في ذكرى التأسيس: سؤال الراهنيّة؟
د. زهير فياض
القوميّة الاجتماعية وقبل أيّ شيء – منهج علميّ معرفيّ في مقاربة «الواقع الاجتماعيّ» على ضوء معطى العقل باعتباره «الشرع الأعلى» الذي يقود ويعقل سلوكيات الناس وتصرّفاتهم وأدائهم، وهذا العقل يثبت المنهج الصراعيّ الإنسانيّ في حركة الحياة النامية المتطوّرة على قاعدة التفاعل المدرحيّ الإيجابيّ الذي يمثل الديناميّة المحرّكة للتاريخ الإنسانيّ برمّته.
القومية الاجتماعية إذاً هي نظرية علمية معرفيّة شاملة في أبعادها، وترتكز بالضرورة على «العقل» الإنسانيّ الفاعل في تحديد الأزمات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وتعتمد على معطياته في إيجاد المخارج والحلول لهذه الأزمات والمشكلات التي تعرض في سياق الواقع الاجتماعيّ الحيّ، والقومية الاجتماعيّة – بهذا المعنى ليست حالة فكريّة سكونيّة جامدة، بل وضعيّة فكريّة ديناميكيّة متحرّكة تمثّل منصّات انطلاق للعقل الإنسانيّ في حركة تفاعله مع البيئة الطبيعية والبشريّة، وفي مسيرة صياغة التاريخ الإنساني والحضاري…
القومية الاجتماعية كما أرادها سعاده – تمثّل منهجاً يرمي إلى بناء وحدة الأمّة، وإطلاق نهضتها، وتحرير الطاقات الكامنة فيها، وإقامة نظام حياتها الراقي أيّ نظام العدل الحقوقي الاقتصادي- الاجتماعي الذي يؤمّن رقيّها وفلاحها وعزّتها، ويرفع عنها الضّيم والظلم الخارجيّ والداخليّ، ويقوّي منعتها في مواجهة العواصف التي تهبّ من كلّ حدب وصوب، ويضمن ترسيخ قِيمها الإنسانيّة الراقية، ويحفظ لها موقعها المتقدّم على المستوى العالمي.
القومية الاجتماعية إذاً هي المنهج، والحزب السوريّ القوميّ الاجتماعيّ يمثّل حركة الإسقاط الحيّ لهذا المنهج في واقع الأمة، ولا يمكن فهم وجود الحزب السوريّ القوميّ الاجتماعيّ خارج هذا الإسقاط لمفاهيم النظرة القومية الاجتماعية وتطبيقها في حياة الأمّة باعتبارها مفاهيم لا بُدّ أن ترتكز عليها حياتنا القوميّة العامّة، وهي مفاهيم نهضويّة، أيّ تهدف إلى تحقيق نهضة الأمة وعزّتها وتقدّمها وفلاحها…
كلّ الأبعاد مجتمعة…
ليس الحزب السوريّ القوميّ الاجتماعيّ حزباً سياسياً بالمعنى الاعتياديّ، وليس حزباً يقوم على مصالح آنيّة سياسيّة أو انتخابيّة وحسب. لا يمكن اختصار الحزب بأُحاديّة البُعد السياسيّ أو الثقافيّ أو الاقتصاديّ أو الاجتماعيّ أو التربويّ، إنّه، وفي ذات الوقت، كلّ هذه الأبعاد مجتمعة في حركة قومية اجتماعية تناضل وتكافح وتجسّد تجسيداً حيّاً كلّ مضامين العقيدة القوميّة الاجتماعية، إنّه حزب الأبعاد المختلفة والمتعدّدة والتي تتركّز حول نهضة الأمة ومصالح حياتها الكبرى.
الشموليّة القوميّة الاجتماعيّة النهضويّة بهذا المعنى وفي مراحل تاريخيّة معيّنة، وخاصة في المفاصل الأساسيّة من حياة الأمم والشعوب، هي مصدر غِنى فكريّ وثقافيّ وحضاريّ، وتمثّل المرتكز لعمليّة النهوض بالأمّة والارتقاء بها من مستوى الانفعال إلى مستوى الفعل في رسم مسارها النضاليّ التحرّريّ التنمويّ الاستقلاليّ، وتحقيق الأهداف والغايات الكبرى ورسم علاقتها بأمم وشعوب هذا العالم المترامي الأطراف…
القضيّة القومية الاجتماعية هي قضيّة الأمة بأسرها، هي قضيّة تحرّرها ووحدتها وبناء كيانها السياسيّ، وهي أيضاً قضيّة التنمية البشرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية، كلّ هذه العناوين تمثّل «النهضة» بأبعادها المختلفة.
الحركات النهضويّة الكبرى تحمل أسئلة كبرى حول الوجود القوميّ والهويّة والكينونة والصيرورة في الواقع الإنساني، وهي تتحمّل مسؤوليات تاريخيّة كبرى، وتتنكّب مهامّ «مزدوجة»، وهذا ما يميّزها عن الأحزاب التي نشأت في مجتمعات مستقرّة نسبيّاً كالمجتمعات الأوروبيّة، وهي مجتمعات وأمم وشعوب حسمت في داخلها منذ زمن بعيد المسائل المتعلّقة بالهويّة والوجود والانتماء، وتفرّغت لطرح البرامج الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية المرتبطة باللحظة الآنيّة، فيما الحركات النهضويّة الكبرى هي تلك التي توجّه عملها وتركّز جهودها لتثبيت الهويّة والدفاع عن الوجود القوميّ ومن ثمّ البحث لاحقاً في البرامج السياسية والاقتصادية الظرفيّة، لذلك اعتبرت أنّ مهمة «النهضة» مزدوجة بهذا المعنى…
رمزيّة التأسيس هي في ما تحمله من بعد نهضويّ شامل في الثقافة أولاً، وفي التربية وفي السلوك وفي الأداء وفي النضال طبعاً، بما يشكّل نموذجاً نهضويّاً وحدويّاً فريداً، وتجربة نضالية قومية مميّزة تجب المحافظة عليها وتطويرها وحمايتها ورفدها بكلّ عوامل الانتصار والقوة، وتقديمها للناس باعتبارها فكرة تحقّقت بالممارسة المرتكزة إلى تربية قوميّة صحيحة، والمشدودة إلى عقيدة توحيديّة جامعة لكلّ أطياف المجتمع القوميّ الواحد خارج كلّ التكاذب والدّجل الذي تحفل به حياتنا العامّة.
الحركة السوريّة القوميّة الاجتماعيّة مدرسة وطنيّة حقيقيّة أرادها سعاده أن تخرّج جيلاً يبني المستقبل على قاعدة الانتماء إلى الأمة والانتماء إلى المجتمع والانتماء إلى التاريخ والجغرافيا، إلى الحياة الواحدة الموحّدة في جوانبها المختلفة.
نحن بأمسّ الحاجة إلى إحداث نقلة نوعيّة في مسيرة الحزب، ترتكز على أسئلة في صلب المنهج القوميّ الاجتماعيّ، وتضع في رأس أولويّاتها الأهداف والغايات التي نشأ عليها الحزب منذ تأسيسه حتى اليوم، أي وبكلام أخر – يجب طرح سؤال أيّ حزب نريد؟ والإجابة على هذا السؤال عند سعاده نفسه «الحزب: فكرة وحركة تتناولان حياة أمّة بأسرها».
هذا الجواب التاريخي الذي قدّمه سعاده يدفعنا إلى إجراء أوسع وأشمل وأعمق حركة نقد تاريخيّ بما يؤدّي إلى تفعيل الدور وتطويره بما ينسجم أكثر مع مقتضيات العقيدة القومية الاجتماعية بمفهومها الواسع والشامل.
والعقيدة بهذا المعنى- تحصّن الحزب وتقوّي جسمه وتزيد من مناعته وتعطيه موقعه المتميّز في العمل.
بات ملحّاً اليوم فعلاً إحداث صدمة إيجابيّة داخل مجتمعنا، وإطلاق أوسع حركة ثقافية تربوية مناقبيّة تُعيد وضع النقاط على الحروف، وتُعيد بناء الإنسان الجديد حقّاً، إنسان سعاده المتميّز بعلمه وعمله وأخلاقه ومناقبه وسلوكه، وإعادة التركيز على البناء الأخلاقيّ القوميّ الاجتماعيّ هي المدخل الحقيقيّ لمقاربة كلّ هذه المشكلات.
ثمّة حاجة أيضاً لتبسيط الفكر القوميّ الاجتماعيّ وإعطائه بعداً حياتيّاً يتقاطع مع مصالح الناس وفهمهم لأمور حياتهم على مختلف المستويات، فالفكر التجريديّ النظريّ، على أهميّته، لا بُدّ أن يتقاطع مع إفهام الناس ومدى استيعابهم للنظرة القوميّة بكلّ ما تطرحه من مفاهيم حول معنى التاريخ الواحد والمصير الواحد والمستقبل الواحد، على خلفية وحدة الحياة الطبيعيّة التي تجمع الجماعة القومية الواحدة على الأرض الواحدة والبيئة الطبيعيّة الواحدة ومغزى الدورة الاقتصادية الاجتماعيّة الواحدة ونتائجها المباشرة وغير المباشرة على الواقع الاقتصاديّ، وعلى آفاق التنمية الاقتصادية الاجتماعية الشاملة.
حقائق الحياة الواحدة
لقد مرّ وقت طويل في بلادنا ونحن نخوض في ما بيننا صراعات وجدالات عقيمة حول معنى الأمّة ومفهوم المجتمع وعلاقته بالقيم والدين والأخلاق والسلوك، فيما حقائق الحياة الواحدة بكلّ تجليّاتها كانت تسبق وعينا لها، فالدورة الاقتصادية التي تجري في دول المشرق العربيّ كانت تسبق الوعي بحقيقة وجودها، فحركة البضائع والمنتجات والسكّان والتبادل الاقتصاديّ والثقافيّ والمعرفيّ لم تنتظر توضّح المفاهيم والرؤى والنظرات، بل كانت واقعاً تعيشه الأمّة مع مفارقة أنّها إمّا تنكره أو لا تعقله في وعيها الباطنيّ، وهذه مفارقة مذهلة ينبغي التدقيق فيها ودرسها من كلّ الجوانب لاستخلاص العِبَر والدروس المُستقاة منها. وهذا يطرح أسئلة تحاكي العقل في الإجابة عليها، إذ كيف يمكن لجماعة بشرية أن تحيا فعلاً لا قولاً «حياة موحّدة المصالح موحّدة المصير» فيما أطيافها لا تلمس هذا الواقع، لا بل تبذل جهوداً مُضنية في بعض الأحيان – في سبيل إنكار الحقائق المتّصلة بها، ورفضها وتسفيه كلّ المنطق الذي يستند إلى وقائعها الماديّة المتجسّدة في سلوكيات الناس وحركتهم وحياتهم اليوميّة.
وهنا يبرز سؤال «الهوية»؟ باعتباره المنطلق للبحث والتمحيص والبحث عن الحقائق التي يختزنها كلّ التاريخ الحيّ لهذه الأمة التي مرّت بظروف تاريخيّة صعبة وقاهرة، أدّت إلى كلّ هذا التصدّع في المشهديّة العامّة للهويّة والانتماء وحقائق الحياة الأخرى. بَيْد أنّ السبيل الوحيد هو في إطلاق حركة عقلانية شاملة تقارب الحاضر والمستقبل وفق منهجيّة جديدة لا تُسقط فيها أيّ عامل مساعد على إعادة تركيب أجزاء الصورة، ليكتمل المشهد القوميّ التاريخيّ الذي يشكّل القاعدة الأساس للانطلاق باتّجاه المستقبل، لأنّه لا حاضر من دون ماضٍ، ولا مستقبل من دون حاضر، ولا بُدّ في النهاية من اكتمال الحلقات وتسلسلها لننطلق في مشوار البناء ومسيرة التحرّر والتنمية الحقيقية وعلى كلّ الصعد.
صوابيّة النظرة القوميّة الاجتماعيّة
راهنيّة الفكر القوميّ الاجتماعيّ تنطلق من القواعد الفكريّة التي ارتكز عليها في مقاربة المشكلات والمسائل داخل المجتمع الواحد، وفي العلاقة مع الأمم والمجتمعات على مستوى العالم. وكلّ الأحداث تُثبت صوابيّة النظرة القومية الاجتماعية في فهمها العميق لواقع العالم ولحقيقة الصراع القائم فيه من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، وبهذا المعنى تقدّم القومية الاجتماعية نموذجاً رائداً في كيفيّة تحصين الأمة من الداخل، بما يؤدّي إلى تحصينها في وجه الأعاصير والعواصف التي تضربها من الخارج.
راهنيّة الفكر القومي الاجتماعي في كونه يمثّل نهضة حقيقيّة عميقة تُعيد صياغة الحاضر على قواعد وأُسُس متينة وقويّة بما يفتح الأفق أمام أيّ تطوّر أو تقدّم في المستقبل.
راهنيّة هذا الفكر تتجسّد في حلّه إشكاليّة الهُويّة والانتماء، وإشكاليّة الهُويّة كانت على الدوام تقف عائقاً أمام حركة الأمة باتّجاه المستقبل، إذ كيف يمكن أن تثبت على أرض الصراع والهُويّة تعاني تصدّعاً مشهديّاً لا وضوح رؤية فيه.
راهنيّة هذا الفكر في شموليّته البُعد المدرحيّ في فهم علاقة الإنسان مع الإنسان، وفي فهم علاقة الإنسان مع البيئة، هذه العلاقة التفاعليّة البنّاءة الرّحبة أوجدت الأساس العمليّ لوحدة الحياة ولحلّ كلّ إشكاليات الانقسامات الأفقيّة والعموديّة، الروحيّة والماديّة، وأوجدت الأرضيّة لحلّ كلّ مشكلات الأقليّات الطائفيّة والمذهبية والإثنية والعرقيّة على قاعدة التفاعل والوحدة في دورة اقتصاديّة اجتماعيّة صاهرة وجامعة لكلّ أطياف المجتمع الواحد الموحّد.
راهنيّة الفكر القومي الاجتماعي في فهمه العلاقات بين الأمم، أيّ على المستوى الفوق قومي انطلاقاً من حقيقة كون هذا العالم عالم أمم وشعوب ومجتمعات متمايزة في الثقافات ومتمايزة في الحضارات ومتمايزة في النظرة إلى مسائل عديدة، ولكنّها جميعاً تتلاقى في رحاب الإنسانيّة الجامعة، ولكن على قاعدة حفظ الذات والهويّة وحماية المصالح الحيويّة لكلّ مكوّنات هذا العالم.
راهنيّة الفكر القوميّ الاجتماعيّ في فهمه للشأن الاقتصاديّ باعتباره ركيزة من ركائز الاجتماع البشريّ، يقول سعاده: «الرابطة الاقتصادية هي الرابطة الاجتماعية الأولى»، وهو يعتبر أنّ المسألة الاقتصادية هي مسألة مفتوحة على تطوّرات الحياة الاقتصادية نفسها، والحلول الاقتصادية ترتكز على قواعد حماية مصلحة المجموع القوميّ، ولكنها أيضاً تخضع لظروف الزمان والمكان ومستوى التطوّر الإنتاجي الاقتصادي، فالحلول الجاهزة غير ممكنة في الاقتصاد، كما قولبة النُّظُم الاقتصادية مسألة تخطّاها الزمن، وكذلك دور الدولة ومستوى تدخّلها في العلاقات الاقتصادية تقرّره الظروف، فلا الرأسماليّة الجشعة غير الإنسانيّة أوجدت حلولاً مستدامة لأزمات الواقع الاقتصادي، ولا الأنماط التي قدّمتها الماركسيّة الماديّة حققت إنجازات هامّة على مستوى حلّ إشكاليّات الواقع الاقتصادي المأزوم.
ولعلّ الأزمات الاقتصادية العالمية الحالية، وما مرّ منذ سنوات قليلة من أزمة مالية عالمية، تقدّم الدليل الدامغ على ديناميّة الشأن الاقتصادي وعلى ضرورة أن يخضع لسلطة العقل في مقاربة جوانبه المختلفة، فها هي الولايات المتحدة الأميركيّة اليوم تُعيد إحياء الكينزية الجديدة، إذا صحّ التعبير، في حركة التأميم الواسع للشركات والمؤسسات التي تعاني من أزمات ماليّة، وهذا دحض لكلّ نظريات السوق والآليّات التي تحكمه بمعزل عن الدولة ودورها في حماية المصالح القومية للأمّة والمجتمع المعنيّ.
التميّز في البُعد الاجتماعيّ
القومية الاجتماعية تتميّز أيضاً بالبُعد الاجتماعيّ القائم على توسيع قاعدة العدالة الاقتصاديّة والاجتماعية، لأنّ الأخوّة القومية الحقّة لا تستقيم في ظروف الظلم والقهر الاجتماعي وسوء توزيع الثروات القومية.
راهنيّة «القومية الاجتماعية» تتمثّل في كونها تسعى لـ«عقلنة» المجتمع، و«العقلنة» بهذا المعنى – مسارٌ معرفيّ أخلاقيّ في مقاربة مشكلات الواقع الاجتماعيّ بتشعّباته وتعقيداته ومناحيه واتّجاهاته المختلفة، وهو المسار الآمن الذي تعتمده الأمم الحيّة التي تسعى إلى التقدّم والتنمية وحلّ المشاكل بعيداً عن الانفعال والتعصّب والانجراف وراء الغرائز والأهواء…
ثمّة حاجة حقيقيّة لأن نرسي هذا المنهج العقلانيّ العلميّ لكي يساعدنا على قراءة الواقع الذي نحياه بُغية رسم «خارطة طريق» لمستقبل أجيالنا التي وُلدت، أو التي لم تولد بعد…
راهنيّة القومية الاجتماعية تكمن في اعتمادها العقل باعتباره «الشرع الأعلى» الذي يقود حركة المجتمع، وعلى ضوء معطيات هذا «العقل» يحدّد المجتمع خياراته الأساسية في السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة والأمن والعلاقات داخل المجتمع الواحد، أو على مستوى العلاقات بين الأمم والشعوب والمجتمعات…
إنّ أمتنا تحتاج إلى هذا المنهج العلميّ لتحديد أولويّاتها في هذه المرحلة التاريخيّة بما تفرضها من تحدّيات، وهي أحوج ما تكون إلى جيل جديد يتبنّى هذا المنهج لإصلاح البُنى السياسية والاجتماعية والأمنيّة والثقافية والتربوية القائمة لتستطيع، بالفعل لا بالقول، أن تثبت في معترك الصراع العالميّ القائم…
الإشكاليّة في بلادنا اليوم تتجسّد في كون القضايا المطروحة جدّ متأخّرة في زمان طرحها، وهي تتناول أسئلة حسمتها غالبيّة الأمم التي يتكوّن منها هذا العالم، أي أسئلة الهُويّة والانتماء والكينونة والصيرورة وبالتالي الفعل. أي، بكلام آخر، إنّ ما يقع في سلّم أولويّات أمّتنا اليوم هو قضيّة وجودها بحدّ ذاته، وهي مسألة معقدة ومتشعّبة، ولكنّها في ذات الوقت القاعدة الأساس لتحديد مسارات الحاضر والمستقبل!
ففي زمن العولمة وتجاذبات القوى المتصارعة على مدى العالم لا مكان لبُنى وطنية أو اجتماعية غير موحّدة وغير مستقرة أو مفكّكة، فالأساس هو في بناء الذات وحلّ إشكاليّة الهويّة، ومن ثمّ الانطلاق إلى تحديد المشكلات والمعوقات أمام مسائل من نوع آخر، ولاحقة تتعلّق بقضايا التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أو مسائل الإصلاح التربوي وغيرها من المشكلات…
وعنوان الصراع الجاري اليوم في ما يخصّ أمّتنا له علاقة بتحدّي الهويّة وكيف نربط الهويّة بقضيّة الوحدة، وكيف نربط مسألة الوحدة بموضوع التقدّم والتنمية والازدهار والرخاء والرفاهية وترقية مستوى الحياة بوجوهها المختلفة…
لا يمكننا أن نلج هذا العالم أفراداً أو قبائل أو عشائر أو طوائف أو مذاهب متقاتلة ومتناحرة، بل وجب أن نقدّم أنفسنا في إطار بُنية وطنيّة وقوميّة متراصّة ومتينة وموحّدة تملك هويّتها وخصائصها وميّزاتها وأهدافها وغاياتها ومُثُلها العليا، وقتئذ تصبح المسائل الأخرى المتّصلة بتجويد الحياة مسائل تفصيليّة يمكن مقاربتها على ضوء العقل بأبعاده المختلفة…
وعندها فقط نستطيع أن نتطلّع إلى ما وراء الحدود لكي نثبت بالفعل أنّنا جزء فاعل من هذا العالم، وهذا بالضبط ما تسعى إليه الحركة القوميّة الاجتماعيّة، وهذا بالضبط ما يجسّد بعمق راهنيّتها!
عميد في الحزب السوري القومي الاجتماعي