أيّ كلفة للتأخر في اتخاذ القرارات الحاسمة ضدّ الإرهاب؟
نور الدين الجمال
التدابير التي اتخذها الجيش اللبناني في جرود عرسال تعزّز قبضته في مجابهة العصابات التكفيرية المسؤولة عن خطف العسكريين اللبنانيين وتنهي حالة الانتظار السلبي التي فرضها خطأ كبير ناتج من تقدير سياسي مغلوط تورطت فيه الحكومة عندما قبلت بالوساطات من دون تشديد إجراءات الحصار على المسلحين الذين احتلوا عرسال بما سمح لهم بخطف العسكريين والهرب إلى الجرود ومباشرة التحكم بأعصاب اللبنانيين وأهالي الجنود المختطفين تحت سيف الذبح الذي طاول حتى الآن اثنين منهم، ومن الواضح تماماً أن القيادة العسكرية كثفت إجراءات وخطوات ميدانية ستمكنها لاحقاً من توجيه رسائل قاسية ومؤلمة للعصابات الإرهابية التي تهدد لبنان في جرود السلسلة الشرقية.
القرار السياسي بمنع التواصل مع الجيش العربي السوري من قبل الجيش اللبناني، يحرم المؤسسة العسكرية من فرص التنسيق المعلوماتي والميداني مع سورية التي تتخذ من جانبها مزيداً من الخطوات لشد الخناق من الناحية السورية على العصابات الإرهابية الموجودة في السلسلة الشرقية والتي ستواجه ظروفاً طبيعية قاسية في موسم الثلوج في الأشهر المقبلة، وقد تندفع في ضوء ذلك مجدداً نحو عرسال. وفي هذا السياق يطرح بعض الخبراء العسكريين احتمالاً جدياً بانتقال مجموعات من الإرهابيين باتجاه البقاع الغربي وحاصبيا لملاقاة مجموعات أخرى تتسلل بصورة يومية من منطقة الجولان السوري المحتل إلى تلال شبعا والعرقوب.
ترى مصادر سياسية أن خطر استهداف منطقة شبعا والعرقوب وحاصبيا وربما راشيا هو خطر جدي يستدعي من الحكومة وقيادة الجيش التنبه إلى ما تحضره «إسرائيل» بالشراكة مع الجماعات الإرهابية التي تدعمها علناً في القتال ضد الجيش العربي السوري، ولا ينبغي أن تستدرج قيادة الجيش ولا الحكومة إلى حصر الاهتمام في قضية العسكريين المختطفين التي تتقدم الأولويات وهذا صحيح، ولكن يتطلب الأمر القيام بأعمال وقائية سياسية وأمنية، لأن مشروع الشريط الحدودي «الإسرائيلي» ليس محصوراً بالجغرافيا السورية، والعلاقة بين الكيان الصهيوني والمجموعات الإرهابية توفر له فرصة للتدخل من جديد في لبنان بواسطة هذه العصابات، وهو ما لا يمكن أن يواجه كقضية العسكريين المخطوفين بأسلوب الانتظار والمياومة السلبية، بحيث يبقى زمام المبادرة بيد تلك العصابات.
ما قامت به فاعليات شبعا والعرقوب وما يقوم به النائب وليد جنبلاط والنائب طلال أرسلان من عمل سياسي وتعبوي على الأرض لمحاصرة المخاطر يوفران فرصة لتحصين المناطق المستهدفة ضد الاختراقات الإرهابية المحتملة في هذه المناطق المهددة، ولكن لم تتضافر جميع الجهود التي يمكن استنفارها للتحسّب في احتمال وارد وخطير جداً حتى الآن، وهذا يستدعي جهداً استثنائياً من جميع القوى السياسية في البقاع الغربي وحاصبيا ومرجعيون، فـ»إسرائيل» تراهن على استنزاف طويل للبنان وسورية معاً من خلال مشروع شريطها الذي تحاول إنشاءه في جغرافيا الجهة الشمالية من مثلث الحدود الأردنية مع سورية وصولاً إلى القطاع الشرقي في لبنان.
ومن غير التعبئة السياسية والإعلامية الواسعة للناس في مجابهة الإرهاب الذي يطل بصفته أداة عميلة للكيان الصهيوني لا يمكن توفير الشروط المطلوبة لاحتضان أي عمل عسكري سيقدم عليه الجيش اللبناني لإحباط هذا المخطط الجهنمي الذي يستخدم التحريض الطائفي والمذهبي لإقامة مساحة جديدة للنفوذ الصهيوني ضد الأراضي اللبنانية والذي طرد منها الاحتلال منذ عام 2000.
تقول مصادر سياسية واسعة الاطلاع إن لبنان سيدفع غالباً كلفة الانتظار والتأخر في اتخاذ القرارات المطلوبة والحاسمة في التصدي للجماعات الإرهابية والتكفيرية حيثما وجدت، لأن نجاحها في تكوين أية بؤرة على أرض لبنان سيؤسّس لها قاعدة انطلاق تحشد إليها خلاياها العاملة والنائمة معاً.