النخب الحاكمة الغربية وسياسة «عليَّ وعلى أعدائي»
حميدي العبدالله
السياسة المعتمدة من قبل الحكومات الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، لا يمكن وصفها بالسياسة التي تسعى إلى تحقيق المصالح الغربية، حتى لو كانت هذه المصالح مصالح استعمارية، أيّ أنها لا تقوم على مبدأ تكافؤ وتبادل المنافع مع الدول ومع شعوب العالم الأخرى. فلو كانت المصالح هي التي توجه سياسات الحكومات الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، فمن البديهي السؤال ما الذي جنته الولايات المتحدة من غزوها لأفغانستان والعراق، سوى تدمير مقدرات هذين البلدين، والتأسيس لفوضى عارمة قد تستمرّ عقوداً، وخسارة الولايات المتحدة والدول الغربية لتريليونات الدولارات، الأمر الذي تسبّب بأزمة اقتصادية تعصف بالغرب منذ عام 2008 وحتى الآن، ولا سبيل إلى حلها، وما تزال في تصاعد.
قدَّر عناصر النخبة الغربية، أنّ احتلال أفغانستان يؤمّن الاستيلاء على نفط بحر قزوين، ويحكم الطوق على إيران، قدَّر هؤلاء أيضاً أنّ احتلال العراق يقود إلى السيطرة على ثروته النفطية ويعزز نفوذ الحكومات الغربية في منطقة الخليج الغنية بالنفط والغاز، ويساهم أيضاً في إحكام الحصار على إيران، ولكن إيران لم تحاصر من قبل أفغانستان والعراق، وأصبح غالبية العراقيين حلفاء لإيران، ولم تستتبّ السيطرة للأميركيّين و»الناتو» في أفغانستان، وبالتالي لم تتأمّن المصالح الغربية التي جاء احتلال أفغانستان لتأمينها، وطالبان عائدة للحكم، بل إنّ الولايات المتحدة تحاورها الآن.
على الرغم من هذا الواقع الذي أسفر عنه احتلال أفغانستان والعراق، إلا أنّ الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، لم يستخلص الدروس والعبر من هاتين التجربتين، فقام بغزو ليبيا، وساعد قوى عديدة، بينها تنظيم القاعدة، بالاستيلاء على ليبيا، علماً أنّ نظام القذافي كان متعاوناً مع الغرب والولايات المتحدة منذ غزو العراق، فماذا كانت الحصيلة، هل ترسّخت المصالح الغربية في ليبيا، وهل تمّ إحكام السيطرة على موارد ليبيا النفطية أكثر مما كان عليه الحال في عهد القذافي أم أنّ الوضع أسوأ بكثير من زاوية انعكاسه على المصالح الغربية؟ فالسفير الأميركي قتل في بنغازي مع عدد من كبار موظفي السفارة، المدنيين والأمنيين، ومقرّ السفارة في طرابلس تحت سيطرة تنظيم القاعدة، والنفوذ الغربي بات صفراً في ليبيا، ومع ذلك فإنّ سياسة النخب الغربية لا تزال ترعى الفوضى، وتدعم التنظيمات المتطرفة، نكاية بدول المنطقة التي تعارض سياسة الهيمنة والوصاية الغربية، وتحديداً سورية وإيران.
في حقيقة الأمر السياسة المعتمدة والتي تبرّرها النخب الغربية، تحت تأثير جماعات النفوذ المرتبطة بالكيان الصهيوني، هي أقرب إلى السياسة التي يعبّر عنها المثل الدارج «عليَّ وعلى أعدائي»، أي أنه إذا تعذّر على النخب الحاكمة الغربية والكيان الصهيوني التحكّم بمقدرات المنطقة على هواهم، فهم مستعدون لإثارة الفوضى والاضطراب حتى لو تسبّب ذلك بدمار المصالح الغربية والقضاء على أيّ فرصة لاستمرار هذه المصالح، ناهيك طبعاً عن دمار مصالح شعوب المنطقة الذي لا يهمّ النخب الغربية على أي نحوٍ كان.