سجال عون وبري حول التمديد والتعطيل تأكيد متبادل للمواقف «بروح رياضية» العقد الحكومية لا تفسّر التأخير والبحث عن قطبة مخفية تعرقل الولادة
كتب المحرّر السياسي
تتزاحم اللقاءات والمبادرات السياسية مع المواجهات العسكرية في سورية واليمن، من دون أن يتضح تغلّب أحد المسارين بعد أو تكاملهما في التحضير لمشهد جديد، يبدو متوقفاً في اليمن على تأقلم منصور هادي والفريق العامل تحت ظلال الطيران السعودي مع معادلات نهاية الحرب من جهة، ويبدو متوقفاً في سورية على تطورات عسكرية مترقبة في حلب لا يمكن توقع تقدّم التفاهم الروسي الأميركي قبل حدوثها.
الأسبوع الفاصل عن نهاية الشهر يبدو حاسماً في اليمن، كما في سورية، والأسبوع الفاصل عن نهاية الشهر حاسم لبنانياً، فتعسّر ولادة الحكومة الجديدة، إذا تخطّى موعد عيد الاستقلال، يكون التأخير تقنياً، وإذا بلغ نهاية الشهر صار سياسياً، خصوصاً أنّ كلّ المؤشرات تتحدّث كما المصادر المقرّبة من صنّاع القرار في التشكيلة الحكومية عن تذليل العقد الرئيسية وتبشر بولادة سريعة، فيما لا تفسّر العقد التي يجري الحديث عنها التأخير الحاصل، بينما يجري نفي العودة إلى صيغة الثلاثين مرة وعدم استبعادها مرة أخرى، ويوضع سجال رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، حول التمديد للمجلس النيابي وتعطيل نصاب انتخاب رئيس الجمهورية في خانة تثبيت المواقف بروح رياضية، ويوصف تأكيد كتلة الوفاء للمقاومة على ضرورة أن تتسع الحكومة لجميع المكوّنات كموقف مبدئي ثابت، تقول مصادر متابعة إنّ ثمة خلافاً لا يزال قائماً حول وظيفة الحكومة وتعبير التشكيلة عن هذه الوظيفة، بين حكومة التفاهمات ومعها حلفاء الحلفاء، والقوى التي لا يمكن الإقلاع بدونها، وبين حكومة الجميع التي لا تستثني أحداً، وبين حكومة تسعى لقانون جديد للانتخابات أساسه النسبية وحكومة تواجه الاستحقاق الانتخابي بكلّ الاحتمالات بما فيها التعسّر والتعثر للعودة المرغوبة لقانون الستين، والقطبة المخفية يكشفها التشكيل السريع وصيغة التشكيلة، أو التعثر والتعسّر حتى تتشابه التشكيلة مع المهمة الموصوفة. والسؤال البديهي هل هناك منتصر في لبنان من ضمن حلف يُهزَم في المنطقة، ومهزوم في لبنان من ضمن حلف ينتصر في المنطقة؟
الحكومة بانتظار إسقاط الأسماء
رغم تسارع وتيرة المشاورات لإخراج الصيغة النهائية للحكومة العتيدة من كواليس التفاوض الى العلن غير أن لا معطيات واضحة تؤذن بصعود الدخان الأبيض من القصر الجمهوري اليوم، ما يضع المعنيين بالتأليف في سباقٍ محموم مع الوقت الفاصل عن موعد عيد الاستقلال الذي سيكون مشهد الدولة فيه فاقد النصاب إن جلس رئيسان للحكومة الى جانب رئيس الجمهورية إضافة الى رئيس المجلس النيابي في احتفال ساحة الشهداء. أما القلق الذي بات يعبر عنه بعض السياسيين في الغرف المغلقة هو أن يؤدي تأخير ولادة الحكومة الى انتكاسة للعهد الجديد.
وإن كانت السجالات المفاجئة التي دارت بين الرئيسين ميشال عون الذي زار الصرح البطريركي أمس ونبيه بري من جهة، وبين البطريرك مار بشارة بطرس الراعي ونائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى المفتي عبد الأمير قبلان من جهة ثانية لن تعيق مسار التأليف، فإن بورصة الحقائب والأسماء لم تلحظ تبدلاً بين أمس وقبله بعد أن حلت عقدة «القوات اللبنانية» وحُسمت مشاركة تيار المردة بحقيبة أساسية بانتظار بعض «الرتوش» في بعض الحقائب وعملية إسقاط الأسماء عليها وسط ترجيحات مصادر مواكبة لعملية التأليف أن تعلن التشكيلة النهائية خلال أيام قليلة.
وتؤكد مصادر نيابية في تيار المستقبل لـ«البناء» أن «مفاوضات تشكيل الحكومة أصبحت في خواتيمها والرئيس سعد الحريري يتجه للإعلان عن الصيغة النهائية قبل عيد الاستقلال، وقد يزور اليوم رئيس الجمهورية لإطلاعه عليها»، مشددة على أن «لا مشكلة في حصة المستقبل التي حسمت معظمها ومن ضمنها وزارة لعكار على الأرجح أن يتولاها النائب معين المرعبي».
وقالت مصادر في تكتل التغيير والإصلاح لـ«البناء» إن «المشاورات مستمرة على صعيد تشكيل الحكومة وبحاجة الى مزيدٍ من التشاور وقد حصرت العقد ببعض الحقائب والأسماء ويجري العمل على تذليلها بأسرع وقت»، وأوضحت أن «رئيس الجمهورية لا يفضّل التسرّع بتشكيل الحكومة وحتى لو تعدّى وقت إعلانها عيد الاستقلال، لأنه يفضل إنضاج حكومة الوحدة الوطنية بطريقة رشيدة وأن تضمن انطلاقة العهد بشكلٍ سليم على صعيد التوزيع العادل والمرن وعلى صعيد الأسماء التي يجب أن تكون مقبولة وليس تكراراً لسيناريو التعطيل والشلل والمناكفات والسجالات التي اتسمت بها الحكومات السابقة».
ولفتت الى أن «طرح الـ 24 وزيراً مازال قائماً ويبدو أن الأمر استقر على هذه الصيغة»، موضحة أن «زيارة الرئيس الحريري الى بعبدا أمس الأول تشاورية ولاطلاع الرئيس عون على الصيغ التي أعدّها الرئيس المكلف ولا تعني ولادة الحكومة اليوم أو خلال يومين»، لافتة الى أن «كل الاحتمالات واردة». ورأت المصادر نفسها أن «زيارة عون الى بكركي ذات أهمية كبيرة وتعكس بداية علاقة جيدة بين رئيس الجمهورية والكنيسة وما صدر من مواقف عن عون أو الراعي ليست موجهة الى أحد ولا تستهدف أي طرف بل كلام يطمئن جميع اللبنانيين لا سيما لجهة إقرار قانون الانتخاب وبعض الإصلاحات في الدولة».
وقالت أوساط عونية لـ«البناء» إن «السجالات التي تترافق مع تشكيل الحكومة هدفها الضغط وتحريك العنصر الطائفي لتحسين الشروط، لكن مسار التأليف مستمر ويأخذ مجراه والحكومة ستشكل وإن أخذت بعض الوقت، لكن في النهاية ستبصر النور قبل عيد الاستقلال، لأن انتخاب رئيس للجمهورية أحدث صدمة إيجابية في البلد ومفعوله يفترض تشكيل الحكومة وبتوافق الرؤساء الثلاثة قبل الاستقلال لإعطاء زخم للعهد وانطلاقة قوية».
وأضافت: «لذلك لا مصلحة لا لرئيس الجمهورية ولا للرئيس المكلف بتأجيلها إعلان الحكومة الى ما بعد الاستقلال، خصوصاً أن المعطيات والمبادئ التي تعتمد للتشكيل الآن لن تختلف بعد أسبوع». كما أوضحت أن وجود تفاهم بين القوات والتيار حول المشاركة في الحكومة لا يعني تقاسم الحقائب كماً ونوعاً بينهما بالتساوي، لوجود فرق كبير في حجم الكتلتين.
وإذ تؤكد المصادر أن لا صيغة نهائية للحكومة حتى الآن، أشارت الى أن «هناك أكثر من صيغة شبه نهائية تتبدّل فيها بعض الحقائب والأسماء أكثر من مرة في النهار الواحد»، لكنها أكدت أن «وزارات العدل والإعلام والسياحة قد حسمت للقوات إضافة الى نائب رئيس الحكومة لكن طرأت أمس عملية تبديل بين العدل والاتصالات التي أصرت عليها القوات لكن كل ذلك لن يعطل إنجاز التأليف»، مشيرة الى أن حصة المردة ستكون من حصة الثنائي الشيعي أمل وحزب الله وليس من حصة التيار. بينما أشارت مصادر في المردة لـ«البناء» أن المردة وافقت على حقيبة الأشغال العامة والنقل بعد أن رفضت حقيبة الصحة التي يتمسك بها رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط، وأكدت أن المردة لم تحسم اسم الوزير الذي سيتولى حقيبة الأشغال.
ودعت كتلة الوفاء للمقاومة خلال اجتماعها الاسبوعي الى الإسراع في تأليف حكومة الوحدة الوطنية الجامعة، وأملت من القوى السياسية الوازنة في البلاد أن تترجم حرصها على الشراكة في توسيع قاعدة التمثيل في الحكومة.
عون في بكركي
وفي زيارة بروتوكولية توجّه الرئيس ميشال عون أمس، الى الصرح البطريركي حيث اجتمع مع البطريرك الراعي، الذي توجّه الى عون بالقول: «ندعو الى إقرار قانون جديد للانتخابات يكون حافزاً لمشاركة كل فئات الشعب في هذا الواجب الوطني، ويؤمن المناصفة التي نص عليها اتفاق الطائف». ورأى أن «من أولى الأولويات أن يوفق رئيس الحكومة المكلف بالتعاون مع فخامتكم في تأليف مجلس الوزراء الجامع، بروح المشاركة الشاملة لا المحاصصة»، معتبراً أن «لا يجوز في أي حال استبدال «سلة الشروط» بصيغ التشبث بحقائب وباستخدام «الفيتو» من فريق ضد آخر. وهذا أمر مخالف للدستور ووثيقة الوفاق الوطني، ويدخل أعرافاً تشرّع الباب أمام آخرين للمبادلة بالمثل، وتعرقل مسيرة قيام دولة الحق والقانون».
واعتبر عون «أن جميع مؤسساتنا أصيبت بالوهن، بسبب التمديد المتمادي لمجلس النواب، والعجز الذي وقعت فيه السلطة. وأكثر ما يؤلم وطننا في هذه المرحلة هو الفساد المستشري الذي سدّ شرايين الدولة وجعلها في حالة عجز دائم. والسبب الأساسي هو الانحطاط الذي ضرب المجتمع، فأصبحت كل مرتكزات الحكم خارج نطاق الكفاءة والأخلاق. وكل عمل سلطوي لا يحترم بمعاييره القوانين والأخلاق يصبح جريمة، لأنه يسبب الأذى للأفراد وللمجتمع».
..وردّ من بري
مواقف الرئيس عون استدعت رداً من رئيس المجلس النيابي في بيان قال فيه: «فعلاً التمديد سيئ والمؤسسات أصيبت بالوهن، كما قال فخامة الرئيس، ولكن تعطيل انتخاب الرئيس كان أسوأ على المؤسسات، بما في ذلك المجلس النيابي».
..وردّ على الراعي
في غضون ذلك، رد المفتي قبلان بشكلٍ لافت على البطريرك الراعي من دون أن يسمّيه، ولفت في بيان أصدره الى أن «المسلمين الشيعة كانوا وما زالوا أكثر حرصاً على إقامة دولة العدالة والمساواة، وهم قدموا التضحيات والتنازلات لإنجاز الاستحقاقات الدستورية وتحقيق الاستقرار السياسي»، مضيفاً: «على مر التاريخ كان الشيعة مقهورين ومظلومين ومحرومين حتى حق الدفاع عن مناطقهم، ولم نسمع مثل هذا الكلام الذي نسمعه اليوم، لأننا نطالب بشيء هو مشاركة حقيقية في السلطة. نعم، إنه حق من حقوقنا، وعند إلغاء الطائفية السياسية تروننا الأولين. ونحن لم نألُ جهداً ولم نوفر فرصة لتحقيق الشراكة الحقيقية بين المكونات السياسية والطائفية، ليظل لبنان الوطن النهائي الجامع لكل بنيه».
وأوضح مصدر قيادي في التيار الوطني الحر لـ«البناء» أن «كلاً من رئيسَي الجمهورية والمجلس النيابي مصرّ على قراءته ورؤيته للمجلس النيابي الحالي»، موضحة أن «الرئيس عون ينطلق من حديثه عن التمديد للمجلس النيابي بوجود فرق بين التمديد للمجلس الحالي وبين عدم إجراء انتخابات رئاسية التي لا تخضع لآلية مقيدة بزمن بل مرتبطة بتوفر النصاب وفق الدستور الذي افترض عدم حضور النائب الجلسة إذا رأى أن موازين النصاب في غير مصلحته، بينما الانتخابات النيابية استحقاق مقدس له مواقيته وهو ملك للشعب ليس ملكاً لمصالح النواب». وأكد المصدر أن «السجالات بين الرئيسين عون وبري لن تؤثر على إيجابية العلاقة بينهما ولا على عملية تشكيل الحكومة، الرئيس عون شرح في كلمته في بكركي الأسباب التي أدت الى انسداد شرايين الدولة والمؤسسات»، مضيفاً: «أما بيان المفتي قبلان فهو رد طبيعي وتداعياته محصورة ولن تأخذ الأبعاد الطائفية».