الرياضة اللبنانيّة أسيرة الأهواء والتقلّبات

إبراهيم وزنه

عهد جديد يطلّ على لبنان، بلد التناقضات والتسويات والواسطات، فكما في السياسة انقلاب على الحقائق وضياع تامّ لبوصلة المنطق وسيادة مفهوم المحاصصة، كذلك تعيش الرياضة على وقع الارتدادات السياسيّة وتأثيراتها السلبيّة في واقعها وإدارتها وإنجازاتها، فإليك يا فخامة الرئيس ميشال عون، أيها الساعي إلى إجراء «النفضة» المرتقبة عبر بوّابة الإصلاح والتغيير على أمل بناء المستقبل بروح الأمل، إليكم يا سيّد القصر ملخّص عن واقعنا الرياضي المأزوم.

لطالما تبخّرت أحلام الكثير من الرياضيّين الموهوبين في بلدنا نتيجة سوء الإدارة وفقدان الرّعاية وإهمال المسؤولين الرسميّين، وهذه الصورة السلبيّة هي في الواقع تظهير منطقيّ لانعكاس الواقع السياسي والطائفي على جميع المعنيّين بالرياضة ومسابقاتها، من اللاعبين إلى الملاعب والأندية، مروراً بالمسؤولين وصولاً إلى الجماهير المواكبة بعصبيّة مقيتة. وهذا الخلل الحاصل مردّه إلى تكاثر الجمعيّات والأندية بحجّة الحفاظ على التوازن الطائفيّ والمناطقيّ. وإبرازاً للواقع المرير الذي تئنّ تحت وطأته رياضتنا اللبنانيّة، تشير الأرقام والإحصاءات الرسميّة إلى أنّه في العام 2003، ولمّا أصدر أول وزير للشباب والرياضة في لبنان سيبوه هوفننيان، قراراً قضى بإجراء مسح فعليّ للجمعيات نتج عنه شطب 446 منها، ويومها قامت الدنيا ولم تقعد من قِبَل المتضرّرين من جرأته وشفافيّته.

وبناءً عليه، لا أحد ينكر بأنّ التسابق على إنشاء الجمعيّات الرياضيّة في لبنان هو انعكاس بلا رتوش لصورة المجتمع المتعدّد الاتجاهات والتوجّهات، حيث التسابق على أشدّه بين أحزابه وطوائفه لإثبات الوجود في الساحات الشبابيّة والجمعيّات الرياضيّة، الخزّان الأساس للأحزاب والمرجعيّات السياسية، وللأسف، لطالما خرجت تلك الجمعيّات عن الإطار الموضوع لها أصلاً من دون أدنى محاسبة. لا، بل في كثير من الأحيان حصلت على تراخيصها الرسميّة من دون التزامها بتوفير المستلزمات القانونيّة كالملعب والقاعة والجمعيّة العموميّة وغيرها. وهذه الفوضى أضافت مع الوقت إلى أوجاع رياضتنا التائهة ما بين الهواية والاحتراف أوجاعاً إضافيّة وأندية وهميّة، فبقيت الفوضى الرياضيّة تضرب أطنابها في طول البلاد وعرضها، علماً بأنّ المراقبين كانوا قد استبشروا خيراً مع إنشاء أول وزارة للشباب والرياضة في العام 2000. وفي ضوء تطبيق مرسوم المسح القانوني الأول الذي أُجري في عهد الوزير هوفنانيان، هدف إلى نظم واقعنا الرياضي المهترئ. وللأسف، قرأه آخرون على أنّه يهدف للسيطرة على اللجنة الأولمبيّة، وحتى هذه اللحظة ونحن على أعتاب تشكيل اتحادات رياضيّة جديدة، نلاحظ بأنّ الاختلاف في الرؤى وفي مقاربة القضايا العامة بالوعي يأخذ المشاريع إلى غير وجهتها.

المسح القانوني هو الدواء

بدايةً، نشير إلى أنّ المسح الذي شهره الوزير في وجه الجمعيّات إنّما كان يطالها في شقّها الفني الملعب والقاعة والمعدّات . ففي المسح الشامل للجمعيات الرياضية التي وصل عددها في مطلع العام 2005 إلى ما يزيد على 1100 جمعية، سقط في «غربال المسح» ما يزيد على مئتين منها، وبعد آخر حملة «غربلة» أُقيمت في العام 2008، وصل عدد الجمعيات إلى 754 جمعيّة موزّعة على 36 اتّحاداً، ثمّ وصل عدد الاتحادات إلى 43 29 اتحاداً أولمبيّاً و14 لألعاب غير أولمبيّة ، مع الإشارة إلى أنّ المسح «الفزّاعة» يكتسب قوّته وقانونيّته من المرسوم الرقم 213 المادة 9 . ويومها، عملت الوزارة على تصنيف الأندية والجمعيات المشطوبة ضمن خانة «الأندية الشعبية»، ومع ذلك يرى المراقبون أنّ ما حصل هو مسح مخفّف ومرطّب بتمنّيات سياسيّة، وبقيت عمليات المسح مستمرة بشكل سنويّ بالتنسيق ما بين الوزارة والاتحادات، وبصراحة لو طُبّقت القوانين بحذافيرها لوصل عدد الأندية حاليّاً إلى 300 فقط.

حلول برسم المعنيّين

من منطلق الحرص على ضبط عمليّة إنشاء الجمعيات الرياضية، وخصوصاً في المحافظات، باعتبار أنّ المنطق لا يقبل إصدار ترخيص ثانٍ في لعبة ما في البلدة نفسها. وعليه، يجب تفعيل وتنظيم التواصل ما بين الوزارة والاتحادات، ويجب العمل على تحويل الجمعيّات المشطوبة إلى فئة الأندية الشعبيّة، وليس بالضرورة اللجوء إلى ترخيص أندية شعبيّة جديدة، حلول نطرحها أملاً بمداوة واقعنا الرياضي الذي يعاني من انعدام الثقافة الرياضيّة في مجتمعاتنا وغياب التنسيق بين وزارتي التربية من جهة، والشباب والرياضة من جهةٍ أخرى. وهنا تقع المسؤوليّة على عاتق المدارس في القطّاعين الرسمي والخاص، ولا يجوز أن تبقى حصة الرياضة ضحيّة حصة الرياضيّات في المدارس.

ولا عجب، بعد الذي ذكرناه، أن تكون النتيجة تراجعاُ فنيّاً وانقساماً إداريّاً على جميع المستويات وفي معظم الألعاب. فالاتحادات تنظّم بطولاتها من دون جهد، فيما المطلوب إقامة مشاريع مشتركة بين الوزارة واللجنة الأولمبيّة والاتحادات بهدف إعداد كادر من الحكّام والمدرّبين اللبنانيّين للمساهمة في التخفيف من عمليات التعاقد مع أجانب، ويجب تأسيس أكاديميّات للناشئين في كلّ الألعاب بُغية إعداد جيل من الواعدين المتعلّقين بالرياضة.

نتائج وأرقام وموازنات

وفي إطلالة على حجم الموازنات التي كانت ترصدها الحكومات لوزارة الشباب والرياضة بُغية مساعدتها في تفعيل الحركة الرياضيّة الشبابيّة والكشفيّة، فقد وصلت إلى 5 مليارات ليرة لبنانيّة أيام الوزير هوفنانيان 2000 ـ 2004 ، ثمّ تراجعت إلى مليارين مع الوزير فتفت 2005 ـ 2006 ، الذي عمل على دعم الاتحادات من دون النظر إلى وضع الأندية، أمّا موازنة المير طلال أرسلان ـ 2008 ملياران ، فقد رُصدت بكاملها للحصول على التمثيل المشرّف في الألعاب الفرنكوفونيّة، وهذا ما لم يتحقّق، ثمّ عادت الموازنة إلى خمس مليارات مع الوزير علي عبدالله 2009 ـ 2010 ، فحال الانقسام السياسي عمودي الحاصل دون تحقيق أيّ إنجاز، ليتوجّه الوزير إلى وضع هيكليّة إداريّة للوزارة، ومع الوزير فيصل كرامي 2011 ـ 2014 رُفعت الموازنة إلى 10 مليارات، فحصلت عدّة إنجازات على مستوى المنشآت والاستضافات فيما بقيت النتائج متواضعة، وبقيت الموازنة على حالها مع الوزير عبد المطلب الحناوي 2014 ـ ولغاية اليوم ، فأكمل في خط دعم إقامة المنشآت الرياضيّة في الأرياف مع دعم البلديّات والأندية والأبطال الأولمبيّين، بالإضافة إلى ترميم مبنى الوزارة وتشجيع الأبطال الصغار وتوفير التجهيزات لبعض المنشآت.

ختاماً، نستنتج ونؤكّد بأنّ إلغاء دور معلّمي الرياضة قد ألغى الدور الإيجابي للرياضة المدرسيّة، كما أنّ إلغاء المعهد الوطني أضعف المستويات الفنيّة في الألعاب الجماعيّة، والموازنات المرصودة لوزارات الرياضة منذ سنوات تدلّ على مدى «هامشيّة» الحركة الرياضيّة عند أصحاب القرار في لبنان، فمن غير المقبول أن تتساوى موازنة نادٍ طموح في كرة السلّة مع موازنة وزارة مسؤولة عن إنهاض الحركة الرياضيّة في بلد يضمّ 820 نادٍ وجمعيّة، والمؤلم أنّ خضوع الحياة الرياضيّة للمآرب السياسيّة سيبقيها بلا روح ومن دون نتائج إيجابيّة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى