ترامب رئيساً: أسباب أكبر مفاجأة انتخابية بتاريخ أميركا!
خليل إسماعيل رمّال
يسرني القول، لا من باب التبجُّح أو الغرور، إننا عبر هذه الصفحات الرصاصية، تنبّأنا بأنّ دونالد ترامب سيشكل انتكاسة القرن الانتخابية ومفاجأته، التي لم يُحسب لها حساب. كما أننا دعونا إلى عدم انتخاب هيلاري بسبب عدم كفاءتها وإنْ كنّا بالضرورة، لم نؤيد ترامب في سباق رئاسي هو أصعب وأسخف وأغرب وأوسخ في تاريخ أميركا.
ذلك أنّ جهابذة المحللين والمنظرين وأباطرة الإعلام والسياسة والعلاقات العامة والدعاية، سيمضون وقتاً طويلاً في «نجورة» عظام هذا الحدث التاريخي ومعرفة أين أخطأوا في إعلان وفاة ترامب السياسية، بسبب فضائحه النسائية وخطابه العنصري ومحاربة المؤسسة التقليدية الحاكمة له وتبرّؤ حزبه الجمهوري منه قبل الديمقراطي ومواقفه المتحوّلة وكلامه العشوائي وانعدام خبرته، حيث لم يخدم في أيّ منصب حكومي ولا عسكري، بل جاء من عالم ملكات الجمال والترفيه والتسلية والمال الطائل والأعمال التجارية والسحر التلفزيوني البراق. وكان أقرب رئيس له من هذه الناحية الخرفان رونالد ريغان، الذي كان ممثلاً فاشلاً وتحسّن أداؤه بالتمثيل والخدع السينمائية في البيت الأبيض. لكن ريغان الجاهل بالجغرافيا، الذي كان يستشير النجوم مع زوجته نانسي، كان، على الأقلّ، محافظاً لولاية كاليفورنيا ودخل معترك السياسة. وفي ما يلي بعض أسباب فوز ترامب الكاسح:
ركب بشكل أفضل من غيره، موجة الثورة التكنولوجية التواصلية، عبر إزاحة الوسيط بينه وبين الناخبين. وذلك، عبر ثورة «السوشال ميديا» فأوصل للناس مباشرة أفكاراً مبسطة حول نزيف الوظائف الى الخارج، مما جعل أميركا دولة مديونة للصين وغيرها وناتجها القومي العام في أدنى مستوى له، خصوصاً بعد الركود الاقتصادي في عهد بوش وأول عهد أوباما، بحيث كادت تنهار البنوك الرئيسية وقطاعات صناعة السيارات والتصنيع. وبسبب التضخم الذي يلتهم الرواتب المتدنية أصلاً. وقد أظهرت الاستطلاعات أنّ ما كان يهمّ الناخبين هو الاقتصاد لا غير ذلك بنسبة 30 بالمئة .
الشعب الأميركي غريب الأطوار، فهو ينتخب لولاية ثانية رئيساً فاشلاً كجورج دبليو بوش، أدخله في حرب العراق من دون سبب، ثم يملّ من وجه الرئيس الكالح بعد 8 سنوات، فينتخب مرشحاً من الحزب المضادّ للأول. هكذا فعل مع بوش والآن مع أوباما وقبل ذلك كلّ مرة، عدا عن أنّ هيلاري كلينتون لم تتمكّن من الصمود أمام ترامب، لأنّ الشعب زهق من الحقبة الكلينتونية الطويلة والفضائح التي رافقتها، فلم يثق بهيلاري رغم عثرات ترامب وسقوطه مرات عدة. ورغم نجاحها، حسب استطلاعات الرأي ؟ في المناظرات الرئاسية الثلاث، لكن هيلاري لم تتمكن من الحصول على الدعم الكامل، حتى من النساء واللاتين والسود، على رغم الماكينة الدعائية، التي جعلت من ترامب عدواً لدوداً لهذه الجماعات. إلا انّ ما سبّب أذية هيلاري الكبرى، هو بيرني ساندرز ومواقفه التقدمية، التي لم ينسها المستقلون والديمقراطيون والأقليات. وهو أول من أضاء على علاقة هيلاري بوول ستريت وخطاباتها المدفوعة وقال إنه لا يمكن الوثوق بها. كما كرّر ترامب كلامه، نقلاً عنه. لذا، فخسارة ساندرز أمام هيلاري في الترشح عن الحزب الديمقراطي، رغم انضمامه إليها لاحقاً، لم يهضمها أنصاره، فانعكست على صناديق الاقتراع.
الإعلام السائد وقف كله ضدّ ترامب. وكذلك، مؤسسة الحكم التقليدية. وقد تمكّن ترامب من إظهار نفسه، أنه خارج هذه المنظومة الجهنمية من الفساد كيف لو خبر مسخ الوطن عندنا ووحوش المال والسياسة فيه؟ وانه سيعمل على تطهيرها. كما انّ الشعب الأميركي رأى فيه هذا الإنسان المحاط بالوحوش من الحزبين معاً ومن واشنطن والشعب دائماً، يقف مع الضعيف underdog . ولذلك، لم تساعد مساهمة أوباما وزوجته في حملات هيلاري، لأنّ الناخب اعتبر أنّ فوز كلينتون سيكون ولاية أوباما الثالثة. وهذا حمل اليمين الديني والبيض على استنفار ماكيناتهم الانتخابية، لصالح ترامب.
العامل الحاسم، كان إعلان رئيس «اف بي آي» كومي، إعادة التحقيق في بريد هيلاري. وكان هذا عاملاً مدمّراً لمصداقيتها، قبل أيام من الاقتراع العام. مما ذكّر بفضائحها وزوجها. كما أنّ إعلان كومي السريع، بعد ذلك، بتبرئتها، بعد تحقيق مختصر في غضون أيام بـ 250 ألف قطعة بريد، زاد في الطين بلة، لأنّ المحافظين روّجوا أنّ كومي تعرّض للضغط من قبل لاعبين كبار، لكي يتراجع. وهذا كان دليلاً جديداً لدى الناخبين على فساد الطبقة الحاكمة.
هذا غيضٌ من فيض. ولا يتسع المجال لذكر كلّ الأسباب التي حملت شخصاً مثل ترامب إلى البيت الأبيض، وسط ذهول الأميركيين والعالم. وقد بدأ بعض الأميركيين بحملة واسعة من التظاهرات، التي نرجو ألا تصيبها عدوى الحراك المدني المحنّط في لبنان. لكن هذا التظاهر لا يفيد في بلد ديمقراطي يختار الشعب فيه ممثليه. وما علينا إلا ان ننتظر تجربة 90 يوماً لترامب في الحكم قبل الحكم عليه.