ترامب… معادلة «الربحية»!
سماهر الخطيب
في الحديث عن الرئاسة الأميركية وفوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب والذي شكل فوزه صدمة في عالم السياسة إذا ما بحثنا في تاريخه السياسي والوظائف السياسية التي شغلها، فإنه يسجل صفراً في المعادلة السياسية ولكنه في الوقت نفسه يسجل رقماً متميّزاً في المعادلة الاقتصادية كونه مليارديراً ورجل أعمال ناجحاً.
ومن خطابه الترشيحي الذي حمل ملامح العنصرية تجاه المهاجرين غير الشرعيين وكذلك منع المسلمين من دخول أميركا حفاظاً على أمنها القومي إلى خطابه الأول بعد فوزه حيث برّر فيه تلك الملامح العنصرية بمحاولة إزالة الغباش عن الزجاج المتصدّع أصلاً بسياسة أسلافه السابقين في البيت الأبيض.
فإذا ما أردنا قراءة ما بين الخطابين فإنّ هناك الكثير من النقاط التي أثبتت رؤية ترامب الجديرة بالثقة للأنا الأميركية التي أوجدتها سياسة العزلة إبان الحرب العالمية الثانية حيث اتخذت أميركا أثناءها قراراً بعدم التدخل والاكتفاء بحدودها لإعادة صياغة وجودها ودخلت بعدها العالم من أوسع أبوابه حاكمة متحكمة بتلك الأبواب.
وترامب في خطابه يفصل السياسة الداخلية الأميركية إلى حدّ ما عما يدور خارجها، فهو جاء مدركاً للمشاكل الاقتصادية المتفاقمة في بلاده كونه رجل اقتصاد واعياً لتلك المشاكل الداخلية، بدءاً من الصناعة التي تعاني من المنافسة الأجنبية في الداخل وفي الأسواق الخارجية بصورة خاصة من الدول الآسيوية، إلى الزراعة ومشكلة فائض الإنتاج وصعوبة تسويقه خارجياً بسبب تراجع الطلب، خاصة من الدول النامية التي تعاني فائضاً في مديونيتها أو اكتفائها الذاتي، وفي التجارة تواجه مشكلة العجز في الميزان التجاري وتراجع القدرة التنافسية بسبب تعدّد المتنافسين من دول جنوب آسيا ودول الاتحاد الأوروبي ونهج سياسة التخفيض الضريبي ورفض الأميركيين رفع الضرائب بسبب ما يعانونه من مشاكل اجتماعية من انتشار للفقر مع تباين في حدّته خاصة في الولايات الجنوبية وانتشار البطالة والتمييز العنصري ومعاناة العمال الأميركيين من منافسة العمال المهاجرين مما ينعكس سلباً على الطبقة المتوسطة بسبب انخفاض مستوى الأجور. ففي كلّ عام يدخل مليون من المهاجرين غير الشرعيين وأغلبهم من دول أميركا اللاتينية، وما جعل أسلاف ترامب ممن تناوبوا على البيت الأبيض يغضّون الطرف عنهم بحجة النمو الاقتصادي بسبب استفادته من العمالة غير الشرعية على حساب العمال الأميركيين، ولكن هذا ما نفاه صندوق النقد الدولي في تقرير صادر في حزيران/ يونيو 2016 حذّر فيه من تزايد الفقر وانعدام المساواة في الولايات المتحدة باعتباره يعوق قدرة الاقتصاد الأميركي على النمو.
وهذه الأوضاع الاقتصادية المحتك بها ترامب بشكل مباشر لكونه رجل أعمال استخدمها في خطابه من خلال الحديث عن المهاجرين غير الشرعيين فلامس قلوب وعقول الطبقة المتوسطة التي تشكل نسبة 53 بالمئة من الأميركيين بحسب موقع تقرير واشنطن، وبذلك استخدم ترامب القوة الناعمة بذكاء في إغراء العقول لكسب القلوب تلك السياسة التي استخدمها أسلافه خارج حدود الولايات وكانت رؤية الأميركيين واضحة فهم متعطشون لمن ينشلهم من وضعهم الاقتصادي المتردّي بفعل السياسة الخارجية، وفي خطابه بعد الفوز وتنازله عن مرتبه للخزينة العامة أكد للأميركيين تلك الرؤية المتعطشة لإنعاش الاقتصاد الأميركي.
وأما تلك الاحتجاجات التي رافقت فوزه في مشهدية درامية حركتها اللوبيات الصهيونية المعروف لدى الجميع بأنها من يتحكم بالسياسة الخارجية وكورقة ضغط تمارسها تلك اللوبيات لجعل الرئيس الفائز دونالد ترامب متنبّهاً لوجودها وأداة لتحقيق مصالحها الشرق أوسطية والمتعلقة بأمن وحماية «إسرائيل» قبل كلّ شيء المتحكمة أصلاً بالإدارة الأميركية مالياً وسياسياً وموجهاً ديناميكياً في صناعة وصياغة القرار السياسي حيث ظهرت تلك الاحتجاجات قبل اختيار الرئيس الأميركي لفريقه وليس خافياً على أحد بأنه من بروتوكولات اختيار الفريق الرئاسي أن يكون للأيباك المقاعد الرئيسية فيه، وكذلك ظهرت قبل انعقاد المؤتمر اليهودي العالمي والذي يتوجب فيه فرض عين حضور الرئيس المنتخب وما كان من خطابه حول الملف النووي الإيراني وغيره من الملفات الخارجية الشرق أوسطية إلا بذور لتلك المطالب اللوبية وفي مقدّمتها ما صرّح به عن نيته في نقل السفارة الأميركية في «إسرائيل» إلى القدس كخطوة لإعلانها عاصمة لـ»إسرائيل» .
بالرغم من ذلك نجد لدى ترامب رؤية جدية في مكافحة الإرهاب والقضاء على داعش بطريقة مغايرة عن الإدارة السابقة وأكد على تلك الإرادة في الخطابين، وكونه جاء من خارج الصندوق السياسي مراقباً لما يدور داخله مدركاً بميلان ميزان القوى العالمي وانحدار الإمبراطورية الأميركية بفعل ممارسات ساستها الخارجيين، فالقوة الاقتصادية التي مكنتها من الهيمنة على العالم اقتصادياً وما فرضته معها من هيمنة عسكرية عبر قواعد وأساطيل في مختلف مناطق وبحار العالم لحماية مصالحها الاقتصادية عبر العالم وما تطلبه ذلك من نفقات لتدخل مباشر وغير مباشر بتذرّعات مختلفة قضائية وإنسانية وإدارة للحروب بقيادة من الخلف واستخدام أدواتها لفرض سيطرتها وبسط هيمنتها على العالم، مما ولد استياء داخلياً وتمرداً خارجياً تمثل بظهور عدة قوى عالمية منها الصين وروسيا واليابان وغيرها من الدول على الصعيد الرأسمالي العالمي في ذروة انشغال الولايات في إشعال الحروب لإيجاد ستار ناري سعياً منها إلى احتواء التطور التكنولوجي والاقتصادي لتلك الدول مما جعلها تشكل خطراً على الوجود الأميركي في رأس الهرم العالمي.
ومن هنا كانت رؤية ترامب جدية ومغايرة فهو رجل الأعمال الرائد في إبرام الصفقات الذي يؤمن بالمعادلة الربحية وغايته الأساسية تنفيذ وعوده لمصلحة القوة الاقتصادية وإنعاشها داخلياً وخارجياً، فهل يستطيع ترامب مواجهة تلك التحديات التي من الممكن أن ترتدّ سلباً علينا في المنطقة ليخرجنا من إرهاب مسلح ويغرقنا في إرهاب اقتصادي مترافق مع حرب باردة متعدّدة الأطراف والمحاور في حديثه عن التعاون مع روسيا هو تعاون محفوف بالمخاطر من خلال إعادة ربط الحسابات بمعادلة واحدة يؤمن بها هي المعادلة الربحية.