لِمَ تراجع أوباما عن توجيه المزيد من الضربات لـ«داعش»؟!
بعد الكثير من الأخذ والردّ بشأن ضرب «داعش» في سورية، جمّد الرئيس أوباما هذه الفكرة، مخيّباً في ذلك آمال الكثيرين ممّن أرادوا منه توسيع رقعة الحرب.
وبعد أكثر من أسبوع من المحادثات حول «استئصال السرطان الداعشي»، قال الرئيس أوباما الخميس الماضي 4 أيلول ، إنّه لا يخطّط لتوسيع الحرب ضدّ حركة المتطرّفين الإسلاميين في وقت قريب.
جاءت ملاحظاته هذه بعد أيام من النقاشات الحامية داخل أروقة مكتب الأمن القومي: «أين وكيف سيُضرب داعش في سورية؟»، لكن هذه المداولات ـ التي تضمنت تقديرات استخباراتية ضعيفة حول حلفاء أميركا المحتلين في سورية ـ فشلت في إنتاج إجماع على مخطط المعركة. وأوباما الذي كان متردّداً في التورط في مستنقع الصراع السوري، قال الخميس الفائت للخبراء: «لا نمتلك إلى الآن مخططاً استراتيجياً لمواجهة داعش على مستوى المنطقة».
خابت آمال كلّ أولئك الدّاعين إلى ملاحقة «داعش» في العراق وسورية، في إدارة أوباما، فهم يرثون لحال رئيسهم وعدم قدرته على استئصال جذور هذا التهديد الذي وُصف قبل أيام قليلة بـ«المروّع».
عمل كبار الاستراتيجيين في الحكومة الأميركية طوال الأسبوعين الماضيين على جمع معطيات كثيرة للرئيس بخصوص ضرب «داعش» في سورية. وكان هناك إيمان متجذّر بين الكثيرين منهم ـ خصوصاً في الدوائر العسكرية ـ بأنه يمكن النيل من التهديد «الداعشي» وبطريقة متكاملة، وصرّح أحد الرسميين الإدراريين ممّن يعملون على ملف الشرق الأوسط: «سيقود هذا المؤتمر الصحافي إلى شكوك أكبر لأولئك الذين اعتقدوا أن البيت الأبيض كان جاهزاً لتوجيه ضربة قوية لداعش في المنطقة».
ترأس أوباما بعد ظهر ذلك الخميس اجتماعاً لمجلس الأمن القومي، وكبار أعضاء الحكومة وموظفي الأمن القومي. وجاء هذا الاجتماع تتويجاً لأسبوع طويل من المحادثات المكثّفة شملت سلسلة من اللقاءات على مستويات عدّة لإقناع أوباما بضرورة توجيه ضربة ضدّ داعش» في سورية والعراق على حدّ سواء. لكن بدا أن الرئيس كان قد اتخذ قراراً حتى قبل أن يبدأ ذلك الاجتماع.
قال الرئيس إنه على رغم أنه أمر باتّباع خيارات عدّة لتوجيه ضربة قاضية لـ«داعش» في سورية، غير أن أولويات الإدارة كانت تحدّد الخيارات الأقلّ خطورة في العراق. وعلى سورية الانتظار. كما قال أنه سيرسل وزير الخارجية جون كيري إلى المنطقة نظراً إلى «عدم امتلاكنا استراتيجية إلى الآن قادرة على مواجهة داعش في المنطقة».
سيكون لقرار أوباما عدم المواجهة مع «داعش» تداعيات سلبية لدى عدد ممن يعملون خارج إدارته. فقد رفعت الإدارة مستوى توقعاتها لناحية تغيير سياستها للسنوات الثلاث المقبلة بشأن اجتناب التدخل في سورية، قبل أن يدحض أوباما كلّ هذه التوقعات بعد ظهر ذلك الخميس.
يقول مسؤول سابق في البنتاغون وخدم في العراق: «على المرء أن يفكر في الإشارة التي ترسلها الإدارة الأميركية إلى داعش مستخدمةً عبارات قاسية من ناحية، ثم تناقض تصريحات المسؤولين الرسميين من ناحية أخرى… إنها ليست فقط تحطيماً لمعنويات من يريدون إيقاف داعش، فالأخطر من ذلك، اعتقاد داعش أنه قد يفلت من العقاب إذا لم يُجابَه بالقوة. كلّ قائد في داعش ينتظر هذا القرار».
هناك انقسامات عمودية على مستوى المداولات في الإدارة الأميركية بشأن سورية. مجموعة من المسؤولين دعت إلى إقامة حملة تقضي على كل مكوّنات «داعش» من خلال ضرب أهدافه كافة في سورية والعراق. وقد اقترحت هذه المجموعة استهداف مركز التنظيم قرب حلب، وذلك بالتنسيق مع بعض الأطراف المعتدلة من «الثوار السوريين»، كما أنها أصرّت على ضرورة اتخاذ قرار يقضي بضرب مراكز «داعش» العسكرية، وبينته التحتية، وقدراتهم
المالية. حتى أن أنابيب النفط كانت مدرجة على جدول الأهداف هذا.
مجموعة أخرى من الخبراء اقترحت مقاربة أكثر حذراً، من تلك السابقة، تقضي بعدم طلب المساعدة من «الجيش السوري الحرّ»، والتركيز بدلاً من ذلك على ضرب أهداف «داعش» داخل سورية وعلى الحدود مع العراق، بهدف قطع خطوط الإمدادات عن الداخل العراقي.
هناك تساؤلات كثيرة مطروحة من قبل أجهزة الاستخبارات الأميركية حول مدى قدرة «الجيش السوري الحرّ» الذي كان يقاتل «داعش» بإمدادات عسكرية محدودة، أن يكون شريكاً يُعتمد عليه في تنفيذ هذه المهمة داخل سورية.
يقول مسؤول استخباراتي بارز إنّ التقديرات الرسمية من مكتب مدير الاستخبارات الوطنية لمكافحة العمل مع «الجيش السوري الحرّ»: «لا تمتلك أجهزة الاستخبارات الدولية دراسات جادّة بشأن العمل مع الجيش السوري الحرّ إلى الآن، لا أعتقد أنّنا نستطيع أن نعمل اليوم مع هؤلاء».
وكان لدى اثنين من المسؤولين في الإدارة رأي مخالف، عُبّر عنه داخل أجهزة الاستخبارات، بالقول إنّ هناك مجموعات مسلّحة كثيرة معارِضة قد تكون شريكة فعّالة للمساعدة في أيّ مهمة عسكرية ضدّ «داعش» في سورية. فالقوى الغربية تدعم بعض ألوية «الجيش السوري الحرّ» في شمال سورية وجنوبها، لكن عندما يبدأ القتال ضدّ «داعش» فستصل الإمدادات حتماً إلى هذا التنظيم الخطِر.
إن هاجس الإدارة الأميركية وتردّدها في دعم «الجيش السوري الحرّ» ينبعان من تاريخ مشاركة هؤلاء في القتال إلى جانب ألوية «النصرة» و«القاعدة» هناك. وكان أوباما نفسه قد صرّح في حديث للصحافي طوم فريمان في صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية هذا الشهر أن تسليح الغرب المعارضة السورية لم يؤدّ إلى أيّ نتيجة تُذكر، وأن فكرة تخلّص القوات الثورية من نظام الأسد كانت مجرّد أضغاث أحلام.
«يمكننا العمل مع بعض المقاتلين من الجيش السوري الحرّ»، صرّح العضو الجمهوري مايك روجرز لموقع «دايلي بيست». لكن روجرز حذّر: «إنّ الأمور أصبحت أصعب وأكثر تعقيداً. فقد كانت لدينا خيارات أفضل خلال السنوات الثلاث الماضية، قلّت نسبتها في السنتين الأخيرتين، لتصبح شبه مستحيلة الآن…، لا تملك الولايات المتحدة استخبارات كافية لضرب أهداف داعش داخل سورية، والتي ستتضمن السيطرة على الخطوط والإمدادات الداعشية».
ويضيف: «إنها عملية معقدة، أعتقد أننا نمتلك رؤية جيدة حيال التحرّك الذكي ونحتاج إلى المزيد، لكنها ليست كاملة. فليس لدينا خريطة شاملة للمكان. هناك أهداف يمكننا التحرّك ضدّها. هم يتصرّفون كجيش حقيقي لديه بنية عسكرية. وعندما يحدث ذلك، يمكننا وضع حزمة أهداف ذات تأثير جيد».
تحدّث مسؤولون رسميون كثيرون علناً حول الضربة العسكرية على سورية منذ نشر فيديو واقعة قطع رأس الصحافي الأميركي جايمس فولي. وفي 21 آب، قال وزير الدفاع الأميركي تشاك هاغل إنّ «داعش» يشكّل تهديداً وشيكاً لمصالح الولايات المتحدة، وما لبث رئيس هيئة الأركان المشتركة مارتن ديمبسي أن صرّح أنه على أميركا الاستعداد لمواجهة «داعش» في سورية.
ويقول ديمبسي: «هذه المنظمة الإرهابية الداعشية التي تمتلك رؤيا استراتيجية ترويعية، ستُهزم حتماً في النهاية، لكن هل يمكن أن تُهزم من دون استهداف الجزء المتواجد في سورية؟ الجواب هو: لا». ولم يلبث ديمبسي أن تراجع في اليوم التالي عن تصريحاته، لكن نائب مستشار الأمن القومي بن رودس قال إنّ قتل الصحافي فولي من قبل «داعش» يشكّل هجمةً إرهابية على الولايات المتحدة ووعد بالردّ والانتقام.
وأضاف رودس في 22 آب: «إذا أردت النيل من الأميركيين، فالأميركيون هم من سينالون منك أينما كنت…، ونحن ندرس كيفية التعاطي مع هذا التهديد، ولن يقتصر هذا على السيطرة على الحدود».
لكن لهجة أوباما بدت مختلفة الخميس الماضي عندما سُئل عن مدى إمكانية توسيع ضربته لـ«داعش»، في سورية، الذي يمتلك هناك الغالبية العظمى من موارده البشرية ومعدّاته العسكرية… قال: «الأولوية لديّ في هذه المرحلة التأكد من سيطرتنا على تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام ـ ISIL»، ومن الواضح هنا أنه استخدم تعبيراً مختصراً مختلفاً عن ذلك الشائع للتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق وسورية ـISIS». ثم أضاف: «لكن عندما ننظر من منطلق استراتيجي أوسع… فإن داعش يمثل بوضوح كل العناصر السيئة مجتمعة في المنطقة والتي يُفترض بنا التعامل معها كمجموعة. وهذا مشروع طويل الأمد، يتطلّب منّا العمل على استقرار سورية بشكل حضاريّ أكثر، أي أن نجلب المعتدلين السنّة إلى الحكم. فالمنافسة ـ كما تعلمون ـ تكمن في التخلص من خطر داعش هناك، والقدرة على إيصال مثل هذا النموذج إلى الحكم في سورية».
يرى أوباما أنه حالما تصل الإدارة الأميركية إلى وضع استراتيجية عسكرية لمواجهة «داعش» في سورية، سيكون في الإمكان هزيمة هذا التنظيم. وقد تعهّد بالاستمرار في مساعدة المعارضة السورية لكنه لم يتحدث عن إمكانية ترك الأسد للسلطة، كما انه لم يتطرق أبداً إلى الحديث عن المسار السياسي الذي قد يُنهي الحرب الأهلية الدائرة في سورية.
ويقول زعماء المعارضة السورية إنّ سياسة أوباما المتبعة في الحرب ضدّ «داعش»، سمحت لهذا الأخير بزيادة نفوذه وسيطرته على الحدود السورية ـ العراقية، ومنها إلى كلّ سورية، وتحديداً قرب من حلب على الحدود التركية حيث تدور معارك حامية الآن بين «الجيش السوري الحرّ» و«داعش».
وقال هادي البحرة، وهو رئيس «الائتلاف الوطني السوري» في مقابلة مع موقع «دايلي بيست»: «يجب أن يتحرّك المجتمع الدولي بكامله ضدّ داعش في سورية والعراق في الوقت عينه، فالطريقة الوحيدة التي تعيق تقدّمه داخل سورية، تتمثل بتوجيه ضربة عسكرية إليه». ويضيف: «دخل المسار السياسي مرحلة الغيبوبة، فطالما أن النظام لا يزال في مركز القوة، ستزداد هذه المنظمات الإرهابية عدّةً وعديداً، وهذه المشكلة التي بدأت في سورية وتتمدّد الآن نحو العراق ولبنان، ستتوسع قريباً لتشمل المنطقة برمّتها وستطاول شظاياها حتماً أوروبا والولايات المتحدة».