«تفاصيل صغيرة»
لفتت نظري أثناء قراءة كتاب «علي وسقراط» لكاتبه جورج جرداق، رواية أوردها في الصفحة 269، إليكم ما استشففت من محتواها:
ثلاثة ثيران كانت في أجمة، أبيض وأحمر وأسود، ومعها فيها أسد، فكان لا يقدر منها على شيء لاجتماعها عليه. فقال للثور الأسود والثور الأحمر: «لا يدلّ علينا في أجمتنا إلا الثور الأبيض، فإن لونه مشهور، ولوني على لونكما، فلو تركتماني آكله صفت لنا الأجمة!». فقالا له: «دونك فَكُله».
ثم قال للأحمر: «لوني على لونك، فدعني آكل الأسود لتصفو لنا الأجمة!». فقال: «دونك فَكُله».
ثم قال للأحمر: «إنّي آكلك لا محالة!». فقال: «دعني أقول عبارتي الأخيرة». فقال: «اِفعل». فنادى: «ألا أني أُكلت يوم أُكِل الثور الأبيض».
ما لفتني، في تلك الأمثولة، أن الكاتب أوردها منسوبة لعلي بن أبي طالب. وأشار في الهامش إلى أنّ المَثَل الوارد في الحكاية هو من أجمل الأمثال العربية التي جاءت حكايةً عن الحيوان، تدعو إلى الاتحاد وتنفر من الفتنة.
كذلك، وردت تلك القصة مع بعض التغيير في التفاصيل في «كليلة ودمنة» لابن المقفّع. وبغضّ النظر عن المصدر الفعلي للرواية، ورغم أن أكثرنا يعرف ذاك المثل، إلا أننا وكالعادة لا يتعدّى المثل أذننا ولا يجري إلا على ألسنتنا، ذاك أننا شعوب تقرأ من دون أن تفقه، وتتألم من دون أن تتعلّم. تكتفي بالمبنى من دون أن تبحث عن المعنى. تحتفي بالظاهر رغم علمها بكذب المظاهر.
يقول سقراط: «لا علم بلا فضيلة، ولا فضيلة بلا علم، كما أنه لا جهل بلا رذيلة ولا رذيلة بلا جهل».
ويقول علي بن أبي طالب: «إذا أرذل الله عبداً حظر عليه العلم، والعلم دين يُدان به، وهو إحدى الحياتين، وأقلّ الناس قيمةً أقلهم علماً».
فمتى سنتعلّم ممّا نقرأ، يا «أمة اقرأ»؟
وللحديث تتمة.
منى عبد الكريم