الجيش السوري يتقدّم على محوري شرق حلب… والريف الشمالي نحو الباب الحكومة على نار هادئة واستراحة المفاوضين… والمهلة قبل عطلة الأعياد

كتب المحرّر السياسي

يستعيد الوضع الميداني في سورية مكانته في صناعة الحدث الإقليمي مع التطورات المتسارعة التي شهدتها جبهات مدينة الباب، حيث تتسابق ثلاثة أطراف على بلوغ مداخلها، فمن الجهة الشمالية الغربية يتقدّم الجيش التركي ومعه الجماعات السورية الملتحقة به ومن شمال شرق الباب تتقدّم قوات سورية الديمقراطية التي تتشكل في أغلبها من الوحدات الكردية، ومن جنوب غرب وجنوب شرق الباب يتقدّم الجيش السوري والحلفاء بعد النجاح بالسيطرة على العديد من القرى المحيطة بالمدينة، وبلوغ مسافة كليومترات قليلة فاصلة عنها، مع تغطية مكثفة نارياً بسلاح المدفعية الثقيلة والطيران الحربي، ما وضع تركيا التي كان رئيسها رجب أردوغان قد حدّد من المدينة السورية الهامة الواقعة على أبواب مدينة حلب من جهة الشمال الشرقي، هدفاً للحملة التي ينفذها جيشه وتعاونه فيها وحدات من جماعات سورية تابعة لتركيا. وأجرى أردوغان اتصالاً بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتقييم الموقف المتدهور هناك، بعد مقتل جنود أتراك، قال بيان حكومي إنهم سقطوا جراء غارة جوية سورية، وتقول مصادر إعلامية روسية من موسكو لـ«البناء» إنّ بوتين أبلغ أردوغان أنّ الباب كأيّ أرض سورية، يشكل دخولها من قبل الجيش السوري حق سيادي لا يقبل النقاش، وأنّ دعم هذا الحق هو من أولى التزامات روسيا بموجب معاهدة التعاون العسكري بين الحكومتين، وأنّ التزام روسيا بوحدة سورية وسيادتها يعنيان، عدم التغاضي عن انتزاع السيادة على أيّ بقعة جغرافية سورية من يد الدولة السورية، عندما يكون ممكناً للدولة وجيشها بسط سيادتها عليها، وأنّ التغاضي عن تدخلات غير منسقة مع الحكومة السورية لا يعني أنها قانونية، بقدر ما كانت واقعية المفاضلة بين وجود هذه الجغرافيا البعيدة عن يد الدولة السورية بيد القوى الإرهابية أو تواجد قوى أمر واقع فيها، كالوحدات الكردية أو القوى المدعومة من تركيا بمعونة جيشها، أما عندما يصير الجيش السوري جاهزاً للمهمة، وهذا هو الحال في مدينة الباب، فالقوات الروسية ستساند بلا تردّد مسعاها لبسط سيطرتها هناك. وتوقعت المصادر أن ينتج عن اتصال أردوغان ببوتين إيقاف عملية درع الفرات باتجاه الباب، خصوصاً أنّ مناطق سيطرة داعش الأقرب للحدود التركية تقع في الرقة، حيث منطقة العمليات الأميركية، وحيث الإسهام التركي من ضمن التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن يبدو

منطقياً أكثر من التوغل في عمق الأراضي السورية على أبواب حلب، حيث منطقة العمليات الروسية السورية المشتركة، وتركيا لم تبذل جهداً للتجاوب مع دعوات تنسيق حركتها مع الحكومة السورية.

في الميدان كان الجيش السوري وحلفاؤه ينجحون برسم معادلة عسكرية جديدة في شرق حلب مع التقدّم النوعي في مساكن هنانو وعبيدين والحويجة والمقبرة الإسلامية ما يسمح وفقاً للمصادر العسكرية في الميدان، بفصل أحياء حلب الشرقية التي يسيطر عليها المسلحون إلى قسمين، واحد يقع بين المطار ومنطقة الشيخ نجار الصناعية من جهة، وخط الانتشار الجديد للجيش وحلفائه من مساكن هنانو حتى حي الشيخ مقصود وصولاً للمقبرة الإسلامية، وثانٍ يقع بين الخط الجديد للجيش والمناطق الواقعة في الأحياء الغربية للمدينة من جهة ومعبر الراموسة من جهة أخرى. والقسمان سيكوّنان شريطين رقيقين منفصلين يسهل التعامل معهما وصولاً لبسط سيطرة الجيش عليهما بالتفاوض أو بالاقتحام أو بكليهما.

لبنانياً، تنام المفاوضات حول الحكومة الجديدة مع استراحة المحاربين لفترة تمتدّ من أسبوع إلى عشرة أيام، يتخللها سفر المفاوضان الأساسيان في التيار الوطني الحر وتيار المستقبل، الوزير جبران باسيل ونادر الحريري، ويغيب خلالها الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري لبضعة أيام، لتبدأ بعدها بثقة وهدوء جولات مكوكية يقول المعنيون بطبخة التشكيل إنها تحتاج أياماً قليلة لتذليل العقبات المتبقية بعدما حصرت بعناصر لا تهدّد فرص التشكيل وصفات الحكومة المتفق عليها كحكومة وحدة وطنية وحكومة معنية بصورة رئيسية بوضع قانون جديد للانتخابات النيابية والإشراف على إجراء هذه الانتخابات. وتقول المصادر المتابعة للمرحلة التي بلغتها المفاوضات إنها أنجزت ما هو بنيوي وهيكلي ومبدئي، وتخطت مراحل الخطر والفشل، والفيتوات، وبات الوقت ضرورياً لهدوء المواقف والخواطر والنفوس، بما يسهل مع عودة التفاوض مجدّداً السير بصيغ لا يشكل قبولها إحراجاً لأحد ولا يظهر كتراجع وتنازل من أحد، مؤكدة أنّ الأطراف المعنية رغم السقوف المتقابلة لطروحاتها في ما يخصّ ما يمكن وصفه بربع التشكيل الأخير، تدرك في سرها النقطة الحتمية للتسويات الممكنة وتوطن نفسها لقبولها، ولو أعلنت العكس، لكنها لن تصرّح بذلك طالما لم يصبح ما تقبله معروضاً بصورة رسمية، ولا يمكن للمفاوض أن يعرض ما لم يصبح المطلوب مؤكداً بين يديه، وهذا يصحّ في العقد القليلة لكن المهمة متبقية.

إنجاز نوعي للجيش في عرسال

في عملية استباقية نوعية وخاطفة، هاجمت قوّة خاصة من مديرية المخابرات فجر أمس، مركزاً لتنظيم داعش في وادي الأرانب في جرود عرسال، حيث اشتبكت مع عناصره بمختلف أنواع الأسلحة، وتمكنت من اقتحام المركز، وأسر 11 عنصراً، على رأسهم الإرهابي الخطير أمير داعش في عرسال أحمد يوسف أمون الذي أصيب بجروح بليغة. وقد أنهت القوّة العملية من دون تسجيل أي إصابات في صفوف عناصرها، وصادرت كمية من الأسلحة والذخائر والأحزمة الناسفة.

وأوضحت قيادة الجيش في بيان «أن الموقوف أمون متورّط في أوقات سابقة بتجهيز سيارات مفخخة وتفجيرها في مناطق لبنانية عدة منها الضاحية الجنوبية، بالإضافة الى اشتراكه في جميع الاعتداءات على مراكز الجيش خلال أحداث عرسال، وقتل مواطنين وعسكريين من الجيش وقوى الأمن الداخلي بتهمة التواصل مع الأجهزة الأمنية، وتخطيطه في الآونة الأخيرة لإرسال سيارات مفخخة إلى الداخل اللبناني لتنفيذ تفجيرات إرهابية».

رابط بين الخليتين؟

وربطت مصادر أمنية رفيعة بين الخلية التي استهدفها حزب الله منذ أسبوعين في عرسال وكشف خلية الأمس الارهابية، قالت لـ«البناء» إن «الخلية الإرهابية رصدها جهاز أمني خاص وتتبع سير تحركاتها منذ قرابة ثلاثة أشهر ونصف»، وتابع المصدر أن «استهداف المقاومة لخليتي النصرة وداعش في جرود عرسال خلال الشهر الحالي أدى الى أسر أحد قادة المجموعتين وهو سعودي الجنسية، وقد اعترف عن خلية الأمس، الأمر الذي أثار تحرّكات داعش والنصرة معاً لترتيب عمل أمني يعيد الاعتبار لهما من خلال التخطيط لما كان يعد في محيط عرسال وخارجها فتمّ إحباطه من خلال كشف خلية الأمس».

المصدر نفسه كشف لـ«البناء» أن «تقاطع معلوماتي أمني استخباري أدى الى كشف خلية وادي الأرانب وتوقيفها من دون عملية اشتباك واسع النطاق وبلا خسائر بشرية في صفوف الجيش»، وتؤكد المصادر أن «توقيف هذه الخلية أصاب داعش والنصرة بضربتين كبيرتين في خلال فترة أقل من شهر».

العملية تنسجم مع خطاب القسم

وبينما تحدثت مصادر أمنية عن أن «أمون هو أحد أبرز الإرهابيين وشارك في تفجيرات الضاحية وكان يحضر لعمليات انتحارية في الهرمل، وعلى علاقة بمنفذي جريمة القاع، قالت مصادر عسكرية وسياسية لـ«البناء» إن «هذا العمل الأمني يندرج في سياق الاستراتيجية التي وضعها الجيش منذ عام وفعلها مع وجود الرئيس ميشال عون في رئاسة الجمهورية وانسجاماً مع خطاب القسم الذي تحدث عن مواجهة الإرهاب تصدياً واستباقياً وردعياً. وهذه العملية تأتي في إطار العمليات الاستباقية الوقائية ضد الإرهاب»، وتؤكد أن «الجيش اللبناني حاضر للقيام بالمهمات الأمنية التي يتطلّبها الواقع اللبناني بشكلٍ محترف، كما أنها أثبتت أن الجيش يملك منظومة أمن واستطلاع هامة تمكنه من متابعة ما يجري في الميدان وأنه يملك القوة الضاربة المحترفة لمكافحة الإرهاب والمؤهلات للقيام بعملية أمنية رشيقة من دون أن يتكبد خسائر بشرية».

كما أوضحت المصادر أن «إنجاز الجيش أمس تناغم مع القرار اللبناني المتخذ بمكافحة الارهاب»، مؤكدة أنه لن «يكون للارهابيين درع أو حصن يمنع على الجيش ملاحقتهم أو وضع الخطوط الحمر أمام ضربهم كما كان سائداً في عهد الرئيس السابق ميشال سليمان». ونفت المصادر المعلومات التي تحدثت عن «إحياء الهبات المخصصة للجيش والقوى الأمنية أو التي تحدثت عن زيارة وفود سعودية عسكرية لبنان لترتيب منح الهبات»، وإذا لم تستبعد المصادر ردة فعل الإرهابيين على عملية الجيش، أوضحت أن «المجموعات الإرهابية لم ولن توفر فرصة تستطيع من خلالها القيام بعملية إرهابية بمعزل عن عمليات الجيش الاستباقية»، موضحة أن «الجيش والأجهزة الامنية اتخذا الاحتياطات اللازمة في عرسال وفي البقاع وكل المناطق».

ونوّه الرئيس عون بعملية الجيش وشدّد على أن «مثل هذه العمليات النوعية تعزز الاستقرار وتضع حداً للمخططات الارهابية وتكشف القائمين بها»، كما أعطى توجيهاته «لمتابعة التحقيق مع الموقوفين لمعرفة المزيد عن الشبكات الارهابية».

وأشاد حزب الله في بيان بـ«الضربة النوعية التي وجّهها الجيش اللبناني للمجموعات الداعشية الإرهابية في جرود عرسال». ورأى فيها «تأكيداً لدوره الأساسي في حماية الحدود وتخليصها من الإرهابيين، دفاعاً عن لبنان وأهله».

الحكومة بداية الشهر المقبل؟

لا تزال المراوحة تخيّم على مفاوضات تشكيل الحكومة في ظل تمترس القوى السياسية خلف مطالبها وشروطها ورفع الفيتوات والفيتوات المضادة، وأشارت مصادر قيادية في التيار الوطني الحر لـ«البناء» الى أن «ولادة الحكومة ستكون قريبة في مهلة أقصاها بداية الشهر المقبل ولن تتأخر كثيراً والعمل جارٍ لتذليل بعض العقد»، وأكدت أن «حكومة الـ 24 وزيراً هي القائمة حتى الساعة»، مستبعدة العودة الى الصيغة الثلاثينية، لكنها أكدت أن «هناك جهوداً حثيثة لتأمين تمثيل كل القوى السياسية»، نافية أن يتجه الرئيسان عون والحريري الى توقيع مراسيم تشكيل الحكومة من دون التفاهم مع باقي الأطراف لا سيما مع الرئيس بري»، موضحة أن «تشكيل الحكومة يتم بالتفاهم بين القوى السياسية لتأمين أوسع مشاركة حكومية للانطلاق بحكومة فاعلة ومنتجة وتواجه الأزمات القائمة».

وقالت مصادر في كتلة التنمية والتحرير لـ«البناء» إنه «إذا حصلت حركة أمل على وزارة التربية فيمكن لأمل وتيار المردة التوصل لحل بينهما». واستبعدت المصادر أن يقدم رئيسا الجمهورية والحكومة على تشكيل حكومة أمر واقع في أواخر الشهر الحالي من دون المكوّن الشيعي في حال لم يتم التوافق على تشكيلها»، وأضافت: إذا استطاعوا ذلك فليفعلوا.

وأشارت المصادر الى أن «مطالب الرئيس نبيه بري في الحصول على وزارتي المالية والأشغال العامة والنقل أمر ليس بمستحيل، وبالتالي العقدة ليست عندنا ولا عند المردة بل عند حزب القوات اللبنانية الذي يضع فيتوات على منح المردة حقيبة أساسية ورفض تمثيل أطراف أخرى».

وأضافت المصادر: فليعلن الرئيس المكلف سعد الحريري بصراحة أنه سيعطي التربية للمردة ولتعلن القوات موافقتها التخلي عن الأشغال، ونحن والمردة نحل الأمر بيننا». ولفتت الى أن الكرة في ملعب الرئيسين عون والحريري وأن الرئيس بري لم ولن يكون المعرقل للتشكيل بل هو مسهّل لولادة الحكومة».

وفي موقف لافت، آثار رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني النائب طلال أرسلان التساؤلات بتغريدة نشرها على موقع «تويتر» قائلاً: «نشعر بأننا نتعرض لتآمر كبير مع الأسف والأيام المقبلة ستظهر الحقائق وسنسمّي الأمور بأسمائها عندما تنجلي الصورة».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى