هل لدى الرئيس المنتخَب دونالد ترامب استراتيجية ما؟

ترجمة: ليلى زيدان عبد الخالق

كتب تيم أندرسون لـ«Global Research»:

تصبح التوقّعات صعبة في ظلّ الشعبوية التي تسود السياسة الأميركية بما فيها تلك الخاصة بالرئيس ترامب. فقد أُسّست أمة «الحرّية» على فكرة العبودية الشاملة، وقد كان من الصعب أخذ الأمور بظاهرها. وكما قالت هيلاري كلينتون، إن السياسيين الأميركيين يحتاجون إلى مواقف خاصة وشعبوية على حدّ سواء. وقد ذهب ترامب أبعد من ذلك في محاولته مواجهة الضغوطات الهائلة لـ«تطبيع» العلاقات مع النخبة العسكرية ـ المالية في مكتبه الرئاسيّ.

ومع ذلك، هناك مؤشرات تؤكد أنه يوجد خلف هذه الواجهة الخام لترامب، مَن يريد كسر إجماع النخبة وهو نوع من طريق ثالث أميركي، يجمع بين توسّع عسكريّ عدوانيّ، وقاعدة رأس المال في مواجهة الليبرالية الاجتماعية. إنه استغلالٌ للاستياء الجماهيري من هذا الإجماع، والذي تمظهر بوضوح في «وول ستريت» والمؤسسات الإعلامية الداعمة لكلينتون، وقدرته وبالطبع، على إبراز خيانة أيّ دائرة انتخابية، مدّعياً ـ بسخافة ـ إمكانية إنعاش الاقتصاد الأميركي، مستخدماً مهارات التطوير العقاريّ.

فضلاً عن ذلك، فإن ترامب ليس رجلاً غبياً. وكما كتبت ماري خوسيه في الولايات المتحدة: علينا عدم المبالغة في التركيز على إظهار هذه العيوب، ولا حتى إخفائها أو التصريح عنها على أنها فضائل. فهناك قوى حقيقية في العمل توازي عظمة القوى السابقة، تطالب بتعديل النخبة. وقد ذهبت معظم القوى الدينامية الاقتصادية للولايات المتحدة، وكذا جيشها ـ وبإفراط ـ إلى مناطق الشرق الأوسط حيث النزاعات التي لا تنتهي.

يرفض ترامب الحرب بالوكالة في سورية، وذلك لكونه في الأساس واقعيّاً جداً لينأى بنفسه عن مشروع الإمبراطورية الفاشلة. فهو قد تعهد بالعمل مع روسيا ضدّ الجماعات الإرهابية التي نشرها وطوّرها كلّ من بوش وأوباما. حتى أنه تجرّأ على مهاجمة العقيدة المقدّسة لـ«استثنائية» الولايات المتحدة. ويبدو واضحاً أن هذا كلّه يعمل جنباً إلى جنب مع روسيا في مناهضة مشاريع «الشرق الأوسط الجديد».

وكذلك، استخدم ترامب الأساليب القديمة لمدرسة البنتاغون، مجادلاً في إمكانية الإحياء العسكريّ ـ أي إعادة إحياء العسكر، مستخدماً خطاباً قوياً ضدّ إيران وكوبا، ومراكز الاتصال المعارِضة في الآونة الأخيرة من قبل أوباما. لا ينبغي لنا المبالغة في نشر «فضائل» أوباما. فقد هُزمت الولايات المتحدة الأميركية في كلا الحالتين، وهي تسعى إلى الإبقاء على العقوبات الاقتصادية الشرسة ضدّ هؤلاء وغيرهم من الدول المستقلّة الأخرى.

ويبدو جليّاً أن ترامب سيقرّر التراجع عن عدم الترحيب بحرب الولايات المتحدة الأميركية بالوكالة في سورية. لكن يبقى أن ننتظر لنرى إلى أيّ حدّ يمكن لهذا أن يمثل تحوّلاً في الاستراتيجية العالمية.

لا تنحصر العلامة الأكثر تميزاً بالنسبة إلى باقي العالم في ترامب وتغيير وتحويل واشنطن من وحش إمبرياليّ إلى مواطن عالميّ مسؤول. إذ يمكن لهذا الأمل أن يبدو أكثر وضوحاً من خلال إعادة الاعتبار إلى التوجيهات الداخلية الممكنة للشوفينية الأميركية، والتي ستمنح باقي العالم فرصةً للتنفس.

لمَ ربح ترامب؟ لمَ خسرت كلينتون؟

كتب روبرت بيري لـ«NewsWeek»:

أصبحت هيلاري كلينتون في النهاية صاحبة ذلك الوجه القاسي، الجاهل والمتعجرف، المتبرئ من كلّ حسّ مؤسساتيّ، بينما ظهر ترامب على أنه تلك السفينة المفتقرة إلى كلّ مقوّمات النقص المتجسّدة في ذلك الغضب الشعبيّ الذي انفجر تحت سطح الولايات المتحدة الأميركية.

هناك الكثير مما يجب أن نخشاه من رئاسة ترامب، خصوصاً في ظلّ استمرار سيطرة الجمهوريين على الكونغرس. فقد تجاهل ترامب وغيره من الجمهوريين الورقة الرابحة التي كانت بين أيديهم، ألا وهي ظاهرة تغيّر المناخ وفضلوا عليها المزيد من التخفيضات الضريبية للأغنياء. هم يريدون تحرير «وول ستريت» وغيره من الصناعات القوية الأخرى ـ أي كلّ السياسات التي ساهمت في خلق الفوضى الحالية التي تتخبّط فيها الولايات المتحدة الأميركية وغيرها من دول العالم.

وعلاوةً على ذلك، فإن شخصية ترامب تعتبر إشكالية على أقلّ تقدير. فهو يفتقر إلى المعرفة، كما أن مزاجه يحبذ أن يرى فيه أيّ أحد الرئيس ـ أو حتى أيّ منصب أقل قيمة في الدوائر الرسمية. يتغنى بأفكاره العنصرية، وكرهه للنساء، وبتفوّق البيض وتعصبه تجاه المهاجرين وتحامله على المسلمين. يفضّل التعذيب ويريد بناء جدار عملاق يفصل الولايات المتحدة الأميركية عن حدودها الجنوبية.

غير أن جزءاً من الناخبين الأميركيين عمدوا إلى اختياره، لشعورهم بتلك الحاجة إلى أداة حادّة لتحطيم المؤسسة الحاكمة السيئة التي حكمت أميركا على مدى العقود السابقة. وهذه لا تعتبر فقط مؤسسة يمكنها الإمساك بجميع مفاصل الثروات الجديدة المنتجة في البلاد، بل أيضاً إرسال عرضٍ للقوات الأميركية في حروب الاختيار، كما لو أن حياة جنود الطبقة العاملة ليس ذات قيمة تُذكر.

أما في ما يختصّ بالسياسة الخارجية، وإنشاء سلّم للمحافظين الجدد، وتدخلاتهم الليبرالية، وهم مجموعة من النخبة المتعجرفة التي غالباً ما تخضع المصالح الأميركية لتلك «الإسرائيلية» والسعودية، لأهداف سياسية ومالية.

وكانت خيارات الحروب في ائتلاف المحافظين الجدد / الليبراليين الصقور كارثياً ـ من العراق إلى أفغانستان وليبيا وسورية وأوكرانيا ـ ومع ذلك، فإن هذه المجموعة لا يمكن أن تتعرّض للمساءلة. كما أنّ الأشخاص أنفسهم، بمن فيهم المحاربون في وسائل الإعلام، والمفكرون العلماء، يرتدّون من كارثة إلى أخرى من دون اعتبار للعواقب والمغالطات التي تحدث خارج المجموعة. وفي الآونة الأخيرة، عرّضوا أنفسهم لخطر نشوب حرب باردة جديدة ومكلفة مع روسيا.

ومن بين جميع أخطائه، فإن ترامب كان واحداً من هذه الصور العامة القليلة التي تجرأت على مواجهة وتحدّي «المفكّرين» حول البقع الحالية الساخنة في سورية وروسيا. وردّاً على ذلك، فقد اختارت كلينتون وغيرها من الديمقراطيين الانخراط في «المكارثية» الخام، مع مراقبة كيفية إيقاع كلينتون لترامب، باعتباره «دمية» فلاديمير بوتين في المناظرة الرئاسية الأخيرة قبيل الانتخابات الرئاسية.

واللافت، أن هذه التكتيكات فشلت فقد تحدّث ترامب عن تعاون مع روسيا، بدلاً من خيار المواجهة، وربح. كذلك، فإن نصر ترامب يعني أنه عوضاً عن التصعيد في مسألة الحرب الباردة الجديدة مع روسيا، فإن هناك احتمال تقليص حدّة التوتر.

التبرّؤ من المحافظين الجدد

وهكذا، فإن علامات انتصار ترامب، تمثل التنصّل من عقيدة المحافظين الجدد / الصقور الليبراليين، إذ إن الحرب الباردة الجديدة قد حضنت إلى حدّ كبير مفكّري صقور المحافظين الجدد، الذين بُعثوا إلى الحياة من جديد من قبل المسؤولين من أمثالهم في وزارة الخارجية الأميركية، والذين يتغذّون من الدعاية عبر وسائل الإعلام الغربية السائدة.

لقد كانت للغرب، وليس روسيا، آثاراً في المواجهة في أوكرانيا من خلال المساعدة ـ وبشراسة ـ على تثبيت النظام المعادي لروسيا على الحدود الروسية. وإني أدرك جيداً أن تأطيراً ما قد حصل في وسئل الإعلام الغربية، مفاده أن عدواناً روسياً قد حصل في المقام الأول، بهدف تشويه الحقائق. هناك طرق سلمية لتسوية الخلافات الداخلية في أوكرانيا من دون انتهاك المسار الديمقراطي، لكن المحافظين الجدد الأميركيين، كمثل مساعد وزيرة الخارجية فيكتوريا نولاند، وأغنياء المحافظين الجدد، كمثل المُضارِب المالي جورج سوروس، قد دفع إلى الانقلاب الذي أطاح بالرئيس المنتخب فيكتور يانوفيتش في شباط عام 2014.

وقد تضمّن ردّ بوتين، بما فيها قبوله لنتيجة الاستفتاء الشعبي في شبه جزيرة القرم، الذي ساند بغالبيته الساحقة العودة إلى الأحضان الروسية، داعماً المتمرّدين الروس شرق أوكرانيا في معارضتهم النظام الانقلابي في كييف، ما أدّى إلى ردّ فعل على تصرّفات الغرب لزعزعة الاستقرار والعنف. ولم يكن بوتين أبداً هو المحرّض على العنف.

وبالمثل، فإن استراتيجية الغرب هي «تغيير النظام» في سورية، والذي يعود إلى تخطيط المحافظين الجدد في منتصف التسعينات من القرن الماضي، مشاركين في التعاون مع عناصر تنظيم «القاعدة» الإرهابي وغيرهم من الجهاديين الإسلاميين للتخلّص من حكومة بشار الأسد العلمانية. ومجدداً، فقد صوّرت واشنطن الرسمية، ووسائل الإعلام الرئيسة هذا الصراع على أنه خطأ ارتكبه الأسد، غير أن ذلك لم يكن الصورة كاملةً. فمنذ بداية الصراع في سورية عام 2011، ساعد «حلفاء» الولايات المتحدة، بمن فيهم السعودية، قطر، تركيا، ودول الخليج، المتمرّدين، وموّلوهم بالأسلحة والمال، وخصوصاً «القاعدة» و«جبهة النصرة».

وعلى رغم أن الرئيس أوباما انسحب على عقبيه، حال إعلان رئيسة الوزراء آنذاك هيلاري كلينتون التدخل المباشر في سورية، إلا أنه ذهب إلى منتصف الطريق، منحنياً للضغوطات السياسية من خلال الموافقة على تدريب وتسليح من يسمّون أنفسهم بـ«المعتدلين»، الذين انتهى بهم المطاف يقاتلون إلى جانب عناصر «القاعدة» و«جبهة النصرة» وغيرهم من الجهاديين على غرار «أحرار الشام».

ويعي ترامب جيداً عدم الدقة في وصف السياسات المتبعة في سورية، إلى جانب الإيحاء بإمكانية التعاون مع روسيا لتدمير «داعش». غير أنه يبدو أن ترامب لا يفهم جيداً دور «القاعدة» في إحكام السيطرة إلى حلب الشرقية وغيرها من الأراضي التركية.

منطقة غير مدوّنة على الخريطة إذاً، انخفضت قدرة الولايات المتحدة الأميركية، بعدما حوّلها الناخبون الأميركيون إلى مقاطعة بعيدة عن التاريخ يحكمها رئيسٌ يفتقر إلى عمق المعرفة في مجموعة كبيرة من القضايا. فمن ذا يا تُرى، الذي سيرشد الرئيس ترامب ليصبح متمرّساً في القضايا الأكثر إلحاحاً اليوم؟

فهل سيعتمد على الجمهوريين التقليديين الذين بذلوا الكثير لخلق الفوضى في البلاد وفي العالم، أو أنه سيجد بعض الواقعيين ممن يتمتعون بالتفكير النقيّ الذي سيُعيد تنظيم السياسة مع المصالح والقيم الأميركية الأساسية.

وإلى حين الوصول إلى هذه النقطة الحاسمة وغير المؤكدة، فإن الحزب الديمقراطي يستحق أن يتحمّل الكثير من اللوم. وعلى رغم الإشارات التي تؤكد أنّ عام 2016 هو عام مكافحة المرشحين بامتياز ـ ربما لمرشح مثل السيناتور إليزابيث وارن أو السيناتور بيرني ساندرز ـ فقد قرّرت القيادة الديمقراطية أن الدور الآن هو لهيلاري فقط.

أُحبطت عزائم المرشّحين مثل وارن من الإكمال في السباق حتى الرئاسة، لعلّ «التتويج» يكون من نصيب كلينتون. ما ترك الاشتراكية البالغة من العمر 75 سنة من ولاية فيرمونت العقبة الوحيدة لترشيح كلينتون. كما اتّضح أن ساندرز كان مرشحاً قوياً، غير أن ترشيحه هذا تمّ حظره في نهاية المطاف من قبل المهتمين والمطّلعين الديمقراطيين، بمن فيهم المندوبون غير المنتخبين الذين منحوا كلينتون صورة المرشحة التي لا تُقهر.

ومع غمامات ثابتة في مكانها، فإن الديمقراطيين قد رزحوا تحت نير عربات كلينتون محاولين تعبيد طريقها إلى البيت الأبيض، لكنهم تجاهلوا حقيقة أن عدداً من الأميركيين قد جاؤوا لرؤية كلينتون وتجسيد كلّ ما هو خاطئ حول العالم من الانعزالية والفساد المستشري في واشنطن الرسمية… وهذا هو السبب الذي حدا بترامب أن يصل إلينا على طبق من فضة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى