نظرة سعاده إلى الأسرة والتربية الأسَرية: نظام تعاونيّ قائم على الوحدة المادية النفسية لأعضائه… وأحد ميادين هذا التعاون العائلة في المجتمع

صبحي فريح

العالم واقع مجتمعات متعدّدة، متباينة في نشأتها وتكوينها ومظاهر وجودها ونموّها وحضارتها. فالعالم ليس مجتمعاً واحداً، حيث كلّ بيئة جغرافية تختلف عن البيئات الأخرى، وكلّ بيئة تحتضن شعباً موحّداً، مجتمعاً متفاعلاً تفاعلاً حياتياً أفقياً وعمودياً، في ما بين ناسه وبينهم والأرض ، فيكون هذا الشعب مجتمعاً واحداً، أمة واحدة. والمجتمع السوري الذي يشكّل الأمة السورية، له خصائصه وصفاته المميزة عن غيره من الأمم.

وإذا قلنا إن مجتمعنا السوري يشكّل أمة سورية في بيئته الطبيعية، فما هذا القول إلا للتدليل على حقيقة واقعية، والتعبير عن وجود مقرّر، «ذلك إذ لم يكن القول مقرّراً لحقيقة معروفة في ذاتها لوجود حيّ فاعل، يترتّب علينا درس طبيعته ومقوّماته وعوامله لإدراكه وإدراك وجوده. لأنه إذا كان هذا القول مقرّراً لحقيقة قائمة في ذاتها كاملة، يشترك فيها الوجود والمعرفة أو الوعي… لتكون هناك أمة سورية في الحقيقة والواقع».

ولا يمكننا أن نتصوّر وجوداً بلا معرفة، ولا يمكننا أن نقول إن أيّ وجود مفترض، غير مدرك بالمعرفة قيمةَ الحقيقة، لأن الحقيقة قيمة إنسانية نفسية. والإنسان هو وحده الذي يميّز بين الحقيقة والباطل، بالمعرفة، إذن كي نكون موقنين بوجود أمتنا نحتاج إلى معرفة حقيقة هذه الأمة أو هذه البلاد.

لهذا، فإن أمتنا هي هذا الوجود الحقيقي ـ القائم بالمعرفة والعلم. إنها الشعب المتجانس في جميع عناصره المكوّنة وحدةَ المجتمع عبر التاريخ، المتولدة من تاريخ طويل يرجع إلى ما قبل التاريخ الجليّ. إنها الحياة المستمرة من الشعوب والأقوام التي قطنت البيئة السورية بحدودها الجامعة، والمانعة، فامتزجت أصولها وتفاعلت في ما بينها، وكوّنت هذا الشعب العريق ذا الحضارة العظيمة، فكانت بحقّ أمة المحراث والشراع والحرف، أمة امتازت بالتفوق النفسي والذي لا يعود إلى المزيج المطلق، بل إلى نوعية المزيج المتجانس، والمتجانسة تجانساً قوياً ونوعية البيئة.

إن مبدأ وجود الأمة قائم على مبدأ وحدة الطبيعة لمزيج متجانس متفاعل فيها، فحقيقة الأمة هي وحدة الحياة التي جمعت فيها مجمل العناصر الأساسية التي تتركّب فيها ودمجتها دمجاً حيوياً، فكوّنت منها حياة واحدة متفاعلة موثقة، مجتمعاً واحداً موحَّدَ الحياة والمصير.

إذن، مدلول الأمة السورية يشمل هذا المجتمع الموحّد في الحياة، الذي امتزجت أصوله وصارت شيئاً واحداً. وهو المجتمع القائم في بيئته الواحدة سورية. فالأمة مجتمع يعيش في قطر معين، متّحد واحد، والمتحد جماعة جوهرها الاشتراك بالحياة الواحدة، وفي بيئة طبيعية واحدة. وما الأسرة السورية التي تحيا حياة مشتركة متفاعلة ضمن هذا المجتمع إلا خليّة صغيرة منه، لكنها غير منفصلة عنه، بل يمكن تعيينها بمكوّنها الدموي القرابي من أبوين وأبناء في الأسرة النواة، وقد يضاف إليهم أبناء الأبناء، في الأسرة الممتدة، والتي أصبحت نادرة الوجود في مجتمعنا اليوم، وهي في طيف تفاعل هذا تكون مع غيرها متحداً أكبر، ثم أكبر حتى يتشكّل بالنتيجة المتحد الاجتماعي الأتمّ، وهو الأمة، تستمدّ وجودها ودوامها غير قابل للتجزئة عنه، بل هو وجود تفاعل موحّد القوى المجتمعية كلها.

فما هو المتحد الاجتماعي؟ بعد توضيح نظرة سعاده إلى الاجتماع الإنساني، ومفهومه في حياة المجتمع الموحد، المنصهر، المتجانس في بيئة واحدة، والتي لا تلغي تبادله مصالح الحياة مع مجتمع آخر في أطر بشرية، إنسانية، مدركة واعية ونامية.

المتحد الاجتماعي ودوره في الحياة المشتركة

إن أمتنا تشكّل المتّحد ـ حيث المجتمع. الأمة في نظر سعاده هو المتحد الإنساني الأتمّ، وهو مجتمع الحياة الاجتماعية. هو مقرّ مواطنيه في الحياة بمصالحها كلّها. هي تلك الأمة التي امتزجت أصولها وصارت شيئاً واحداً هو المجتمع السوري. «والمتحد هو وحدة اجتماعية حاصلاً لأعضائها القناعة الداخلية الاجتماعية، أن لهم مصالح تكفي لتفاعل أعمالهم وتفاعل مصالحهم، وإرادتهم في حياة عمومية مشتركة على مستوى ثقافي معين، ضمن حدود ومساحة معينة» المصدر «نشوء الأمم» .

وهذا يعني أن وجود المتّحد يستلزم وجود بيئة واحدة معينة، تشكلت عبر التاريخ الطويل لتظهر وحدة في حياتها ومصيرها ومصالحها وإرادتها، حيث المتّحد يشكّل بجوهره وحدة حياتية، وحدة قائمة على التفاعل، بعوامله المادية والنفسية كافة بين أفراد معينين وجماعات معينة، في بقعة معينة، لتنشأ في ما بينها دورة الحياة للمتّحد الأوسع ضمن الإطار الجغرافي بحدوده الطبيعية، التي تحتضن فيه الوحدة الحياتية التفاعلية المادية والروحية ضمنه في جميع مراحل تطوره العادية، من دون جموح وامتداد أو قصور وانحطاط تجاوز الحدود ضموراً أو تقلّصاً ، بل في حالته الطبيعية المستقرّة المختلفة لجموح قوة النموّ إلى التمدّد خارج حدوده بالاستيلاء، الذي هو توسيعٌ لرقعة التأثير والنفوذ والحكم السياسي، لا توسيعاً للبيئة الطبيعية التي تتفاعل فيها عناصر الأمة، وكذلك ليس في الحالة الضدّ، حيث تتراجع قوّة الحكم المركزي والسلطة السياسية على الإقليم الطبيعي للوطن، فتضمر أو يضمر، بتراكم عوامل الضعف والانحطاط، لا زوالاً لواقع الأمة والوطن، ما قد يصيب وحدة الأرض والشعب انكماش أو تجزئة عما كان عليه في الحالة الطبيعية المستقرّة.

ومن هنا، يتبيّن أن الفرد هو مجرد إمكانية، والمجتمع هو حاضنته الحيوية الطبيعية لوجوده، الذي لا يكون إلا فيه هو جزء من كل منصهر في متّحده من دون بروز لفرديته ، فهو يساهم في نموّ قدرة مجتمعه وطاقته وبلورة هذه الطاقة وقوّة فعلها وتحقّقها. ويحيا هذا الإنسان الفرد في متّحده متفاعلاً معه تفاعلاً حياتياً مستقرّاً في الحالة الطبيعية، من دون خلل أو اضطراب أو تضخّم مرضيّ لفرديته على مجتمعه وحقيقته ومعناه.

إن نظرة سعاده إلى المجتمع أنه نظام تعاونيّ قائم على الوحدة المادية النفسية لأعضائه، وأحد ميادين هذا التعاون، العائلة في المجتمع. فكانت له نظرة واضحة إلى الإنسان والقيم الإنسانية وإلى علاقة الفرد بالمجتمع.

بناء الإنسان وبدء اجتماعيته

لهذا، فإن سعاده يتناول إعادة بناء الإنسان، وعملية إعادة بناء الإنسان في ما تعني إعادة بناء قيم الإنسان. وأولى هذه القيم اجتماعية الفرد وتفاعله في حياة المجتمع، وجعل مصلحة المجتمع فوق كل مصلحة، يضحي الفرد في سبيله ويقدّم كل شيء حتى الدماء التي تجري في عروقه. لهذا، فقد حارب سعاده النزعة الفردية التي هي شاذّة عن المجتمع، بعدم التفاعل فيه والتجانس بحياته، وعدم التضحية والفداء لمصلحة الأمة.

فالنزعة الفردية تجعل الفرد وميوله غاية كل فكرة ونهاية كل عمل، ومتى قويت هذه النزعة في الأفراد، خصوصاً في الأفراد الصالحين للفكر والعمل وتملّكت من نفوسهم، صارت العدوّ الأوّل لكل غاية مجتمعية، والعقبة التي تعترض نشوء النظام الاجتماعي العام. فطبيعتها مخالفة لطبيعة الاجتماع العام، لأنها ترمي إلى جعل السيادة في الفرد نفسه لا في المجتمع ونظامه. ولما كان الأفراد غير موجودين إلا في الجماعة، كانت النزعة الفردية التي تعدّ الفرد كل شيء في العالم، أكبر عامل تفكّك وهدم لكيان الجماعة الذي هو الكيان الإنساني الحقيقي منذ ظهر الإنسان على مسرح الطبيعة، ذلك لأيّ كيان الجماعة لا يقوم إلا بتفاعل أفرادها ضمن نظام جمعيّ واحد يشكّل نظامها العام، التي تقرّه غالبيتها فيصبح مرعيّ الإجراء، إنّما يمكن تطوّره، لكن ببطء شديد عبر الزمان وبحسب مقتضيات حاجات الجماعة ومصالحها.

فالنزعة الفردية رفض للتفاعل في حياة الجماعة وانكفاء عن وحدتها المتفاعلة مع الأرض والشعب. حيث يجد نفسه فوق الحدود والنظام وفوق المجتمع الذي يعيش فيه وينبثق وجوده فيه، لأنه لا يعتبر الفرد موجوداً إلا ضمن المجتمع، فمتى خرج منه فقد قيمته الاجتماعية.

«فالنزعة الفردية تحرم الفرد من الشعور بالمسؤولية الاجتماعية، والشعور الانفرادي المكتسي بكساء الغيرية يعدمه الإدراك أنه من الجماعة ومرتبط بها، وإن شخصيته ليست سوى جزء من شخصيته».

وهكذا، فإن الفرد لكي يكون عضواً صالحاً في المجتمع الذي ينتمي إليه، ولكي ينسى فرديته التي تطغي على شعوره ومسؤولياته، أوّل ما يجب عليه أن يقوم بواجبه تجاه مجتمعه، ومنه إلى أسرته، فهي المتّحد الأوّلي الصغير.

وتتشكل العائلة من زواج ذكر وأنثى، ليكونا رباطاً روحياً اجتماعياً، يقوم على وحدة الشعور والحياة، وقوامه رابطة اقتصادية أيضاً، حيث يضيف كلّ منهما إلى شعوره بفرديته الخاصة ومصلحته ورؤيته، شعوره بالآخر الشريك معه في وحدة الأسرة، ليكونا نواة صغيرة، متّحداً بسيطاً يتنامى مع مرور الزمن.

قيمة العائلة في العقيدة القومية

هذه العائلة أولاها الحزب السوري القومي الاجتماعي الرعاية والاهتمام فاعتبرها دليلاً على تطبيق قسم العضوية، كونها حاضنة تربوية لأبنائها ومؤهلة لأن تعدّهم إعداداً قومياً اجتماعياً سليماً ليكونوا في خدمة متّحدهم الأتمّ الأمة، وجعلها منطلقاً يقوم بالتالي المجتمع من المتّحد الصغير، إلى المتّحد الواسع الكبير والمتّحد الأتمّ فحارب الحزب الفردية المرَضية بقيم اجتماعية بنّاءة.

المجتمع الواحد هو الأمة بعناصرها الشاملة للجميع من دون تمييز أو تفريق، سواء من النواحي العنصرية أو الطائفية أو العشائرية أو الفردية، أو من ناحية الجنس، ذكراً كان أم أنثى، فهو مجتمع واحد متمازج، حيث يؤكد سعاده أنه: «أساس الوحدة القومية الحقيقي ودليل الوجدان القومي والضمان لحياة الشخصية السورية واستمرارها. أمة واحدة ـ مجتمع واحد، فوحدة المجتمع هي قاعدة وحدة المصالح، ووحدة المصالح هي وحدة الحياة، وعدم الوحدة الاجتماعية ينفي المصلحة العامة التي لا يمكن التعويض عنها بأيّ ترضيات وقتية»… و«في الوحدة الاجتماعية تزول العصبيات الدينية وآثارها السلبية وتضمحل الأحقاد وتحلّ المحبة والتسامح القوميان محلها، ويفسح المجال للتعاون الاقتصادي وللشعور القومي الموحّد».

وعلى أساس هذه الوحدة يمكن إنشاء دولة قومية صحيحة، وتشريع قومي اجتماعي مدني صحيح، ففيه أساس عضوية الدولة الصحيحة، وفيه يؤمن تساوي الحقوق بين أبناء الأمة، وهو ينسحب على جميع أفراد الأمة الموحدة المصالح والمصير، سواء أكانوا ذكوراً أم إناثاً، فينفي الاختلاف والتباين بين الرجل والمرأة من دون تفريق في السن أو العصبية لأحدهما، فيبنى المجتمع الكامل على أساس هذا الإيمان المطلق بأن الأمة مجتمع واحد، لا عصبيات ولا تنافر ولا انقسامات ولا حقوق متمايزة للرجال أو النساء، لأنهم يؤلفون مجتمعاً واحداً موحداً.

وبمبدأ فصل الدين عن الدولة، يتم القضاء على العصبيات بمختلف أشكالها وانتماءاتها، وبهذا المبدأ القومي، يقوم المجتمع الواحد المتكامل المتعاون، المنصهر من كل الطوائف والمذاهب والملل والعناصر والطبقات، والأجناس ذكوراً وإناثاً، ليؤلف المجتمع الموحّد، مجتمع المساواة، فيتولّد منه نظام تشريعيّ مدنيّ يستظلّه جميع أفراد المجتمع من دون استثناء، وينشئون دولتهم القومية الصحيحة التي يتساوى فيها أفراد الأمة جمعاء على اختلاف أعمالهم وأجناسهم: «فالوحدة السورية القومية الاجتماعية تتولّد حتماً من هذا المبدأ القائل إن الأمة السورية هيئة اجتماعية واحدة، وهو يؤلّف جزءاً هاماً من الإيمان القومي يعمل بموجبه السوريون القوميون».

فترى القوميين يؤلّفون وحدة قومية اجتماعية واحدة تجمع فيها جميع العناصر والذكور والإناث من دون تنافر أو اختلاف أو تمييز بالعنصر أو الجنس أو الدين أو المذهب أو الطائفية، بل الكل ينضوون تحت لواء الإيمان المطلق والممارسة العملية المبدئية الذي آمنوا به وعملوا له.

«فالحزب السوري القومي الاجتماعي هو حركة لها غاية كبرى، يرى القوميون الاجتماعيون أنها تأتي قبل جميع الغايات، وإن قيمتها فوق القيم الأخرى، لها يهبون نفوسهم بإيمان كلّي وبها يصهرون مواهبهم، وبغيرها لا يجدون استقراراً لقلق وجدانهم».

«فالحزب فكرة وحركة تتناولان حياة أمة بأسرها، إنه دولة السوريين القوميين الاجتماعيين المستقلة، يحافظون عليها ويدافعون عنها صيانة لمثلهم العليا التي لا تقوم إلا بها». بهذا الإيمان وبهذه القيم وبهذه المثل والغاية يدافع ويعمل القوميون ليكونوا المجتمع الواحد. وها هم يمثّلون دولة الأمة، يمثلون المجتمع الموحّد الذي يبنونه بإرادتهم وأرواحهم ودمائهم.

إن وجدانهم القوميّ استيقظ على مبدأ وحدة الحياة للمجتمع. الذي يشكل بوجوده واستمراره أمة واحدة يبنيها القوميون. و«إن الحزب السوري القومي الاجتماعي أنشأ مجتمعاً جديداً ذا نفسية سامية جديدة وفلسفة تشمل جميع مناحي الحياة القومية».

والعائلة إحدى مؤسسات المجتمع المعنية برعاية هذه النفسية وزرع المناقب الجديدة في فلسفة الحياة، حياة وجود المجتمع ومصيره وغايته.

في الانتماء إلى الحزب

جاء في المادة الثانية من الدستور: «كل سوريّ كان ذكراً أم أنثى يحقّ له دخول الحزب السوري القومي الاجتماعي». هذا النصّ الواضح الصريح ينبثق أصلاً من المبدأ السادس من مبادئ الحزب إن المجتمع أمة واحدة، هيئة اجتماعية واحدة .

فهو يتوافق كلّياً مبنى ومعنى، مع هذا المفهوم الشامل والعام. إنه نتيجة طبيعية، لأن يكون أفراد المجتمع جميعهم هيئة اجتماعية واحدة، ولأن المجتمع مؤلف من الذكور والإناث فيحق للجميع، وبالمساواة الكاملة، حال توفر بقية الشروط اللازمة للانتماء أن ينضمّوا إلى الحزب ويعتنقوا مبادئه.

فالمبادئ وُضعت للشعب كله، يحق للفلاحين والعمال وللتجار والصناعيين، وللمثقفين والحرفيين، وللأطباء والمهندسين وللمحامين والمدرسين وللطلاب والمنتجين صناعة وغلالاً فكراً وفناً، كما يحق للشامييين والعراقيين والكويتيين واللبنانيين والأردنيين والفلسطينيين، والمسيحيين والمسلمين بمختلف فئاتهم ومذاهبهم، للذكور والإناث من هذه الفئات جميعها الانتماء إلى الحزب والإيمان بمبادئه والنضال في سبيل تحقيقها.

إن المجتمع ـ الأمة، كما شرحنا سابقاً، هي وحدة اجتماعية ومتّحد تام بكل فئاته، سواء كانوا ذكوراً أم إناثاً ولا يمكن أن يستقيم بنيانه إلا بالوحدة الاجتماعية المتفاعلة بوحدة الحياة والمصير المشترك، وأوّل مظهر لهذه الوحدة الاجتماعية هو وجود الأسرة في بنيتها التي تقوم عليها بالنهاية المتحدات الاجتماعية لتشكل منها المتحد الأتم، المتحد الأكبر، المجتمع.

ولم يضع سعاده في هذا النصّ إلا المساواة بين الرجل والمرأة في حق الانتساب إلى الحزب. فلم يضع مثلاً شرطاً لها معيّناً للانتماء سواء من حيث العمر أو موافقة رجل على انتسابها أو تكليفها بمهمات معينة وحصرها فيها. أو جعل انتسابها متدرّجاً… إلخ، وما هنالك من شروط خاصة بحقها، سوى أن تتوفر في طالب الانضواء تحت راية الحزب والحركة الشروط اللازمة لاعتناقه مبادئه، ومنها:

ـ أن يكون قد اطلع على مبادئ الحزب وتكونت لديه المعرفة والفهم الضروريان للعمل في سبيل غاية الحزب إذ يجب علينا أن نفهم هدفنا فهماً صحيحاً لتكون قوة فاعلة محققة تتمكن من العمل المنتج .

ـ أن يؤمن إيماناً كلياً ومخلصاً صادقاً في مبادئ الحزب وعقيدته ونظامه ومنشئها سعاده، وأن يدين بالقومية السورية الاجتماعية ويعتنق مبادئ الحزب السوري القومي الاجتماعي ونظامه، نصّ القَسَم من الدستور .

ـ بعد الخروج من التفسّخ والتضارب والشكّ إلى الوضوح والجلاء والثقة والإيمان والعمل بإرادة واضحة وعزيمة صادقة، كي نكون مجتمعاً واعياً ومدركاً مبادئ حزبنا وعقيدته ونظامه علينا أن نكون مطلعين متفهمين ما آمنّا به، وذلك بالدرس المنظّم والوعي الصحيح ، وليتحقق بواسطة الفهم والمعرفة والوعي والإدراك، وبالممارسة والنضال وبالصراع والتضحية وفعل النهضة بنفوسنا وأعمالنا وأقوالنا.

وبالقَسَم الذي يكون بداية دخولنا النهضة والتزامنا النظام والنضال والأوامر، حيث بعد القَسَم يستمرّ فعل الانتماء ويتعامل بالمبادئ قولاً وعملاً، ويجسّدها المنتمي إلى الحزب ومعتنق العقيدة، فعلاً حيّاً بجميع تصرّفاته، ويتجلّى ذلك بالمناقب ممارسة وتضحية وعملاً مجدياً نافعاً بتطبيق المبادئ التي بها يؤمن على واقع حياته ومجتمعه.

وقد برهنت المرأة في سياق تاريخ انتمائها وصراعها بالمجتمع، بمبادئ الحزب، أنها قدّمت الكثير لمصلحة أمتها، فبرهنت بقدرتها وشجاعتها ودأبها الصبور بالنضال، أنها أهل وكفاءة على تحمّل المصاعب والمشقّات والصراع المرير القاسي والمعاناة المضنية، وبجميع مراحل الحركة منذ بدايتها وحتى الآن، لقد صبرت على الآلام وهي تحملها بقلبها الكبير على ابنها وأخيها أو زوجها المسجون أو المشرد أو الشهيد، وكانت هي فدائية بحق لا تقل عمّن يقدّم أغلى من لديه وما لديه من أجل انتصار إيمانه، فالمرأة ذاقت مرارة السجون وعذاباتها والتشرد ومآسيه والتضحية وحلاوتها. ولقد أنجبت الأبطال والبطلات، وأبدعت في ساحات النضال واستلمت مسؤوليات جساماً، وأصبحت في الصفوف الأولى متقدّمة في معارك الحياة ومتطلّبات النضال الحزبي.

وكانت فخر النساء في الحزب الأمينة الأولى جزيلة الاحترام، والشهيدة سناء محيدلي قدوة الفداء والبطولة، فحقّقت المرأة في انتمائها إلى الحزب نظرة سعاده إليها أنها متساوية مع الرجال، وأنها تبني بعقلها وقلبها وعملها عائلة قومية في بيتها وبناتها، وفي تضحياتها وجهادها.

فكانت مبادئ سعاده استشرافاً مبكراً في أمتنا لوضع المرأة وقدرتها وكفاءتها على الوقوف إلى جانب الرجال فأثبتت بعطاءاتها وتضحياتها وجهادها.

فكانت مبادئ سعاده استشرافاً مبكراً في أمتنا لوضع المرأة وقدرتها وكفاءتها على الوقوف إلى جانب الرجال، فأثبتت بعطاءاتها وتضحياتها أنها تبني مجتمع الحرية والواجب والنظام والقوة.

في القَسَم

يظهر الاهتمام بالعائلة، باعتبارها منطلقاً في بناء المتحد الأولي الصحيح لبناء المجتمع الأتمّ، وذلك في القَسَم الذي يؤدّيه المتنمي إلى الحزب، والمتوجب عليه الالتزام به، بعد اعتناقه مبادئه وإيمانه بها والتعاقد عليها مع مؤسس العقيدة والحزب، سعاده.

هذا القَسَم نصّت عليه الفقرة «هـ» من المادة «9» من الدستور:

«أنا … أقسم بشرفي وحقيقتي ومعتقدي على أنّي أنتمي إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي بكلّ إخلاص وعزيمة صادقة، وأن أتخذ مبادئه القومية الاجتماعية، إيمانا لي ولعائلتي…».

إن القَسَم هو من الموجبات الضرورية للانتماء إلى الحزب بعد انخراطه فيه، حيث أصبح عضواً في الحزب وارتبط مع القضية برابطة مصيرية حياتية تلزمه بأداء كل ما من شأنه غاية الالتزام والاعتناق والتعاقد.

إن هذا الالتزام قائم على التعاقد الحر بإرادة حرة غير مشوب بشائبة الرضا أو عيوب التعاقد من تدليس أو التباس، ولم يفرض بالقوة أو الإكراه، ولا بالاحتيال أو الترغيب أو الترهيب، لا معنوياً ولا مادياً، وإنما دعا صاحب القضية إلى مبادئه وعقيدته وأتباعه والناس علناً، لجميع السوريين، وبنصها الواضح بالدستور، للإيمان بها والتعاقد عليها لتحقيق الغاية المنشودة للحزب، ولكل الأجيال الحاضرة ولآتية، لاعتناقها والنضال في سبيلها، عرضها بموجب عقد أساسي وواضح بشروطه ومستلزماته وموجباته ومواده القانونية، وبعد أن اطلع المدعوون أسس العقيدة وتفهموا غاية الحزب، وناقشوا أصولها ومبادئها وحاوروا المؤمنين بها قبلهم، وآمنوا بها إيماناً مطلقاً لا يقبل الشك والريبة بل تعاقدوا عليها بكل وضوح وثقة وقناعة مطلقة، فقبلوها مقدمين على القَسَم ليؤدوه وهم عالمون أن القضية التي أقسموا عليها تساوي كل وجودهم في سبيل الأمة السورية، التي لأجلها يعملون بالممارسة الحية الفاعلة قولاً وعملاً وسلوكاً ومناقب قومية.

لهذا لا يمكن أن يتحلل المتعاقد من هذا القَسَم الذي تعاقد على مبادئه وعقيدته، إلا بخروجه من هذا الإيمان، وهذه الحركة التي تعتبره حين إذ حانثا بقَسَمه، وخائنا عقيدته، لأن القَسَم الذي يلتزم به العضو كان نتيجة هذا التعاقد بين طرفين هما سعاده الطرف الأول صاحب الدعوة إلى القومية الاجتماعية، والطرف الثاني المقبلون على دعوته إفراديا، ولا يجوز لأي طرف أن يخل بالعقد الذي أقسم عليه وعلى الالتزام به والتضحية في سبيله، حيث أصبح معتنقو دعوته أعضاء في الحزب يدافعون عن قضيته ويؤيدون الزعيم تأييداً مطلقاً في كل تشريعاته وإدارته.

ومقابل ذلك فإن الزعيم وضع هذه المبادئ ونشرها ودعا إليها بكل اخلاص وتفان وجهد كبيرين لا يمكن له أن يغير في مضمونها شيئا،ً والتي وقع التعاقد عليها إلا برضاء الطرف الثاني، المقبلين المنتمين للحزب والمتعاقدين معه، سعاده أوقف نفسه على تحقيق المبادئ ومصلحة الأمة وغاية الحزب، وأقسم على كل ذلك بقَسَم الزعامة.

قَسَم العضوية لا يطال العضو نفسه فقط، بل أقسم ليتخذ هذه المبادئ التي تعاقد عليها إيماناً له وشعاراً له ولعائلته ولبيته. وكذلك فإن المنتمي لا يستطيع أن بفسخ هذا العقد ويخرج عن المبادئ إذا لم يحله من قَسَمه الطرف الثاني.

إنه عقد ثنائي الطرف، لا يمكن لأي فرد أو مجموعة من القوميين متحدين أو منفردين أن يغيروا من مضمون العقيدة والمبادئ التي تم التعاقد عليها والقَسَم من أجلها، ولا يحق لأي منهم أن يغير في مضمون التعاقد إلا بموافقة الطرفين، حيث كل منهما أقسم يمين الولاء والإخلاص لها والعمل والنضال لهذه القضية.

وإن الإيمان بهذه العقيدة والنظام رمز وشرط لازمان لوجودنا في الحزب، بل وجودنا في الحزب واستمرارنا فيه يشترط إيماننا الكلي بالعقيدة التي اقسمنا عليها، وعند حصول الخلل بهذا الالتزام والانتماء، وبهذا الإيمان والقناعة بمبادئنا نكون قد خرجنا على العقد الذي تعاقدنا فيه بأن نموت معاً أو نحيا معاً، ونكثنا بعهدنا وقَسَمنا، وحصلت الخيانة لمبدئنا الذي تعاقدنا بموجبه على أمر خطير يساوي وجودنا، وهو «إننا ترابطنا في الحزب لأجل عمل خطير هو انشاء دولتنا، وليكون كل واحد منا عضو دولته المستقلة».

فالطرف الأول بالتعاقد هو سعاده، باعتباره منشئ الحزب وواضع عقيدته ومبادئه، أي هو صاحب سلطة تأسيس العقيدة والحزب الذي هو سلطة النظام والمؤسسات، وهذه السلطة تختلف عن بقية السلطات المنتقلة والمتوارثة بمجرد غياب شاغلها، حيث لا يحق لأي شخص أو جهة أو مؤسسة أن تحل محل الزعيم، لأنه ليس من حقها أن تأخذ صفة المؤسس والمنشئ والمنظم، والصفة التأسيسية، تشريعاً وعقيدة ونظاماً، أما الطرف الثاني فهم المقبلون على دعوته والمعتنقون عقيدته والملتزمون بنظامه والمنفذون قوانينه، والمتخذون مبادئه إيمانا لهم ولعائلاتهم، وشعارا لبيوتهم، يرمز إلى «دينهم» القومي وعقيدتهم السورية ويدافعون عنها ويبذلون الدماء التي تجري في عروقهم للأمة، لأنها من الأمة، فكل «عقيدة عظيمة تضع على أتباعها المهمة الأساسية الطبيعية الأولى التي هي انتصار حقيقتها وتحقيق غايتها، وكل ما دون ذلك باطل» كما قال سعاده.

والغاية هنا هي «بعث النهضة وتحقيق المبادئ التي تعيد إلى الأمة حيويتها وسيادتها وإقامة نظام جديد يؤمن مصالحها ويرفع مستوى حياتها» مادة 1 من الدستور. وعلى هذا الأساس أقسم كل منا، وبهذا العقد التزم، وبهذا الشعار آمن بالمبادئ التي اتخذها لنفسه ولغيره من أفراد عائلته أولاً، ثم لنشرها وحملها بين أفراد المجتمع ثايناً.

سعاده جعل أساس العمل وأول التزام بالقَسَم هو العائلة، عائلة القومي بكل أفرادها، ومهما كانت درجة قرابته لهم، حيث يتوجب على القومي الذي آمن بهذه المبادئ واعتنق هذه العقيدة ان ينقلها إلى أفراد عائلته بالاقناع والتوضيح والبيان والحوار والتفاهم، حتى يصبح كل فرد من أفراد العائلة جندياً في صفوف الحزب، يعمل الرفيق بجد واخلاص مع اطفاله الصغار، بالقدوة والمناقب المثالية، والعمل الشريف والجهاد لمبادئه فيكون مرآة صافية صادقة لهؤلاء الأشبال الصغار يتقيدون برب البيت برب العائلة.

فهذا القَسَم الضروري هو بداية نشر الدعوة السورية القومية الاجتماعية بين أفراد المجتمع، والقومي في عمله ضمن عائلته، سواء بالقول أم بالفعل أم التصرف أم بالقدوة لهم يكون هذا برهاناً واقعياً وحياً للأطفال لكي يصبحوا أبناء جنود الزوبعة الحمراء، ويفتدوا الوطن والأمة بأغلى ما يملكون.

على القومي أن يعمل بمبادئه بالسر والعلن، وبكل وقت، وبكل الظروف الصعبة مدركاً مهمته العظمى، ومهما كانت المصاعب والآلام يعمل بإخلاص لإنقاذ أمته من براثن الانحطاط والجهل وفقدان الوجدان القومي، لوحدة الأمة السورية وبعثها من جديد، وأول واجب عليه أن يعمل ضمن أسرته وأفراد عائلته، ثم لكل من يدخل بيته، لأنه شعار له يرفعه رمزاً ودعوة ونشراً ومناقبية وأخلاقاً وسلوكاً وممارسة حية بمبادئه التي آمن، فيكون القومي الذي يقتدى به، كما كان المعلم قدوة الأجيال والعائلات بكل الأعمال وعلى مر الزمن وتعاقب التاريخ.

مفهوم الزواج عند سعاده

إن أقوال سعاده في مجال اهتمامه بالعائلة واعتبارها مؤسّسة هامة في بنية المجتمع والأمة التي نعمل لها، وفي مجال حيوية الحزب وغايته، شأن كبير وواضح. يقول في رسالته الموجّهة إلى عساف مراد: «إن الحياة للسوري القومي، وللسورية القومية تختلف في معناها ومثلها العليا وأغراضها عن الحياة للذين لم يعرفوا الشعور القومي الصحيح، ولم يدركوا معنى العقيدة القومية والحياة الزوجية، للاقوميين هي الغرض الأخير من وجودهم، بل الغير الذين يدفنون فيه حيويتهم ومسؤوليتهم القومية… فبعد زواجهم لا يعود يرجى منهم نفع لعقيدة أو حركة، وليس هذا معنى الحياة الزوجية للقوميين، فالعائلة عند هؤلاء أمر مقدس، يعزز الرجولة والفضائل الإنسانية السامية ويرفع الحياة الزوجية، ويقوي معنى الاشتراك الروحي والعمل في الحياة.

الزواج ليس الهدف الأخير لحياة القومي أو القومية، بل طريق حياة الحياة القومية الصحيحة إلى أهدافها السامية، قبلها يقوي الشعور بالمسؤولية وتشتد عوامل التضحية، وتنشط دوافع امتزاج الحياة الفردية بمجرى حياة العائلة والشعب، فيصير المرء أشدّ شعوراً بالكرامة القومية التي لكيان عائلته نصيب فيها».

إذن، من الحياة الزوجية تنبع قدسية الزواج واحترامه، ويعزّز الرجولة، ويقوي الفضائل الإنسانية، ويرفع الحياة الروحية، ويفهم معنى الاشتراك الروحي، «لأن الارتقاء الروحي هو الذي يدرك أسرار النفس والطبيعة». ويقوّي الشعور بالمسؤولية والتضحية، والكرامة القومية، ويلغي الفردية ويندمج الزوجان في الحياة الاجتماعية، لأنه بني على الاجتماع الأزلي للمجتمعات، ذلك لأن «الزواج عقد حبّي ولد وعاش ونما قبل العقد الاجتماعي بأزمنة، وليس العقد الاجتماعي إلا الثوب الخارجي الذي يجعل الزواج شرعياً في الحياة الاجتماعية».

وقد أكّد سعاده على ضرورة انخراط المرأة في مجال العمل المنتج، ولم يتركها عالة على المجتمع، بل اهتم بها وجعلها أساساً في بناء العائلة القومية فيقول: «ليس العمل القومي وقفاً على الرجال، لن يكون العمل قومياً حتى تشترك فيه المرأة، وتكون عضواً عاملاً فيه، وإنني عندما فكرت بإمكانيات رجال سورية فكرت أيضاً بإمكانيات المرأة السورية التي كانت في أدوار تاريخنا الخاص عاملاً أساسياً في تقدّمنا ورقيّنا، وفي تلك المدنية التي وزعناها على العالم قد يعجز الرجل أن يدرك بعقله ما تستطيع المرأة أن تدركه بقلبها، يجب على الرجل أن يعمل في سبيل أمتنا، كذلك نريد من المرأة أن تكون عضواً عاملاً في مجتمعنا، نحن في حاجة شديدة إلى المرأة. إنني أهنّئ السوريات القوميات هؤلاء اللواتي قد ابتدأن هذه الحياة القومية، وفتحن السبيل لأخواتهن السوريات اللواتي نتوخى منهن أن ينضممن إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي بالاندفاع ذاته الذي صار مع الرجل».

مكانة المرأة

لقد أولى سعاده المرأة عنايته الكبيرة وأعطاها حقّها وخصّها بالمكانة الاجتماعية والإنتاجية ما للرجل من نشاط واندفاع وإبداع. كما كانت هي سابقاً ساعدت في نشر الحضارة والتقدم والمدنية على العالم أجمع.

إن المرأة تجمع قدرتين في عملها هما قدرة العقل، وقدرة القلب التي تتحلّى بها وتستطيع أن تدرك بوساطتها أموراً كثيرة لا يقوى الرجل على إدراكها. لأن المرأة لديها حاسة قوية في قلبها لتدرك أموراً عظيمة، وتسعى إلى تحقيقها قبل أن يدركها الرجال. وهن إضافة إلى ذلك كلّه يقمن بتربية أولادهن تربية قومية، لتكون بالنتيجة عائلة قومية مثالية في المناقب والسلوك والعمل والجهاد والفداء.

فيقول: «إن الشعب الذي ينجب نساء يعملن للفضائل البانية فيشعرن بحاجات الأمة ويقمن بنصيبهن في سبيل سداها ويؤدين واجباتهن بترية أولادهن على الفضائل القومية التي فيها خير الأمة، إن الشعب الذي يخرج للعالم أمهات من هذا النوع ورجالاً يتربون في أحضان هؤلاء الأمهات، ليخرجوا عاملين في خير أمتهم وعلو شأنها، هو شعب قد أبصر الخلود وأخذ يسير في طريق الخلود».

ويضيف: «وإن النهضة القومية في سورية كلها الدليل على أن الأمة السورية تعرف الخلود وتسير في طريق الخلود بقيادة النهضة القومية التي يشترك فيها الرجال والنساء».

وقد أعلى الزعيم من شأن المرأة ونفى استعباد الرجل للمرأة، وجعَلَها متساوية في الحقوق والواجبات. بل أنه أنكر عبودية الرجل للمرأة وحاربها ووضع مبدأ تقوم عليه العلاقة بين الرجل والمرأة، علاقة التعاون والتفاهم والمشاركة في الأعمال، كل منهما بحسب اختصاصه وإمكانيته، وهذا دليل آخر على مقدار اهتمام الحزب بتنشئة عائلة كريمة قومية، تساهم في بناء الحياة أو وحدة المجتمع، وتفانيه لخدمة أفراد أسرته، نافياً العبودية بين الرجل والمرأة: «ليست هناك عبودية ما، وجلّ ما هناك أن الرجل والمرأة نفسان متّحدان متساويان في الحقوق والواجبات يتولّى أحدهما الشؤون الخارجية ويدير الآخر الأمور الداخلية، وإذا ما اتفق أن استبد الرجل بالمرأة أو المرأة بالرجل، فما ذلك إلا نتيجة انحطاط أخلاقي في المستبد.

ويضيف موضحاً هذا الأمر قائلاً: «لا أنكر أن واجبات المرأة تختلف عن واجبات الرجل، ولكن الاختلاف في واجبات المرأة والرجل اختلاف طبيعي لا وجه للعبودية فيه، فإذا كانت المرأة غير مساوية للرجل في شؤونه الخارجية فلأن طبيعتها وواجباتها الطبيعية لا تخوّلها ذلك، ليس لأنها مستعبدة كما يظهر، كما وأن الرجل لا يمكن أن يساوي المرأة في واجباتها ووظيفتها، كذلك لا يمكن للمرأة أن تساوي الرجل في واجباته ووظيفته».

وسعاده يوجّه المرأة إلى واجباتها التربوية، وكيفية تغذية أبنائها بروح الثقة والرجولة وحرّية الفكر، ليخرجوا رجالاً تعتمد عليهم أمتهم في بناء مستقبلها، فيقول: «على المرأة أن تغذّي أبناءها بروح الثقة بالنفس، والاعتماد على النفس وحرّية الفكر وحرّية التصرّف، وسائر الفضائل التي من دونها تكون الحياة عديمة الجدوى، عديمة الارتياح عديمة السعاده، عديمة المعنى، اللهم إلا معنى الخمول والذلّ والانحطاط والعبودية. وهل يمكن للأطفال النامين تحت ضغط القهر وإذلال النفس أن يخرجوا رجالاً ونساءً أحراراً؟».

كما أنّ سعاده يقرّر كمبدأ عام وضمن حاجة الأمة وضرورات الحياة، والتخطيط اللازم للنسل، زيادة أو نقصاناً، وذلك وفق مستلزمات الأرض والإنتاج والدفاع عن الأمة في حروبها والعمران. كما يؤكد أن البنين زينة الحياة الدنيا، فيقول: «البنون بهجة العائلة، والحركة القومية الاجتماعية، مبدئياً، لا ترغب في تقليل نسل القوميين الاجتماعيين خاصة، وبقية السوريين عموماً».

إن هذه الأقوال التي أوردناها لسعاده هي بعض ممّا لا يتسع المجال لإيراد كل ما قاله في شأن المرأة والعائلة وتربية البنين.

وهنا، يظهر بجلاء مقدار اهتمام الحزب بالعائلة ورعايته لها لأنها أساس المتحد، والمتحد الأتم هو المجتمع، الأمة التي لها ولأجلها نناضل ونكافح ونضحي في سبيل تحقيق سيادتها واستقلالها وتقدّمها ورقيّها وسدّ حاجاتها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى