بين إيفانكا ترامب وميراي عون

روزانا رمّال

قلة هنّ النساء اللواتي يشاركن في صناعة القرار الدولي والمشاركة في وضع استراتيجيات عامة للبلاد أو ترؤس نسبة لا بأس بها من دول العالم على صعيد رئاسي أو حكومي أو برلماني، لأن هذا يتعلق بتراكم منهجي لسياسة الدولة بين أعراف وتقاليد وفرص، وبين ما هو أهمّ «إسناد المهمات الأصعب للرجل تاريخياً وأكثرها مسؤولية وتعقيداً فكان عبر التاريخ تفوّق لفكرة «الحاكم» بدلاً من «الحاكمة».

مفاهيم خاطئة تشاع في منطقة الشرق الأوسط تفيد أن نسبة حصول المرأة على حقوقها وتمثيلها السياسي في الدول الغربية أو الأجنبية متساوية مع الرجل عملاً بأن كل ما يسوق خارجياً هو أكثر «دقة»، إلا أنه وفي الواقع فإن الفرص التي تتمتع فيها النساء بالمجتمع الغربي على صعيد تسلم مهمات كبرى تبقى قليلة نسبة لمساحات الدول وتاريخها وعدد ممثليها – على سبيل التوضيح – في مجالس الشيوخ أو النواب كأميركا مثلاً، حيث يطغى على مجلسي الشيوخ والنواب العنصر الذكوري عددياً كذلك الأمر بالنسبة لمجلس العموم واللوردات البريطاني.

لا تزال مسألة تواجد المرأة في مناصب عليا موضع أخذ وردّ في كل العالم حتى أنها تُضطر في بعض الحالات لشرح أسباب قبولها بتسلّم مهمة ما أو توضيح «الظروف» التي أوصلتها إليها، هذا ما لا يعيشه رجال السياسة عامة.

لا تزال المرأة تثير الجدل لدى تبوئها مراكز القرار في العالم برمّته، واليوم قد تبدو تجارب مثل انجيلا ميركل المستشارة الألمانية ورئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي وزعيمة اليمين الفرنسي المتطرّف مارين لوبان التي قد تصل للسلطة مشجّعة لكسر هذا المحظور من دون أن يصبح قاعدة عامة في تساوي حظوظ المرأة مع الرجل في التمثيل النيابي أو الوزاري في دول العالم. فالأسماء المذكورة هي حصيلة تسميتها من قبل أحزابها لخوض التجربة وليست دليلاً على أن نسبة تمثيل الإناث في مجالس النواب التي ينتمون اليها تساوي نسبة تمثيل الذكور كما أنه كان لحقوق المرأة حصة الأسد من حملة هيلاري كلينتون الانتخابية.

التخلص من أفكار سادت لقرون وعقود تتعلّق بمشاركة المرأة في عالم السياسة تحتاج الى المزيد من الوقت ليبقى ممكناً الحديث عمّا هو أكثر شيوعاً واستمرارية تاريخياً وهو تأثر رؤساء كثر حول العالم بزوجاتهن أو بناتهن بصياغة قرارات مصيرية تتعلق بشؤون البلاد كالينور روزفلت زوجة الرئيس الأميركي الأسبق مثلاً.

على طرفي نقيض ولدت حالتان متوازيتان زمنياً بين واشنطن وبيروت، حيث ظهرت في كلتيهما قصة سيدة تحيط بوالدها وتؤثر على خياراته السياسية والمنهجية في إدارة اللعبة السياسية، وهما ايفانكا دونالد ترامب وميراي ميشال عون.

يؤكد متابعون للشأن الأميركي من واشنطن لـ «البناء» عن ان الكواليس السياسية تتحدّث عن أمر أساسي جداً في ادارة ملفات مصيرية في العهد الرئاسي الأميركي الجديد لترامب بالقول «إن ابنة الرئيس ترامب ايفانكا ستكون هي بالواقع السيدة الأولى الحقيقية للولايات المتحدة الاميركية والبيت الابيض، على الرغم من محاولة إنكارها ذلك منذ ما قبل فوز والدها، وكلامها لا يقنع العاملين مع ترامب والمتابعين سلسلة مواقفه وإدارة حملته الانتخابية أيضاً.

ايفانكا تنفي في برنامج «ستون دقيقة» الذي شاركت فيه منذ بضعة أيام مع عائلتها أن تكون جزءاً من الإدارة الجديدة لوالدها وتؤكد أنها ستتابع أعمال والدها، لكن هذا النفي لم يسعفها بعدما لوحظ تكرارها أكثر من مرة نيتها العمل على قضايا أساسية مثل «قضايا المرأة، مساواة الأجور، إتاحة فرص أكبر للنساء، بدون صفة إدارية رسمية، حسب تعبيرها.

قانوناً، ليس مفهوماً جدوى أن تضع ابنة رئيس أجندة «للعمل العام» بدون أن تستفيد من نفوذ والدها، طالما أن كل بند مما تطرحه يحتاج أرضية دعم رسمية مناسبة.

تفيد المعلومات أن لإيفانكا دوراً أساسياً في اختيار نائب الرئيس «مايك بنس». وهو المنصب الأرفع في الولايات المتحدة بعد الرئيس. كل هذا مع دورها الاكبر في حملة والدها الانتخابية.

في لبنان تبدو السيدة ميراي عون الهاشم أكثر شجاعة من إيفانكا التي فضلت عدم رسم تساؤلات حول دورها وعدم وضع الإصبع على الجرح أكثر بعد التظاهرات التي عمّت شوارع أميركا، معلنة عدم نيتها أن تكرس إدارة والدها للبلاد إدارة عائلية، فإذ بميراي عون تتفوق على ابنة الرئيس الأميركي بنقطتين أساسيتين الأولى «أن فكرة كسب ثقة الوالد لابنته ليس محرجاً بل هو قيمة مضافة للمجتمع بعدما اعتاد الناس على تقبّل فكرة كسب الوالد النافذ ثقة الابن لا بل انتظار ولادة الابن ليرث هذا النفوذ بدلاً من الاعتماد على ابنة مثابرة».

ثانياً، لا شك في أن ميراي عون تدرك ان انتقادات كبرى تحوم حول توليها، إضافة لأشخاص آخرين من عائلتها مهمات رسمية، لكنها ترفض بالوقت عينه التفريط بجهد أو عمل تراكمي، بحجة ما تسببه القرابة، واذا كانت هي احد اعضاء التيار الوطني الحر الأقوياء، فإن لها الحق بالتواجد بجانب الزعيم عملياً.

ميراي عون المستشار الأول لرئيس الجمهورية اللبنانية هي في كل الأحوال إضافة للمرأة اللبنانية، مهما كانت اسباب هذا التعيين ليبقى «العمل» وحده أساساً للحكم على دور ومهمة ميراي عون ونجاحها، واذا كانت ايفانكا قررت العمل «بالظل»، فإن في لبنان مَن قرّرت العمل «بالعلن» والدخول من العمل الحزبي للسياسي الرسمي ومن «الباب العريض».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى