وزنة لـ«البناء»: اليمين العنصري المتطرف عاد إلى السلطة… وأميركا لم تُعد الأقوى وقد دخلت مرحلة الانقسام

إنعام خرّوبي

شكل فوز الملياردير دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة الأميركية صدمة كبيرة في العالم، وهو الذي أثار ترشحه وتصريحاته جدلاً كبيراً، وقد عمد خلال حملته الانتخابية إلى تحفيز مشاعر الأميركيين تجاه القضايا الحساسة والعنصرية، وخصوصاً تلك المتعلقة بالمهاجرين وبالشأن المالي للمواطن الأميركي، إضافة إلى الوعود الاقتصادية التي أطلقها كتخفيض الضرائب ومراجعة الاتفاقيات التجارية، وخصوصاً مع الصين، وإغلاق الحدود أمام المهاجرين، لا سيما من دول أميركا اللاتينية والشرق الأوسط المسلمون تحديداً .

أما بالنسبة إلى قضايا منطقة الشرق الأوسط، فقد تعدّدت مواقف الرئيس المنتخب حيالها، وكان أبرزها معارضته القوية للاتفاق النووي مع إيران والتي صلت إلى حدّ تعهّده بتمزيق الاتفاق في اليوم الأول لتوليه مهام الرئاسة، ودعمه المطلق لـ«إسرائيل» واعترافه بالقدس عاصمة أبدية لهذا الكيان وعزمه على نقل سفارة بلاده إلى القدس المحتلة، وفي المقابل كانت لافتة معارضة ترامب لإسقاط أنظمة الدول وإحلال الفوضى مكانها، ولذلك أكد مراراً أنّ مشكلة الولايات المتحدة هي مع «داعش» وليست مع الرئيس السوري بشار الأسد، إضافة إلى حديثه عن دور الدولة السورية المؤثر في قتال التنظيمات الإرهابية المتطرفة.

على وقع الحروب المندلعة في سورية واليمن والعراق، يزداد الصراع بين روسيا والولايات المتحدة على مناطق النفوذ في الشرق الأوسط، ومما لا شك فيه أنّ خسارة وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون خففت ضغوطاً كبيرة عن موسكو في ملفات عدة، وإنّ تصريحات ترامب مبهمة أو متناقضة حيال ملفات عدة، لكن في حالة روسيا كانت ثابتة وواضحة. فترامب ينظر إلى بوتين كـ»زعيم قوي يستحق الإعجاب» ويريد أن يرى تحسّناً كبيراً في العلاقات الأميركية الروسية.

بعد إعلان فوزه في الانتخابات الأميركية الرئاسية 2016، أكد ترامب، الذي كانت له مواقف معادية للأجانب، أنه سيضع مصالح أميركا في المرتبة الأولى، وسيسعى إلى قواسم مشتركة مع الأمم الأخرى، وأنّ أميركا ستتعامل بعدالة مع الجميع، ولن تسعى إلى العداء أو الصراع، وقال: «سنتفاهم مع كلّ الدول الأخرى التي لديها الرغبة في التفاهم معنا».

فما هي أشكال هذه التفاهمات وكيف ستنعكس على الداخل الأميركي، سياسياً واقتصادياً، وعلى بقية الملفات في الشرق الأوسط؟ وأيّ تغيير سيطرأ على السياسة الأميركية داخلياً وخارجياً في عهد ترامب؟ وما هو مصير أزمات المنطقة؟

صدمة الفوز

يرى الخبير في الشأن الأميركي الدكتور كامل وزنة أنّنا نشهد «تغييراً في هوية الولايات المتحدة»، بعد فوز ترامب، لافتاً إلى أنّ الذين صوّتوا له «هم البيض الموجودون في الأرياف». ويقول وزنة في حديث لـ«البناء»: «كأنّ الولايات المتحدة الأميركية تنتفض على التغيير الديمغرافي الذي حصل وتقول إنّها، ومنذ تأسيسها، للبيض وحدهم وسوف تبقى لهم. لاحظنا تغيّراً ديموغرافياً هائلاً في الولايات المتحدة وهذا التغيّر أحدث صدمة لدى الشارع الأميركي. اليوم الصدمة كبيرة بحجم الصدمة التي أتت بدونالد ترامب، فالأقليات التي كانت تشكل قبل 1965 نسبة 12 في المئة من سكان الولايات المتحدة أصبحت تشكل اليوم نحو 37 في المئة من الشعب الأميركي، ومن المرجح أن تصبح الأكثرية في العام 2050».

ويضيف وزنة: «هذا جزء من المسألة والجزء الثاني هو أنّ العولمة وحالة الإحباط الاقتصادي لدى سكان الأرياف تنعكسان سلبياً، لا سيما أنّ هناك من يرى أنّ الحزب الديمقراطي لم ينظر إلى هؤلاء سوى بالوعود. وعندما بدأ المرشح السابق برنارد ساندرز حملته الانتخابية لاحظ أنّ المصانع بدأت تنتقل من الولايات المتحدة إلى دول أخرى في العالم، وتشير التقديرات إلى أنّ هناك 60 ألف مصنع تمّ إغلاقها في البلاد خلال السنوات العشر الماضية وهذا الأمر دفعت ثمنه الطبقة العاملة التي تسكن الأرياف. اليوم هناك مجتمعان داخل الولايات المتحدة: المجتمع المثقف الذي يسكن المدن، وطبقات أخرى تنتشر في كلّ الولايات، إلا أنّ الجنوب، تاريخياً، لديه عنصرية وقد بنى ترامب خطابه على العنصرية والكراهية ووصف اللاتينيين وتحديداً المكسيكيين بأنهم مجرمون ومغتصبون، كما كانت له مواقف عنصرية تجاه الإسلام، وهو الذي دعا إلى وقف «كامل وكلي» لدخول المسلمين إلى الولايات المتحدة، ثم ما لبث أن أعلن أنه سيُوقف الهجرة من الدول التي ينشط فيها متشدّدون إسلاميون، بعد موجة الانتقادات الواسعة لمواقفه التي رأى البعض أنها مستفزة وتشكل انتهاكاً للدستور الأميركي الذي يضمن حرية المعتقد. كما أوضح أحد كبار مستشاري ترامب والمرشح لتولي وزارة الخارجية رودي جولياني أنّ هذا الموقف قد يكون مردّه ما توعّد به زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي بأن يرسل مع المهاجرين مجموعات تقوم بعمليات إرهابية».

ويتابع وزنة: «في مكان معيّن كان للرئيس الأميركي الجديد موقف لافت تجاه الرئيس السوري بشار الأسد، على أساس أنه بغضّ النظر عن طبيعة العلاقة بين الرئيس السوري وأميركا فهو في النهاية يحارب التنظيمات الإرهابية وهذا اعتراف من الرئيس المنتخب، وهناك أيضاً اتهام للفريق الآخر بأنه هو من خلق التنظيمات الإرهابية. لطالما كان ترامب ضدّ إسقاط النظام في مصر وفي سورية ولديه موقف من التنظيمات الإسلامية التي لديها نزعات تكفيرية، وفي النهاية نحن نتكلم عن رئيس لا خلفية أو تجربة سياسية له، عكس باقي الرؤساء في تاريخ الولايات المتحدة، باستثناء أيزنهاور الذي جاء من خلفية عسكرية».

السياسة الخارجية والتحديات الاقتصادية

فور انتخابه، أعلن الرئيس الأميركي الجديد في «خطاب النصر «أنّ واشنطن ستتعاون مع الدول الراغبة في التعاون معها، وكان قد قدّم وعوداً خلال حملته الانتخابية حول سياسات خارجية سيتبعها خلال عهده، فكيف سيكون شكل العلاقات الخارجية الأميركية؟ يجيب وزنة: «علينا أن ننتظر وفي النهاية هناك مؤسسات تحكم في الولايات المتحدة. الرئيس الجديد رجل براغماتي ويسمع للمؤسسات وسوف يتسلم التقارير الاستخباراتية والمعلومات الأمنية الموثقة التي لا تزال في عهدة الرئيس باراك أوباما، وهو في طور تشكيل جهاز لإدارة الأمور، وهو يتعلم من ردود الفعل حول تصريحات معينة ويدرك أنه لا يستطيع الحكم إذا انغلق على نفسه».

في الشق الاقتصادي، حمل خطاب ترامب كثيراً من الوعود الاقتصادية، فقد تحدّث عن بناء اقتصاد أميركا وعن ضرورة الإنفاق على البنية التحتية، وتعهّد بخفض الضرائب على الشركات من 35 في المئة إلى 15 في المئة فقط، وإعفاء المواطن الذي يقلّ دخله الشخصي السنوي عن 25 ألف دولار من أية ضرائب، وكان قد وعد سابقاً باستبدال برنامج أوباما للرعاية الصحية ببرنامج أرخص وأشمل، إلا أنّ ما يبدو ضبابياً بالنسبة إلى المراقبين هو وعوده بمراجعة الاتفاقيات التجارية والانسحاب من اتفاق «الشراكة عبر المحيط الهادئ Trans Pacific Partnership»»، ومعاقبة الصين لأنها تستخدم العملة بطريقة غير شرعية، فهل سيكون ذلك ممكناً؟

يوضح وزنة «أنّ نظرية أميركا تحكم العالم شيء غير إيجابي، فتوهُّم الولايات المتحدة أنّ في استطاعتها أن تحكم العالم بقوة غير مشروطة خطأ كبير في تجربتها لما له من انعكاسات سلبية، ويرى كثير من الأميركيين وعلى رأسهم الرئيس باراك أوباما «أنّ العولمة كانت أسرع منا». فإذا نظرنا إلى الجانب الاقتصادي نلاحظ أنّ أميركا لم تعد الأقوى اقتصادياً مع صعود دول أخرى، ونحن نشهد انتقال الاقتصاد العالمي من الغرب إلى الشرق برئاسة الصين التي تبني مؤسسات مالية جديدة أهمّها البنك الآسيوي للاستثمار في البنى التحتية، وبالتوازي تبني قوة عسكرية وتصنع تحالفات في العالم. فعلى الصعيد العسكري، يشير تقرير صادر عن وكالة الاستخبارات الأميركية إلى أنه في العام 2025 لن تكون الولايات المتحدة هي الدولة الأقوى عسكرياً في العالم، خصوصاً أنّ الإنفاق العسكري الصيني يرتفع بطريقة ملحوظة، وبعد أن كان 30 مليار دولار عام 2006 أصبح اليوم بحسب معهد «ستوكهولهم» 215 مليار 8 أضعاف ، بينما تعترف الصين بـ 147 مليار 6 أضعاف ، لذلك يتجه العالم إلى عقد اتفاقات مع الصين، وقد عقدت إيران مؤخراً اتفاقاً مع الصين لمكافحة الإرهاب، انطلاقاً من أنّ منطقة آسيا لا يجب أن تكون خاضعة للنفوذ الأميركي، خصوصاً أنّ الإدارة الأميركية سحبت في عهد أوباما قوة عسكرية من منطقة الشرق الأوسط للتوجه إلى آسيا كبداية لمحاصرة الصعود الصيني الذي أصبح عبئاً على واشنطن. أما على الصعيد الاقتصادي، فيُتوقع أن تشكل اقتصادات الدول التي هي خارج الحلف الغربي 50 في المئة من الاقتصاد العالمي بعد أن كانت لا تتعدّى نسبة العشرين في المئة. وعندما أعلنت الصين عن إنشاء البنك الآسيوي انضمّت إليه 57 دولة بما فيها دول حليفة لواشنطن كالمملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، وكان هناك امتعاض من جانب الولايات المتحدة التي اعتبرت أنّ ذلك يضرب المنظومة الاقتصادية التي وضعتها بعد الحرب العالمية الثانية في بريتون وودز وأسّست من خلالها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. يعترض ترامب على اتفاقية الشراكة الاقتصادية عبر الهادئ التي تمّ التوصل إليها العام الماضي، ويعتبر أنّ هذه الاتفاقية هي المركب الذي يأخذ الوظائف الأميركية إلى الخارج وهي سبب الإحباط في الأرياف وستزيد من التفاوت الطبقي في المجتمع الأميركي، بالإضافة إلى كونها أحد أسباب العجز في الميزان التجاري الأميركي الذي يبلغ 800 مليار دولار، بحسب ترامب. أما بالنسبة إلى العلاقة مع الصين، فينظر الرئيس الأميركي الجديد إليها من خلال العجز في الميزان التجاري لصالح بكين، بحيث تشير الأرقام إلى أنّ صادرات الصين إلى الولايات المتحدة بلغت 470 مليار دولار عام 2015، لكنّ الواردات لم تتعدّ الـ120 مليار دولار أي أنّ العجز يقارب 350 ملياراً لصالح الصين، لكن من ناحية أخرى، الصين لا تزال أكبر مودعة بسندات الخزينة الأميركية، لذلك يجب أن ينظر ترامب إلى المسألة بموضوعية من الجانبين. أما بالنسبة إلى المهاجرين، فإنّ خطة دونالد ترامب بشأن ترحيل المهاجرين غير النظاميين ستؤدّي إلى انكماش الاقتصاد الأميركي لو نفذت، وستقود إلى تقلص الناتج المحلي الإجمالي خلال العقدين المقبلين، إذ يوجد أكثر من 11 مليون مهاجر يعيشون ويعملون في الولايات المتحدة بصورة غير نظامية في قطاعات مثل الزراعة والبناء والضيافة، وإخراج هؤلاء من سوق العمل قد يؤدّي إلى شغور ملايين الوظائف بسبب نقص الأيدي العاملة النظامية الراغبة في شغل تلك الوظائف».

حرب العملات

وعد ترامب بأنه سيعاقب الصين لأنها تستخدم العملة بطريقة غير شرعية وهذا ينعكس برأيه على اقتصاد بلاده، موضحاً أنّ التبادل التجاري هو الهدف من حملته وليس إغلاق الحدود والحماية المطلقة، وفي هذا الإطار يقول وزنة: «ترامب يعتبر أنّ الصين يجب أن تفتح أسواقها بطريقة أكثر عدالة والعالم يشهد اليوم حرب عملات. كان المتعارف عليه في السابق أنّ العملة القوية هي الأفضل في العالم لكنّ الحقيقة عكس ذلك تماماً، فالعملة القوية تهدّد الاقتصاد وترفع كلفة التصدير. ونذكر هنا أنه بين عامي 1980 و1985 كان الدولار يقدّر بحوالي 50 في المئة مقابل الين الياباني، والمارك الألماني، والفرنك الفرنسي، والجنيه الاسترليني، وعملات الاقتصاديات الأربعة الكبرى التالية في ذلك الوقت، وقد تسبّب ذلك في حدوث صعوبات هائلة للصناعة الأميركية، فوقعت اتفاقية «بلازا» عام 1985 بين حكومات فرنسا، وألمانيا الغربية، واليابان، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، لخفض قيمة الدولار الأميركي أمام الين الياباني والمارك الألماني من خلال التدخل في أسواق صرف العملات، وبموجب الاتفاقية المذكورة أصبحت السلع المصنّعة في الولايات المتحدة أكثر قدرة على المنافسة في سوق الصادرات، وفي المقابل ولّد ارتفاع الين الياباني حالة من الانكماش والركود الاقتصاديين ولم يتعاف الاقتصاد الياباني منها حتى يومنا هذا.

إذاً هناك حرب عملات في العالم تقودها الصين وقد لاحظنا في الآونة الأخيرة أنّ أوروبا خفضت عملتها كذلك فعلت بريطانيا التي خفضت عملتها حوالى 20 في المئة بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، ولم نسمع أيّ تصريحات من البنك المركزي البريطاني لدعم العملة لأنّ تخفيض العملة لدى الدول الصناعية يسهّل عملية التصدير.

تخفيض الضرائب

أعلن دونالد ترامب أنه يسعى إلى خفض الضرائب على كلّ الشرائح في الولايات المتحدة من ضمنها الأغنياء، واقترح في هذا السياق خفض ضريبة الدخل للشريحة الأكثر ثراء في البلاد من 39.6 في المئة إلى 33 في المئة، وتقليل عدد شرائح المعاملة الضريبية من سبعة إلى ثلاثة. كما وعد، في الوقت نفسه، بتحفيز النشاط الاقتصادي وتحقيق معدلات نمو بين 3.5 في المئة و 4 في المئة مقارنة مع معدل 1.8 في المئة المتوقع لعام 2016 عن طريق تخفيض الضرائب على الشركات من 35 في المئة إلى 15 في المئة، مؤكداً أنه سيلغي الضرائب على الدخل الفردي الذي يقلّ عن 25 ألف دولار سنوياً، الأمر الذي يرى فيه وزنة «تفاؤلاً مفرطاً وهدفاً دونه صعوبات ومعوقات كثيرة، أبرزها أنّ ترامب سيبدأ عهده وقد تضاعفت مديونية الولايات المتحدة، فبعد أن كانت تقدّر في بداية عهد أوباما بـ10.3 تريليون دولار ارتفعت خلال سنوات حكمه الثماني إلى ما يقارب الـ 20 تريليون دولار، كما أنّ أميركا مع الاستحقاقات المقبلة للضمان الاجتماعي والـ»ميديكير» والأنظمة الصحية وما يعرف بشبكات الأمان، مثقلة بديون كبيرة قد تصل إلى 80 تريليون دولار».

ويضيف وزنة: «الرئيس الجديد سيرث اقتصاداً ليس بأحسن أحواله، وبالتالي لن يتمكن من تخفيض الضرائب لأنّ ذلك يزيد من حجم مديونية البلاد وعجز الميزانية، كما أنّ الوعود التي أطلقها تخدم الفئة الثرية، وسط هذا الصراع الطبقي وصراع الأجيال في البلاد، ففي حين كان الوضع الاقتصادي للآباء والأجداد جيداً نجد أنّ الشباب في وضع اقتصادي صعب. هناك تفاوت طبقي كبير في الدخل بين شرائح المجتمع الأميركي، وتشير الأرقام إلى أنّ هناك 5 في المئة من الأميركيين يفوق معدل دخلهم الـ 180 ألف دولار، و20 في المئة يقارب دخلهم الـ 100 ألف دولار، وهناك 75 في المئة يبلغ معدل دخلهم 50 ألف دولار فقط. من جهة أخرى، هناك تفاوت بين معدل دخل البيض الذي يبلغ حوالى 137 ألف دولار، ومعدل دخل السود الذي بالكاد يبلغ 13 ألف دولار».

وحول ما يُقال بأنّ ترامب يقتدي بالرئيس الأسبق رونالد ريغان في مجال خفض الضرائب، يوضح وزنة «أنّ الضرائب في الولايات المتحدة مرتفعة وتشكل عبئاً كبيراً»، لافتاً إلى أنّ ريغان «خفض الضرائب للشرائح الأعلى إلى 39 في المئة بعد أن كانت 70 في المئة، كما خفّضها على شرائح أخرى بنسبة 15 في المئة، أيّ من ينتج أكثر يدفع ضرائب أكثر. ولكن تبقى نسبة 39 في المئة مرتفعة أيضاً، حيث تُضاف إليها ضريبة الضمان التي يتقاسمها العامل وصاحب العمل وتصل إلى 15 في المئة والضريبة المتعلقة بالطبابة للمسنّين والضرائب على مستوى الولاية وعلى مستوى البلدة. مجموع الضرائب كبير جداً، فأميركا الرأسمالية ليست رأسمالية بل جزء منها اشتراكي في مكان ما لأنها تؤمِّن هذه الضمانات مقابل ضرائب تفرضها. ورغم أنّ الضرائب مرتفعة اليوم هناك عجز كبير في مالية الدولة».

السياسة المالية للفيدرالي الأميركي

لطالما انتقد ترامب خلال حملته الانتخابية السياسات المالية للاحتياطي الفيدرالي الأميركي، معتبراً أنه يسعى إلى الإبقاء على «أسعار فائدة منخفضة بشكل اصطناعي» وحماية «اقتصاد زائف»، وهنا يوضح وزنة «أنّ الاحتياطي الفيدرالي الأميركي خفض سعر الفائدة بشكل مفاجئ إلى مستوى متدنّ للغاية قارب الصفر، بعد الأزمة المالية العالمية أواخر عام 2008 كي يحفّز الانتعاش الاقتصادي. وتتراوح نسبة الفائدة الحالية بين 0.25 في المئة و0.50 في المئة، وقد هاجم ترامب رئيسة الفيدرالي جانيت يلين وسياستها المالية التي رأى أنها تضرّ بشريحة كبيرة ممن يعيشون على الفائدة من ادّخارتهم في استثمارات تعتبر آمنة وهي سندات الخزينة التي لا تعطي اليوم 1 في المئة فائدة، في حين يضع مراقبون هذا الإجراء في الخانة الإيجابية، ذلك أنّ الأسهم ترتفع مع الفوائد المنخفضة».

المسألة الفلسطينية وأزمات المنطقة

ويشير وزنة إلى «أنّ العالم لم يشهد حالة من الفوضى والصراعات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط»، لافتاً إلى أنّنا نشهد توسعاً في الصراع والصدام السياسي والديني والمذهبي. وبالإضافة إلى ما تشهده كلّ من سورية والعراق واليمن من حروب، أصبح الأمان الاقتصادي الذي نعمت به دول الخليج طيلة عقود محفوفاً بالمخاطر بعد هبوط أسعار النفط. كما أنّ دول الخليج تنفق أموالاً طائلة على التسلح، وكانت السعودية، على سبيل المثال، أعلنت على لسان ولي ولي العهد أنها كانت في العام 2014 الرابعة في العالم في الإنفاق العسكري، بينما حلت عام 2015 في المرتبة الثالثة حيث يشكل حجم الإنفاق العسكري للمملكة نحو 13 في المئة من ناتجها القومي، وهي النسبة الأعلى في العالم أكثر من الإنفاق الروسي ، بينما لا يتعدّى معدل النمو حدود 4 في المئة. إذاً العالم العربي يتجه نحو العسكرة والحروب، وقد انتهجت أميركا سياسة تقوم على إعطاء فائض القوة للدول العربية وتتولى الأخيرة، بدورها، تنفيذ هذا الفائض في الحروب نيابة عن واشنطن كما نشهد اليوم في الحرب اليمن وسورية والعراق. والخطر اليوم ليس بالسلاح النووي بل السلاح التقليدي الذي يشعل الدمار في العالم العربي، ويجب منع هذا السلاح من قبل شركات السلاح الأميركية المتعطشة إلى الأرباح الهائلة على حساب الدم العربي والاستقرار والأمن في عالمنا».

وعن تأثير تصريحات ترامب لجهة تحسين العلاقات الروسية ـ الأميركية على أزمات المنطقة، لا سيما الأزمة السورية، يقول وزنة: «لا يجب أن نفرط في التفاؤل. أيام الحرب العالمية الثانية كان الرئيس الأميركي الأسبق فرانكلين روزفلت يسمّي رئيس الاتحاد السوفياتي السابق جوزيف ستالين «العم ستالين»، وفي النهاية حدثت الحرب الباردة بين الطرفين. في السياسة هناك مصالح تلتقي ومصالح تختلف وأعتقد أنّ أميركا لن تنسحب من المناطق الحساسة بالنسبة إلى النفوذ الروسي ولن ترفع العقوبات عن روسيا بالطريقة التي نسمعها. ينبغي ألا نتحمّس للتقارب بين الطرفين واليوم المؤسسات في أميركا لا تتوقف على عقل ترامب. ربما يكون هناك انفتاح لكن بترقب وحذر شديدين».

إذا استعرضنا مواقف ترامب حيال القضية الفلسطينية أثناء الحملة الانتخابية، سنجد أنها تغيّرت من الحديث عن حقّ الفلسطينيين في الحصول على حقوقهم وأنّ على «إسرائيل» دفع ثمن ما تحصل عليه من أميركا، إلى التعهّد بنقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة وعدم السماح بإقامة دولة فلسطينية «إرهابية»، وأنّ الحلّ مفاوضات ثنائية من دون إملاءات ولا تدخل من أحد، ما يجعل «إسرائيل» هي المتحكمة بها كلياً، وهنا يرى وزنة أنّه «ربما أصدقاء نتنياهو عادوا إلى السلطة في أميركا بقوة»، متوقعاً «المزيد من التوسع الاستيطاني وتراجعاً كبيراً في مسألة حلّ الدولتين الذي هو مشروع فاشل في أساسه، وعلى الفلسطيني أن يدرك أنّ المفاوضات لن تحقق أيّ شيء».

إيرانياً، يرى وزنة «أنّ الفريق الجديد الحاكم قد يعيد مرحلة جديدة من العقوبات على إيران، باعتبار أنّ الاتفاق النووي مع إيران لم يصوّت عليه الجمهوريون ولم يوقعوا عليه، وقد نشهد مرحلة جديدة من العداء الأميركي لإيران قد لا تنسجم معه أوروبا لكنها ستتماشى معه».

ويضيف: «بعد الاتفاق بدأ الأميركيون يرسمون مرحلة من الضغوط تطال الشركات الأجنبية التي تستثمر في إيران وعلينا أن نكون واقعيين، فأغلبية العقوبات التي وضعت منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية لا تزال قائمة ولم يستطع الرئيس باراك أوباما أن يرفعها لأنّ من يحقّ له أن يرفعها هو الكونغرس، وما تمّ رفعه هو آخر العقوبات المتعلقة بالملف النووي. الأمر نفسه بالنسبة إلى كوبا التي زارها الرئيس أوباما لكنه لم يرفع العقوبات عنها ولا عن كوريا الشمالية، لذلك من المبكر أن نتفاءل ودول المنطقة لا تستطيع أن تحمي نفسها إلا إذا كانت قوية تمنع الحرب وتعمل على ترسيخ السلم والاستقرار».

كما يتوقع وزنة «أن يكون التشديد أكبر على حزب الله والمقاومة في عهد ترامب».

آن للدول العربية أن تستمع إلى شعوبها

وأكد وزنة أنّ على الدول العربية، «أمام هذه المعادلات الجديدة حيث تسود نزعات التطرف والعنصرية التي لا تعترف بحقوق الشعوب أن تنظر إلى داخلها وتستمع إلى معاناة شعوبها التي تأثرت بالحروب الدائرة في المنطقة، فاقتصادات معظم دول الخليج على شفير الانهيار وهي تتجه نحو الاستدانة في ظل انخفاض أسعار النفط، ومن غير المتوقع أن يعود سعر البرميل إلى 50 و60 أو 100 دولار كما كان في السابق والتحدي الأكبر اليوم كيف نصنع السلام لشعوب المنطقة. وها هي أميركا تدخل مرحلة الانقسام مع وصول اليمين المتطرف العنصري إلى السلطة في أميركا والحقوق المكتسبة التي صنعتها الحرب الأهلية الأميركية عام 1860 وقانون الحريات وقانون الهجرة اللذين وضعهما جونسون عام 1965 باتت مهدّدة، حتى حقوق المرأة باتت مهدّدة، ومن المتوقع عندما يدخل ترامب إلى البيت الأبيض رئيساً ستخرج مسيرة مليونية من النساء ضدّه. شهر العسل قد لا يبدأ لترامب، وهناك مظاهرات يومية ضدّه ونلاحظ ارتفاع نسبة نسب الحوادث التي لها خلفيات عنصرية متطرفة».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى