أبو زيد لـ «البناء»: انتخاب عون ضمان للمقاومة والوطني الحر لم يعِد القوات بـ«سيادية»
هتاف دهام
يقول نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف إنه إذا نجح الاتفاق بين تيار المستقبل وما يمثل لدى الطائفة السنية، ومن خلفه المملكة العربية السعودية، وبين حزب الله وما يمثل محلياً وإقليمياً وعلاقته بالجمهورية الإسلامية والجمهورية السورية، وبين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، فمن الممكن أن يشكل ذلك الاتفاق منطلقاً لتفاهمات أكبر من لبنان تبدأ في سورية، وقد تنتهي في اليمن.
وفق عضو تكتل التغيير والإصلاح النائب المنتخب الوحيد بعد التمديد لبرلمان 2009 أمل ابو زيد، لـ «البناء»، يتمنى بوغدانوف المشارك في معظم اللقاءات السرية والمعلنة المتعلقة بالأزمة السورية والملفين العراقي واليمني أن يوفق الرئيس الجنرال في التجسير بين الأطراف الإقليمية المتباعدة التي ذهبت إلى الأجواء العسكرية الرياض وطهران .
لم تلعب موسكو، دوراً في وصول العماد عون إلى الرئاسة، وإن كانت تدعم الرئيس القوي وخيار جلوسه على كرسي الرئاسة الأولى. لا تتدخل في الشؤون الداخلية. حصرت دورها بضرورة انتخاب رئيس من دون الدخول في الأسماء. طلب الكثيرون في الداخل والخارج من الروس التدخل لصالح انتخاب النائب سليمان فرنجية رئيساً، كان الجواب، يقول أبو زيد، لا نتدخّل في شأن محلي.
ليس بعيداً عن روسيا، شكل تبوّء الجنرال عون سدة الرئاسة موضع ترحيب من سورية وإيران خصوصاً، والدول العربية والغربية عموماً.
شكلت زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى لبنان زيارة تأييد للعهد الجديد. طهران دولة مهمة يجب التعاون معها. الحكومة السورية حكومة معترف بها دولياً، بغضّ النظر عن الموقف السياسي الذي يكنّه أطراف لبنانيون، لكننا كجمهورية لبنانية سنتعامل مع الجمهورية السورية كنظام معترف به في العالم. لبنان ملزم أن يتعاطى مع الدولة السورية بسياسة من دولة لدولة من أجل حلّ أزمة النازحين، فضلاً عن التبادل الدبلوماسي بين البلدين. ربما نصل إلى يوم نجد فيه أطرافاً كانت خصماً لسورية فتتعاون مع دمشق لإيجاد حلّ لملف النازحين.
ربما تلعب العلاقة الشخصية بين الرئيس السوري بشار الأسد والرئيس ميشال عون دوراً كبيراً في ترتيب العلاقات اللبنانية السورية، بغضّ النظر عن طبيعة نظامي البلدين. النظام السوري رئاسي يأخذ القرارات المناسبة وينفذها. أما في لبنان فنظامنا برلماني، وحرية حركة الرئيس تبقى ضمن هامش محدّد لا يمكن أن يخرج عن التوجه العام للحكومة، بغضّ النظر عن حصته كرئيس مع تكتله وحلفائه الذين سينسقون في أيّ بيان سيصدر عن الحكومة.
تاريخ 31 تشرين الأول حدث مفصليّ في مسار سياسي. لا عودة إلى الوراء. الثابت عند أبو زيد، أنّ الداعم الأول للعماد عون، كان الشعب اللبناني وعناد الجنرال وحزب الله مع ما يمثله هذا الحزب محلياً وإقليمياً. كلّ الموفدين الذين زاروا طهران ودمشق على مدى سنتين ونصف السنة، تبلغوا الموقف نفسه اذهبوا إلى حزب الله.
يردّ التيار الوطني الحر صدق ووفاء المقاومة بألف تحية. يقول أبو زيد إنّ انتخاب العماد عون رئيساً سيشكل ضماناً للمقاومة فلا يطعنها أحد في ظهرها أو يشكل إرباكاً لها. لا ننسى، أنّ حزب الله كان من أول الداعمين الثابتين لوصول الجنرال للرئاسة، لقناعة الحزب بمواقف الجنرال السياسية على الصعيد الوطني والإقليمي.
يعطي ابو زيد حزب الله حقه. لولا تحرك مجاهديه السريع لكانت الحرب الإرهابية انتقلت إلى لبنان. اكتشفت البيئة السنية، وفق النائب الجزيني، إلى حدّ كبير أنّ ما يجري في سورية سيشكل خطراً على لبنان عموماً وعليها خصوصاً، وإن كان العقل لا يستطيع أن يتغلّب على الشعور الديني عند بعض هؤلاء.
في البقاع الشمالي، شبكة أمان كبيرة تتألف من الجيش والمقاومة والشعب. شبكة حمت لبنان من الفصائل الإرهابية المنتشرة على التخوم. هذه المنظومة يجب أن تستمرّ حتى تنتفي الحاجة لها. وحده حزب الله يدرس وضعه ويحدّد متى يخرج من سورية ويعود إلى لبنان، فهو يقدّم شهداء لحماية اللبنانيين، وليس حباً بالموت.
وعليه، فإنّ انتخاب الجنرال عون المشرقي، كما يقول أبو زيد، أعطى طمأنينة للمسيحيين في المشرق أنّ وجودهم ليس ظرفياً. ويثبت انتخابُه جذور المسيحيين فيه، ويجدّد الأمل بأنّ الوجدان المسيحي سيعود إلى ينابيعه المشرقية الأصلية، وإن كانت المشرقية العونية بدأت عام 2006 بالتفاهم مع حزب الله وموقفه ضدّ العدوان الإسرائيلي، وزيارته براد السورية في أوج الهجوم الغربي على سورية.
لا يُخفي أبو زيد أنّ وفوداً من التيار الوطني زارت سورية بعيداً عن الإعلام وقامت بجولات في معلولا وصيدنايا، وقدّمت مساعدات عينية وتطمينات على مستوى الطوائف الارثوذكسية والكاثوليكية، بغضّ النظر عن الاتصالات الدائمة على المستوى الرئاسي.
لكن ماذا عن الحكومة، يرتفع منسوب التفاؤل عند التيار البرتقالي بقرب تأليف الحكومة. كلّ المؤشرات تدلّ على أنّ العقد في طريقها إلى الحلحلة. ثمانية أيام تفصلنا عن موعد 22 تشرين الثاني. تقدّمت صيغة الـ 24 وزيراً عند التيار الوطني الحر، فيما تراجعت الصيغة الثلاثينية، رغم عدم انتفاء مفعولها. تشكيل الحكومات في لبنان منذ ما قبل اتفاق الطائف وبعده كان، بحسب أبو زيد، يستغرق وقتاً طويلاً. باكورة الأسماء والحقائب تتبدّل في اللحظة الأولى. «ما بتقول فول».. إلا مع صدور المرسوم.
المفارقة، وفق عضو تكتل التغيير والإصلاح أنّ الأطراف جميعها لديها مصلحة في إتمام مسار التشكيل. هي الحكومة الأولى للعهد وإنْ كانت تؤسّس لانتخابات نيابية جديدة والاتفاق على قانون انتخاب.
لدى أبو زيد قناعة أنه لو أخذت المشاورت والاتصالات المدى المطلوب، فإنّ الحكومة ستبصر النور قبل عيد الاستقلال، وتعكس اتفاق المكونات السياسية على إيصال العماد عون إلى رئاسة الجمهورية.
الصورة الكاملة للعهد الجديد، لن تنبثق من الأكثرية النيابية التي يعكسها مجلس نواب 2009. إنّ أول حكومة ستتألف بعد الانتخابات النيابية ستسمّى حكومة العهد الأولى سياسياً وإصلاحياً.
وإلى أن تبصر الحكومة النور، خرج التمديد للبرلمان مجدداً إلى الواجهة. أكد رئيس المجلس النيابي نبيه بري أنه نحر للعهد، لكن أبو زيد شدّد على أنّ التمديد هو نحر للمجلس النيابي وليس لرئيس الجمهورية أو العهد. قرار التمديد تتخذه الأكثرية في البرلمان. كلّ ما في الأمر وفق الدستور أنّ رئيس الجمهورية لديه مهلة 15 يوماً للتوقيع، إذا لم يوقّع على القرار، وأصرّ المجلس النيابي يصبح قانونه نافذاً. بحسب أبو زيد، فإذا حصل التمديد فسيكون تقنياً فقط بعد الاتفاق على قانون للانتخابات. القانون الجديد يتطلّب الإعداد له من النواحي التقنية الإدارية واللوجستية والمراسيم التطبيقية له. النظام النسبي يحتاج إلى أشهر عدة لشرحه وتدريب الناس على اعتماده.
رغم ذلك، يؤكد النائب البرتقالي أنّ همّ التيار الوطني إقرار قانون على أساس النسبية يسمح للمكونات السياسية كافة، أن تتمثل حسب حجمها الشعبي الحقيقي. لكنه يتساءل ويضع علامات استفهام حول مواقف بعض الكتل السياسية الأخرى من النسبية الكاملة. سيقف التيار الأزرق سداً منيعاً أمام إقرار قانون جديد للانتخاب على أساس النسبية، رغم أنّ هذا النظام هو الأفضل له في المستقبل.
لا صفقة «ستينية» أو غير «ستينية» على قانون الانتخاب. يشدّد النائب الجزيني على أنّ اتفاقاً لم يحصل على صيغة قانون انتخاب مع حزب القوات. لم يتمّ التفاوض مع تيار المستقبل على إجراء الانتخابات وفق «الدوحة».
برأيه، لا بدّ من تظهير قانون انتخاب يحظى بموافقة الاطراف كافة، ربما يكون المختلط من خلال الدمج بين الاقتراحين المقدّمين من الرئيس نبيه بري والصيغة الثلاثية، كصيغة حلّ وسط من ضمن الأفكار المطروحة.
أكد خطاب قَسَم رئيس الجمهورية تطبيق اتفاق الطائف بحذافيره من دون انتقائية واستنسابية، وتطويره وفق الحاجة من خلال توافق وطني. لا يجوز، وفق أبو زيد، أن يفتح كلّ مكوّن على حسابه. قانون الانتخاب هو لصحة التمثيل الشعبي. يعكس المجلس النيابي بحسب الطائف صحة التمثيل والمناصفة بين المسلمين والمسيحيين.
انّ نية تشكيل الحكومة موجودة عند رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، وفق أية صيغة يشارك بها جميع القوى. ان حكومة الـ 24 وزيراً تسمح بحسب أبو زيد، بتمثيل جميع الأحزاب السياسية من دون استثناء. لا فيتو عونياً على مشاركة «كتائبية» أو «مردية» في الحكومة. الرئيس عون لن يقصي أحداً، وهذا الأمر ليس من شيمه.
يؤكد أبو زيد أنّ الحزب السوري القومي الاجتماعي سيتمثل في الحكومة، فهو حزب فاعل وضروري أن يكون ممثلاً في التشكيلة الوزارية، وإنْ كان الوحيد خارج الاصطفافات الطائفية.
يبقى، أنه لا يجوز، كما يرى أبو زيد، تثبيت الأعراف في الوزارات السيادية. لا منطق يقول إنّ حقيبة وزارية حكرٌ على حزب أو طائفة. لا منطق يشير إلى أنّ وزارة الخارجية ستبقى للتيار الوطني الحر، والداخلية لتيار المستقبل أو المالية والأشغال لحركة أمل. عملية المداورة مفيدة وتُعتمد في كلّ دول العالم، فمن يملك الأفضل يقدّم الأنسب لمصلحة البلد.
أمام كثرة المطالب، يقول أبو زيد، لو كنت مكان رئيس الجمهورية لشكلت حكومة من 14 وزيراً تكنوقراطاً لكون هذه الحكومة لإجراء انتخابات بحيث لن تتجاوز «إقامتها» أشهراً معدودة.
من دون شك، حصل اتفاق عوني قواتي، من حيث المبدأ حول الحكومة، يقول ابو زيد، لكننا لم نتكلم ومعراب بحقائب سيادية وغير سيادية. ويبدو أننا نُقوّل ما لم نقلْه ويبنى على الشيء مقتضاه. لم نُدلِ بنعم أو لا. لم نبحث وحزب القوات في التفاصيل، تحدثنا في المبدأ. لم يطرح الدكتور سمير جعجع الحصول على حقيبة سيادية ولم نَعِد بها. إنّ الاتفاق الذي حصل سواء مع المستقبل أو مع القوات تناول الخطوط العريضة.
لا يحكم لبنان، يقول أبو زيد، لا بالأحادية ولا بالثنائية ولا بالثلاثية. الكلّ سيشارك في القرار. النظام التوافقي هو جوهر الحكم في البلد. من وجهة نظره، لن تقف القوات حجر عثرة أمام تشكيل الحكومة.
صحيح، أنّ هناك فيتوات متبادلة أو تبادل موانع معينة، لكن ذلك لن يشكل حائطاً أمام مشاركة الأحزاب السياسية كلها بما فيها الأقليات.
يأتي أبو زيد على ذكر رئيس حزب التوحيد الوزير السابق وئام وهاب. يشير إلى أنه كان من أكثر الداعمين للعماد عون. وقف إلى جانبه بشراسة. لكن عدم حصوله على حقيبة إذا كانت الحكومة من 24 وزيراً، لا يعني أنه لن يكون مشاركاً. شبه الأكيد أنّ وزراء التيار الوطني سيكونون وزراء حزب التوحيد، نحن لا ننسى ثبات موقفه.