدفه عليه أن يُعيد التفكير اليوم، ومَن رفض كلّ الدعوات للحوار عليه أن يراجع حساباته أكثر من مرة، ومَن راهن على تفكيك الجيش السوري عليه أن يعلم أنّ الجيش ما زال موجوداً ويقوم بواجبه على أكمل وجه ويقاتل لتحرير الأراضي السورية من رجس الإرهاب والإرهابيين، أما الذين فكروا بفتح أبواب سورية للدواعش الفارّين من الموصل عليهم أن يفهموا أنّ حلب ليست مقابل الموصل.
نحن لا نعتمد كثيراً على مواقف الإدارة الأميركية الجديدة، ولكن على الأقلّ نعلم أنّ الحرب وإنْ استمرّت فستكون في صالح مَن يدافع عن وطنه ولا يمكن أن ينتصر خائن على وطنه، وما سيكون في الأشهر المقبلة هو عملية إعادة ترتيب ليس على الصعيد السوري، إنما على صعيد السياسة العالمية والتي يحكمها أولاً وآخراً الاقتصاد.
فبعد ست سنوات من العدوان أنهك الاقتصاد السوري بالتأكيد، ولكن هذا العدوان أنهك المموّلين الذين فتحوا خزائنهم من دون حساب لتمويل الإرهابيين ودعمهم بالسلاح والعتاد والإعلام.
لا عزاء للخونة… وقد كان الأجدى لمن أراد التغيير في بلاده أن يحاور وأن يلتقي مع القاعدة الكبيرة، وهي الشعب، لا أن يطلب من السفراء التدخل لتغيير الحال في بلاده! وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ كلّ مَن نشاهدهم على شاشات الإعلام، كبيرة كانت أم صغيرة، لا يمثلون رأي أحد بشكل مباشر، إنما يردّدون ما يطلبه منهم مشغّلوهم.