معالم القومية تسود مجدّداً
وليد زيتوني
يبدو أنّ العولمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية قد وصلت الى نقطة الذروة في خطها البياني الصاعد خلال العقد الثاني من القرن الحالي. وترافق هذا الصعود مع انتشار الرأسمالية المتوحشة التي قضت على معالم الحدود الفاصلة بين الدورات الاقتصادية المتكاملة للدول. وقضت على الحدود السياسية انطلاقاً من تحطيم مفهوم السيادة الحقيقي. وبالوقت نفسه أسهمت في تدمير البنى الاجتماعية القائمة على الخصوصيات الحضارية والثقافية لهذه المجتمعات واستبدلتها بأنماط سلوكية تتناسب مع قواعد اقتصاد السوق الممسوك من طغمة رأسمال العالمي، الذي لا يعرف نهاية للجشع والطمع على حساب الأمم الفقيرة رغم تمتّع هذه الدول بثروات طبيعية كافية لتحقيق اكتفاء ذاتي، يقي شعبها العوز والهجرة نحو الشمال والغرب الغني. بل وظفت هذه الهجرة كأداة تشغيلية في إعادة الإنتاج المتراكمة لصالح هذا الرأسمال العالمي.
ربما كانت الانتخابات الأميركية ومجيء دونالد ترامب رئيساً للإدارة الجديدة مع طروحات الاهتمامات الداخلية، بالإضافة الى بروز الجانب الشوفيني العنصري شكّل نقلة نوعية في إعادة طرح المسألة القومية كإطار صحيح لتنظيم العلاقات بين الأمم. ويعتبر تماهي ترامب مع الرئيس الروسي بوتين وإعجابه بالنهج الروسي الجديد القائم على رؤية قومية ساعد في انتقال هذه الظاهرة القديمة الجديدة الى أوروبا. وها هي مرشحة أقصى اليمين في فرنسا مارين لوبان تنهج في سياستها النهج نفسه، وتعتبر أنها إذا فازت بالانتخابات فستشكل مع الرئيسين بوتين وترامب ثلاثياً مميّزاً لقيادة العالم. وبأنها ستخرج من الاتحاد الأوروبي، كما فعلت بريطانيا من قبل.
لا شك في أنّ الظاهرة القومية التي كانت عماد الدول في القرن التاسع عشر مرفقة بالحالة الشوفينية قد أساءت الى الظاهرة القومية نفسها. وبالتالي قامت على تأليه الدولة بعيداً عن حقوق الإنسان الاجتماعية. وأكثر من ذلك على حساب الدول التي لم يكتمل وعيها القومي، فاستعبدت الإنسان وقضت على المجتمعات الآخذة بالنمو. أما الآن وقد تعرّت الأنظمة الرأسمالية المواكبة للقوميات القديمة، تماماً كما تعرّت في ظلّ نظام العولمة الذي قضى على آمال الشعوب بالتحرّر القومي والسيادة القومية. فيبدو أنّ هناك مرحلة جديدة بدأت فيها معالم القومية من جديد على مستوى العالم أجمع. فإننا نرى أنّ القومية الاجتماعية التي نادى بها وعمل على تحقيقها زعيم الحزب السوري القومي الاجتماعي، الشهيد الخالد بفكره وحزبه انطون سعاده، هي الطريق الوحيد لإعادة إنتاج عالم يسوده الأمن والأمان، لأنها قومية تقول باحترام حقوق الأمم الأخرى، كما تقول بالإنسان المجتمع، وانّ الفرد إمكانية فاعلة على مستوى الإنتاج الفكري والزراعي والصناعي، أيّ الإنسان المنطلق من معرفة حقيقته الاجتماعية وحقوقه وواجباته القومية. الإنسان القائم على تطوير مجتمعه استناداً للعلوم والمعارف الحديثة.
إنّ العالم اليوم اختبر العديد من الأنظمة التي سيطرت على الدول والمجتمعات وفشلت عملياً حتى وصل الأمر عند فوكوياما الى «نهاية التاريخ»، وبالتالي إلى موت الإيديولوجيات. صحيح أن النزعة القومية التي نظّر لها قد ماتت. وانّ عصر القومية الاجتماعية الجديدة قد بدأ بالفعل. العنصرية مثل النازية والفاشيستية، ولكن في الوقت نفسه، وهو ما لم يقله أن الرأسمالية المنفلتة التي نظّر لها قد ماتت.
إنّ عصراً جديداً تسوده القومية الاجتماعية على مستوى العالم قد يكون حلاً حقيقياً للأزمات الرأسمالية المتلاحقة، وضامناً حقيقياً لحقوق الأمم من سيطرة الحوت الرأسمالي العالمي.
نائب رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي