هل توجّه أميركا ضربة عسكرية لطهران؟
أسامة العرب
إذا أردنا أن نفهم حقيقة التحوّلات الدولية الجارية في أميركا وبعض مراكز القرار في العالم، علينا أن نعود إلى تصريح وزارة الحرب الإسرائيلية عشيّة توقيع الاتفاق النووي بين القوى العظمى وإيران، حيث قارنت الوزارة تلك الاتفاقية «باتفاقية ميونيخ مع الزعيم النازي ادولف هتلر»، رداً على خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي أثنى على الاتفاق النووي مع إيران، والذي عقده آنذاك في البنتاغون في مقرّ وزارة الدفاع مع كبار القادة العسكريين.
حيث قالت الوزارة الإسرائيلية في بيان لها «اتفاقية ميونيخ لم تمنع الحرب العالمية الثانية والهولوكوست، وتحديداً فإنّ تمكين ألمانيا النازية من أن تكون بالأساس شريكاً بذلك الاتفاق كان خطأً تاريخياً فادحاً»، وتابعت: «هذه الأشياء تطبّق أيضاً على إيران التي تعلن علناً وبوضوح أنّ هدفها هو تدمير إسرائيل، فضلاً عنّ أن تقرير وزارة الخارجية الأميركية يؤكّد بأنها راعية عالمية للإرهاب».
أما اليوم، فإنّ افتتاحية «على إيران أن تستعدّ للأسوأ» والتي نشرتها صحيفة «التايمز» البريطانية كافية للتعبير عن عنوان المرحلة المقبلة، حيث توقّعت الصحيفة أن تقلب إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب الشرق الأوسط رأساً على عقب.
وعموماً فإنّ هنالك أحداثاً ووقائع عديدة تجمّعت في الأيام الماضية تستحق التوقف أمامها: أولها افتتاح قاعدة عسكرية بريطانية جديدة في البحرين التي تتشارك في حدود بحرية مع إيران، وثانيها الاتهام الذي وجّه إلى إيران من قبل مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا أمانو بأنّ معامل المياه الثقيلة بمنشآتها النووية تجاوزت المعايير المقبولة من جانب الغرب، وثالثها الأحاديث المستفيضة لترامب التي أعرب فيها أنّ «أولويته» ستكون تمزيق الاتفاق النووي الإيراني، ورابعها الأصوات العديدة التي خرجت من واشنطن لتؤكد بأنه لا مانع من الانسحاب من الاتفاق النووي، انطلاقاً من أنّ هذا الاتفاق غير ملزم قانونياً للولايات المتحدة، وخامسها الدعوة التي وجّهها ترامب مؤخراً إلى رئيسة الوزراء البريطانية لزيارة واشنطن في أقرب وقت ممكن، بهدف التباحث بشأن «القاعدة البريطانية البحرينية».
بالإضافة إلى مجموعة وقائع أخرى تؤشر إلى أنّ ثمة ترتيباً ما حيال إيران يحدث في مطابخ الغرب، وقد ذكر تقرير إسرائيلي حديث أنّ أول عمل عسكري سيقوم به الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، هو الهجوم على إيران وقصف مفاعلاتها النووية وقواعد صواريخها البالستية المثيرة للجدل. فيما رجّح موقع «ديبكا» الأمني الإسرائيلي، في تقرير صادر عنه الأحد الماضي، أنّ أهمّ هدف لترامب هو قصف المفاعلات النووية الإيرانية، لا سيما مفاعل «أراك» الذي يعمل بالماء الثقيل، فيما هدفه الثاني هو قصف القواعد العسكرية للصواريخ الباليستية الإيرانية. أما السناتور الأميركي توم كاتن، فقد كشف عن سياسة جديدة سينتهجها كلّ من الرئيس المنتخب دونالد ترمب والكونغرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون حيال إيران. وناهيك عن تجديد العقوبات المالية المفروضة على إيران، فقال كاتان إنّ قضايا كتجاوز إيران للحدّ المسموح به لإنتاج الماء الثقيل خلافاً للمتفق عليه وفق الاتفاق النووي، وتطوير غير قانوني للصواريخ الباليستية واحتجاز الرهائن واعتداءات على دول شرق أوسطيّة أظهرت أنّ هذا النظام كسب امتيازات خاصة بسبب ضعف أوباما. فيما أكدت وزارة الخارجية الأميركية الخميس الماضي، أنه ليس هنالك ما يمنع الولايات المتحدة من الانسحاب من الاتفاق الذي أبرم في 2015 مع إيران بشأن برنامجها النووي إذا ما أراد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب ذلك. إذ قال المتحدث باسم الوزارة مارك تونر إنه وإذ نحرص على عدم التكهّن «بما ستفعله الإدارة المقبلة» برئاسة ترامب الذي سيتولى مهامه الرئاسية في 20 كانون الثاني، فإنّ «أيّ طرف يمكنه الانسحاب» من الاتفاق الذي أبرمته الدول العظمى وإيران العام الماضي لضمان عدم حيازة طهران السلاح الذري. ومن جهتها، تتبنّى «إسرائيل» موقفاً محرّضاً لفكرة التخلص من المشروع النووى الإيراني من خلال توجيه ضربة عسكرية موجعة له، طالبةً بألا يتجاوز هذا الهجوم في مراحله الأولى سوى قصف المنشآت النووية الإيرانية. هذا وقد أعرب الموساد عن وجود خطط «إسرائيلية» عديدة لشنّ هجوم عسكري ضدّ المراكز النووية الإيرانية.
وإذا ما عدنا بالذاكرة إلى الوراء لوجدنا أنّ أميركا لم توقّع برضاها على الاتفاق النووي مع إيران، وإنما كانت مُرغمة على ذلك، حيث نُشرت تسريبات عن خطابات هيلاري كلينتون المدفوعة الأجر والمقدّمة لمؤسسة غولدمان ساكس «الأيباكيَّة»، صرّحت فيها بأن «إسرائيل لا تمتلك القدرة على تدمير المشروع النووي الإيراني»، وتابعت «لم تكن الحكومات الأميركية السابقة قادرة على تدمير المنشآت النووية كليّاً، ولكن الآن لدينا سلاح قوي للغاية». وأضافت «إذا لم تكن لدينا القدرة على إصابة الغطاء الصلب لهذه المفاعلات، حيث توجد أجهزة الطرد المركزية لا يمكننا تدميرها. لذلك، ينبغي أن يكون لدينا سلاح قوي وموجّه بدقة كبيرة».
وأخيراً، فمن السذاجة التوقّع بأنّ أميركا و«إسرائيل» ستسمحان لإيران مستقبلاً بامتلاك أيّ مشروع نووي سلمي، جلّ ما في الأمر، أنهم كانوا يؤخرون البرنامج النووي الإيراني ريثما يطوّرون أسلحتهم لتدمير المفاعلات والمنشآت النووية بالكامل، لا سيما أنّ هيلاري قالت أيضاً: «الإسرائيليون بحثوا معنا بشكل وثيق، ولسنوات عديدة هذا الأمر، فيما كان تقدير الإسرائيليين بأننا لو ضربنا معاً منشآت إيران النووية في السابق لما كنا استطعنا إلا أن نؤخّر برنامجهم لبضع سنوات فقط، وإن كان هذا الأمر يستحق المخاطرة، ومهما كانت ردود فعلهم، فهي قابلة للامتصاص«، وعلى ما يبدو، فإنّ التسلح النووي، والاستثمار في الطاقة، والدفاع عن النفس أمرٌ ممنوع على كلّ دول الشرق الأوسط في ما عدا «إسرائيل»، لأنه في القاموس الامبراطوري الأميركي للسياسة الدولية، يجوز لـ«إسرائيل» ما لا يجوز لغيرها، وبحيث أصبح حق الدفاع عن النفس حكراً على «إسرائيل» فقط. ألا تثير هذه الظاهرة، على الأقلّ، الدهشة والاستغراب؟ وفي رد فعل بنّاء، طالب بعض الإيرانيين على لسان حسين شريعتمداري، مندوب المرشد الأعلى علي خامنئي في مؤسسة «كيهان» الإعلامية، إلى تمزيق الاتفاق النووي، لأنه لم يؤدِّ إلى رفع العقوبات عن إيران، حسب تعبيرهم، حيث قال شريعتمداري في مقال له: «نحن نؤيد تمزيق وحرق هذا الاتفاق»، معتبراً أنّ الاتفاق أدّى إلى تقديم تنازلات كبيرة للغرب وفرض قيود غير محدودة على برامج إيران التسليحية.
ويتّضح من ذلك، أنّ الإرادة الدولية التي يجب أن تكون مقياساً للحق، تحوّلت شيئاً فشيئاً إلى ما تمليه «إسرائيل» على الحكام الأميركيين، وما يلتزم به هؤلاء للوصول إلى سدّة الرئاسة. وفي نظر هذه الإرادة الظالمة فإنّ «إسرائيل» هي حمامة السلام فيما الفلسطينيون هم «إرهابيون» يجب أن يُعدَموا، وبنظرها أيضاً فإنّ السلاح النووي الإسرائيلي سلمي بينما النووي السلمي الإيراني خطر يُهدّد السلم والأمن الدوليين، وبنظرها فإنّ احتلال فلسطين ومزارع شبعا وهضبة الجولان «أمر طبيعي»، فيما العمل المقاوم له جريمة خطيرة لا بدّ من أن تُسحق. ولهذا، فلا غرو بأنّ المقاومة هي الحلّ الوحيد للمحافظة على حقوقنا ولعدم قلب المقاييس التي يقلبونها بما يناسب مصالحهم، وها هي التجربة أثبتت بأنه لا حرية ولا انتصار إلا لمن يقاوم المحتلّ. فهلمّ نقاوم المحتلّ ونمزّق مقاييسه المزيّفة!