في ذكرى التأسيس: وقفة أمام الواقع والمصير

كمال نادر

تعود علينا ذكرى تأسيس الحزب السوريّ القوميّ الاجتماعيّ والحروب منتشرة في كلّ وطننا الكبير وبعض عالمنا العربيّ، وهي حروب متفرّعة عن مشروع أميركيّ ـ صهيونيّ استهدف وجودنا منذ أكثر من مئة سنة بتقسيم بلادنا السوريّة وترسيخ التناقضات فيها، وبهجرة يهوديّة استوطنت القسم الجنوبيّ من سورية الطبيعية، وأقامت فيه مستعمرات وهجّرت أهله بالعنف والمجازر والإرهاب، لينشأ منها كيانٌ حربيّ عدوانيّ يرمي إلى التوسّع نحو الفرات لإقامة «إسرائيل الكبرى» على كلّ أرضنا القوميّة وعلى ثرواتنا وخيرات بلادنا. والصراع لا زال مستمراً، ونحن أمام خيار من اثنين: إما أن تحيا سورية قويّة منيعة، أو أن تكتسحها «إسرائيل» وتعيش على أنقاض وجودها.

نحن اخترنا أن «تحيا سورية» وأن تكون أمّة عظيمة ودولة قويّة وغنيّة بنظام سياسيّ واجتماعيّ راقٍ وديمقراطيّ يعرف معنى الحرية ويمارسها، وباقتصاد مزدهر وغنيّ مع عدالة اجتماعيّة وحقوقيّة، وتقدّم علميّ وحضاريّ لا يضع حدوداً للعقل والمعرفة والإبداع، وفي سبيل ذلك ناضلنا وتحمّلنا الصعوبات والتضحيات على مدى أربع وثمانين سنة، قدّمنا خلالها ألوف الشهداء وما زلنا نقدّم ونجاهد في كلّ ميادين الحياة الوطنيّة قتالاً على الجبهات الملتهبة، وصراعاً فكرياً ضدّ أفكار التخلّف والرجعة والأمراض الاجتماعيّة والثقافيّة، وضدّ الخيانة والعمالة والفساد الداخليّ والرسميّ والأخلاقيّ، وأفعالنا حاضرة وبارزة في الوطن وفي المغتربات عبر العالم.

في هذه المناسبة، كيف تبدو أحوال بلادنا بمختلف نواحيها؟

في لبنان أزمة مستمرّة هي نتاج الكيان السياسيّ الطائفيّ الذي انشأه الانتداب الفرنسي ولم يستطع ساسته «التاريخيّون» أن يطوّروا نظامه نحو العلمانية والحداثة، بل جعلوه كياناً مأزوماً وفقيراً ينتج المشاكل والحروب الأهليّة، ويدفع أبناءه إلى اليأس والهجرة بحثاً عن مجتمعات يجدون فيها فرصة الحياة الكريمة والحرية والاستقرار.

وتزداد أزمات الكيان بسبب التوتّر الطائفيّ والمذهبيّ، وبالتدخّل الخارجيّ في كلّ تفاصيل الحياة فيه إلى درجة أنّه لا تنحلّ عقدة بدون هذا التدخّل. وقد مرّ البلد بمراحل خطيرة وملتهبة، لكنّنا كقوى مقاومة ووطنيّة عملنا على تجنّب الفتنة الأهليّة والمذهبيّة، وعلى الوصول إلى حلول وسط للأزمة السياسيّة، ثمّ استجاب الجميع فنجح الكيان في الخروج من المأزق والفراغ السياسيّ، فتمّ انتخاب رئيس للجمهورية والبدء بتشكيل حكومة، ستكون أولى مهامّها إنقاذ الوضع الاقتصادي قبل رأس السنة وتحريك موضوع النفط والغاز وحلّ الأزمات المعيشيّة المتراكمة ثمّ إجراء انتخابات نيابيّة تأجّلت سنوات عدّة .

وفي الشام، تدور حربٌ ضروس دمّرت العمران في كثير من المدن والأرياف والمرافق الحيويّة، وقتلت الكثير من أبناء شعبنا وجيشنا السوريّ، وتحوّلت إلى حرب عالميّة تتواجه فيها دولٌ وجيوش وأساطيل حربيّة، وتتعرّض الدولة السورية لخطر التقسيم والاحتلال من تركيا و»إسرائيل»، لكن بطولة القيادة السورية والجيش السوريّ وقوى المقاومة ونسور الزوبعة، والمساندة الكبيرة من الحلفاء الروس والإيرانيّين، هي من جعلت المخطّط المعادي يفشل. وها هي مناطق كثيرة قد خرجت من الحرب وتصالحت مع وطنها، وبقيت معركة حلب والحدود الشماليّة ملتهبة، وهي ستكون المعركة الفاصلة في مسار الحرب .

وفي العراق، يستمرّ التخريب الأميركي بعدما دمّروا الدولة العراقيّة وحوّلوا أغنى بلد إلى مرتع للنهب والإرهاب، لكن الجيش العراقيّ والحشد الشعبيّ حسم المعركة في كثير من المناطق، وهو يتّجه إلى إنهاء آخر بؤرة للإرهاب الذي طال الناس والحضارة والتراث الإنسانيّ بالنسف والسرقة لمصلحة اليهوديّة التاريخيّة الحاقدة .

أمّا في فلسطين، فيستمرّ القمع الصهيونيّ لأبناء أمّتنا الرازحين تحت الاحتلال فيما يسعى الصهاينة والأميركان إلى تصفية القضيّة الفلسطينيّة وشطبها من الوجود، مستفيدين من التردّي الحاصل في العالم العربيّ وتحوّل الدول العربيّة إلى الصراع مع بعضها وضدّ المقاومة الحقيقية، وظهور المساندة العلنيّة للكيان الصهيوني من دول عربيّة كانت تدّعي أنها حريصة على فلسطين وعلى حق الفلسطينيين بالعودة والتحرير، فإذا بها تحوّل جهدها وأموالها إلى تخريب الشام والعراق وضرب المقاومين وإلهائهم عن معركة التحرير الأساسيّة ضدّ العدو الصهيوني .

إنّنا نعلن أنّ هذه هي بلادنا، وليست سائبة للتركيّ أو الانفصاليّ أو الصهيونيّ أو الأميركي، وليست «شرقاً أوسط» لأحد، بل هي أمّة الحضارة العريقة والإنسان المبدع، وستنتصر وتغيّر مجرى التاريخ كما هو حاصل قريباً .

في هذه الذكرى ما زلنا على العهد وفاءً لأمّتنا وشهدائها ونضالها، والحزب السوريّ القوميّ الاجتماعيّ بحكم انتشاره وعقيدته مدعوّ إلى التصدّي لكلّ أنواع الانقسامات والفتن، وإلى نشر الوعي الوطنيّ وتمتين الوحدة الاجتماعيّة، خاصةً وأنّ أعضاءه موجودون في كلّ المناطق والقرى والجامعات والمدارس، وهم يتمتّعون بالثقافة والأخلاق والروح القوميّة الاجتماعية اللاطائفيّة، والتي يشهد لهم بها الصديق والخصم والعدوّ، ويحملون تراث حزب عريق وسمعة شهداء كرام قاتلوا في فلسطين ولبنان والشام ولم يطلبوا شيئاً لأنفسهم، وما ارتشوا ولا نهبوا ولا سرقوا ولا أخذوا أجراً جزاء أعمالهم، بل قدّموا كلّ شيء حتى الدماء التي في عروقهم من أجل نهضة أمّتهم وبقائها وعزّتها.

وكيل عميد الإذاعة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى