قالت له
قالت له: أشعر اليوم برغبة الاعتراف بالضعف بعيداً عن لغة العتاب، ولا أريد مواجهة الخوف بإغلاق الباب. فأنا لا أريد أن نخترع بيننا صداماً، وأعرف أنّ أحياناً كثيرة يولد من الخوف والقلق خصام. وأفكر كلما افترقنا عن جواب لسؤال، هل أذكر سبباً وجيهاً للفراق فأحسّ بالغضب بلا سبب؟ وأسأل نفسي: هل أريدك؟ فأجيب: أنت الحبيب. فلماذا أفشل في منع الخلاف قبل أن يحصل؟ ولماذا لا أقمع الكبرياء والتعالي في استدراج الكلام تلو الكلام بالصوت العالي؟ فما بيننا من الجمال إلى حدّ لا يحقّ لنا التصرّف به بلا حرص وانتباه، وكأننا نعيش العمر طويلاً والموت بعيد ولا نخشاه.
فقال لها: لكلامك ودفق الحنان وجهان. وجه الحقيقة في أننا نفقد السيطرة على الخصومة والغضب، بينما تكون البداية بيننا مجرّد تنافس في العتب، ومباراة في من يضحي ومن يسأل ومن يدير وجهه للأسفل، ومن يتّهم الآخر باللااهتمام، بينما هو لا ينام كأننا في أغنية الأشواق. ويصل بنا التحدّي إلى الفراق فتخرج الكلمات عن السيطرة كأنها سيناريوات محضّرة. أما الوجه الثاني ففيه بعض الوجاهة وهو أنك في اللوم تملكين ما لا أملك من النباهة. فألومك وأشعر بالضيق وأنا على ثقة أنك لا تمدّين لي خشبة الخلاص ولو شعرتِني كالغريق.
فقالت: أيعقل أن تواجه نقائي بهذا التباهي، وأنا في ذروة الحبّ اللامتناهي؟
فقال لها: فرصة لا أفوّتها كي أسجّل نقطة وأقول تعالَي إلى لعبة الديك والبطة. فعضّت يمينه وقالت: أيها الديك، عليك الآن إذن أن تصيح، وأنا عليّ أن أستريح. فقال: تعالَي إلى آخر الخطة منك ابتسامة التصالح، ومنّي ابتسامة التسامح.
فقالت: كي تسجّل أنك على حقّ وصواب، وأنني سلّمت لك بالجواب؟
فقال: وكي يستقيم العتاب، تقولين اعترف، وأقول لك لن نختلف، وتقولين اعتذِر وأقول لن أنتظر. وخطف منها قبلة وهو يضحك من عميق قلبه، وهي تغرق ببعض من الدمع، تغرورق عيناها تمعّناً في حبه، ومضيا يتقاذفان الكلام ويتعانقان ويتفارقان مرّة بحرب ومرّة بسلام، ومرّة يقول لها أخاف وتردّ عليه باعتراف، ويلاقيها بقبلة وتحاكيه بمثلها على غفلة.