«النار ولا العار»… نارٌ مقاومة تزنّر كيان العدو!
هاني الحلبي
تداولت وسائل الإعلام أخباراً وصوراً لأول مرة ترى مغتصبات العدو اليهودي وقد حاصرتها ألسنة اللهب، وأتت على أحراج واسعة. ودولة الاغتصاب تستغيث بحلفائها لنجدتها بالإطفاء!
تصاعدت الحرائق في مناطق الشمال والوسط الساحلي والضفة الغربية، في عشرات الأمكنة التي نقلت النار من مكان إلى مكان، بحيث لا يمكن تصوّر حصولها صدفة، أو لسبب طبيعي محض، بخاصة متى نعرف حداثة البنية التحتية في كيان العدو، ومدى الجهوزية لما يسمّى دفاعاً مدنياً، وهو حالة عسكرية بحتة، مستنفر على مدار الساعة، عند أي جرس إنذار يقرع في مناطق الكيان.
وربّ مَن يشكر الله، أنه لم يمض أسبوع على منع رفع الأذان في مساجد فلسطين عبر مكبّرات الصوت، حتى اقتصّ من الظالمين العتاة، أعداء الله، أعداء الأمة.
وسيان إنْ كان الله، هو مَن توجّه إليه أصابع الاتهام المبارك، أو أصابع المقاومين المباركة، الذين وجدوا أسلوباً جديداً غير سكاكين المطبخ، بعيدان الكبريت، أو بقداحات الجيب لإضرام النار في هشاشة كيان هزيل، من ورق مقوّى، بل أوهن من بيت عنكبوت، في طقس عاصف.
المهمّ، أنّ النار الفلسطينية المقدّسة قد أرعبت قيادة الكيان الغاصب ووضعتها أمام استحقاق الخطر بأسباب بسيطة، لا تلزمها تقنيات ولا علوم ولا قرارات همايونية من إمبراطور السلطة التي استشعرت في ضعفها قوة عظمى فتطوّعت للغوث المشبوه!
سبحان الله مَن يحنّن هذه السلطة على شريكها المضارب بأعناق الشعب الفلسطيني. لم يخجل آل عباس رئيس السلطة وزوجته وابنه ولا آل غنيم وغيرهم من «آلات» فلسطين الضحية أن يعقدوا مؤتمراً يسمّونه مؤتمراً وطنياً مركزياً لحركة فتح، عبر ثلاثيات أسرية. و«فتح» إحدى أهمّ وأوسع حركات المقاومة الفلسطينية، بل من الأهمّ في العالم العربي، خلال النصف الثاني من القرن العشرين، قبل أن يتمّ خداع أبرز قادتها الرئيس السابق ياسر عرفات في ما عُرف بمؤتمر اوسلو ومشروع السلطة، ليكتشف أنه تمّ اغتيال المنظمة وربما القضية كلها، فحوصر في بيت السلطة في رام الله حتى تمّ خرق جدرانه خلال قمة بيروت العام 2002، ومحاولة هدمه على رأسه، قبل أن يتجه قرار تصفيته بالسمّ بعد سنتين ونيّف!
اغتيال المنظمة الفتحوية، بسلطتها، وتأبيد الرؤساء خلافاً لنظامها، وتحوّلها أوليغارشية فئوية متقاسمة فتات الرباعية الدولية والرباعية العربية وغيرها من رباعيات، غير رباعيات الخيام المجيد الذكر، حوافز أطلقت في الدم الفلسطيني ناراً جديدة، ربما هي في اتجاه ليحترق هذا الهيكل على رؤوس من يدّعون أنهم أصحابه.
الرشق بالحجارة، كان اول سلاح استراتيجي فلسطيني خالص، أوجد حالته الوطنية، حتى تربعت «النقّيفة» الشبيهة قبضتها بشارة النصر لتسمح بمرور حجر بهي من بين زنديها إلى هدف محقق، وكذلك شقيقها «المقلاع» الذي استعاد لفلسطين وأرضها صورة عميقة، فإنْ لم يقاوم البشر في فلسطين قاوم الحجر!
سكاكين المطابخ لم تحقق توازناً مقاوماً استراتيجياً مع العدو. بل تحوّلت بسبب تورّط السلطة بالخضوع الكلي والفعلي لمخططات تسريع ذبح القضية وقتل الشعب الفلسطيني، بما استحدثته سلطات الكيان العدو من تدابير طغيانية أسمتها قوانين عقابية هائلة بحق مَن يقاوم. عقوبات خيالية بحق فتية الحجارة وراشقي آليات العدو، وغرامات لا تطيقها جيوبهم ولا جيوب أهاليهم، فضلاً عن هدم بيوت أسر المقاومين وتشريدها واعتقال زوجاتهم أو بناتهم أو أبنائهم.. وغيرها من العقوبات التي تهدف إلى تدمير الروح واغتيال الكرامة وشهامة الفلسطيني وعرضه بعد اغتصاب أرضه..
أعواد الثقاب، النموذج الثالث من المقاومة الشعبية الفلسطينية. مقاومة فقراء فلسطين ومعدمي الحال وبطّالي العمل وضحايا الدولة الكيبوتز، الدولة الغيتو، الدولة المعازل التي اغتالت شبابهم وأرضهم وترابهم وكيانهم والهواء، لتصبح فلسطين سجناً لأرواحهم ولأنظارهم ولعطاءاتهم تسيّج فيها أحلامهم قرارات يومية: منع التجوّل، قرار الاستدعاء للتحقيق والترخيص بالتنفس، فضلاً عن أيّ عمل قد يطوّر حياة هؤلاء الميامين، بحيث لا يبقى أمام الفتى إلا القتال بما ملكت يداه، او الرحيل!
حجارة فلسطين تقاتل!
سكاكين المطابخ تقاتل!
أعواد الثقاب تقاتل!
النار الفلسطينية تقاتل، وكيان العدو، الثكنة الأميركية الأوروبية العبرية العربية الخليجية التكفيرية الإخوانية في فلسطين تحترق!
… وأنتم ماذا فاعلون؟
لنحرق المزيد من الأشجار!
ها هي الحجارة تناديك: احملني وارم بي محتلاً لفظته الأمم ورذلته إليك ليتطهّر هذا العالم!
ها هي السكاكين ترجوك: اقبض عليّ واطعن بي صدر غازٍ أغلقت عليه قلوب الشعوب وليس غيرك منقذ!
ها هي أعواد الثقاب تستغيث: اشعلني بنقطة من دمك لألهب سجانك وقاتل أخيك وميتّم ابنك ومرمّل أمك ومُثكل زوجتك!
ها هي الأشجار تهتف: أنتم لستم بأشهم منّي. أنا زيتون فلسطين، أنا صنوبر الجليل، فدية هذه الأرض. احرقوني ليستسلم هذا العدو الأخطبوط الذي تتسلل أذنابهم السوداء إلى خدوركم السوداء في ليلة حالكة بالمجازر والقتل والدماء والاغتصاب والحبوس والصرخات والدموع ونسغ الأشجار!
لأجلك يا فلسطين هذا القليل!
أنتِ يا من قبلتِ كما قبلتْ صيدا قبلك «النار ولا العار». نار الناس والجبال والأودية والأغوار والهضاب والأحراج مع كرامة الحياة وقرار المواجهة الشعبية في حرب تحرير قومية تقاتل بكلّ شيء بلا انقطاع حتى النصر، ولا عار «إسرائيل» الخضراء والكيبوتزات النظيفة، ولا المغتصبات البيضاء، ولا الدولة المثال بالمدنية المقامرة المقاتلة بالهواء والنور والماء والتراب حتى آخر نقطة دم منا!
«النار ولا العار» الحكمة الفينيقية… التي لا يمكن أن تخطئ!
باحث وناشر موقع حرمون
haramoon.org/ar وموقع السوق alssouk.net