سورية رفعت الحضور الروسي في مستقبل الغرب «كضرورة»
روزانا رمّال
تتقدّم عمليات الجيش السوري في أحياء حلب الشرقية كمن لم يتوقع في مثل هذا الوقت الضائع الذي تعيشه الولايات المتحدة الأميركية وهو المخصّص لفترة التسليم والتسلّم التي من المفترض أن يشهدها البيت الأبيض بوداع إدارة الرئيس باراك أوباما واستقبال إدارة جديدة للرئيس المنتخب دونالد ترامب، لكن وعلى ما يبدو فإنّ روسيا التي أجادت فرض حضورها العسكري في سورية من دون فرض مترتبات محلية ودولية تذكر عليها تذكر حتى الساعة بين عقوبات ومقاطعة سياسية اجادت ايضاً اليوم استثمار الوقت الضائع التي تبدو فيه واشنطن شبه المتفرجة على انهيار لمسلحين لم يعد موفقاً خيار دعم اتخذته لأكثر من ست سنوات كاصفاف مباشر وغير مباشر ضد نظام الرئيس السوري بشار الاسد، فبدا انه خيار استنفد أميركياً لجهة قلب ميزان المعركة.
الحديث عن الحضور الروسي بالمنطقة قياساً لحجم ردود فعل غربية بمستوى الخطوة الروسية يأخذ نحو تقلص الخيارات الغربية تجاه الخطوة الروسية التي يبدو أنّ جزءاً وافراً من المجتمع الغربي تحديداً الأوروبي قد رأى فيها ضرورة له قبل مبدأ «حماية الامن القومي الروسي» التي تتحدث عنه أجهزة الاستخبارات الروسية من خلال تأمين السلام على الأرض السورية ومكافحة الإرهاب. فموجات التطرف التي اجتاحت أوروبا في السنتين الماضيتين كانت الأسوأ منذ عقود. وعلى هذا الأساس واجهت الدول الأوروبية الكبرى الداعمة للحرب على سورية أزمات محلية هزت الخيارات واخذت الشعوب نحو رغبة جدية باستبدالها بما هو اضمن لمرحلة اشد خطورة مما بدا على انه محطة للحريات في العالم العربي وأحد أبرز الدول المتضررة كانت بريطانيا التي عاشت انقلاباً ناعماً على السلطة بكل ما للكلمة من معنى، بعدما اضطر رئيس وزرائها الاسبق تقديم استقالته إثر محاسبة لجان قانونية لسلوكه وسلوك سلفه طوني بلير في الشرق الاوسط من ليبيا فسورية ورجوعاً الى العراق. وهو الامر الذي لم يعد يمر مروراً عادياً عند البريطانيين الذين قدموا نموذجاً دقيقاً لباقي الانظمة الاوروبية من المحاسبة. لعل فرنسا اليوم هي اكبر المستفيدين من الدرس البريطاني الشديد القسوة نتيجة سياسات خاسرة في حروب المنطقة.
تتقدم فرنسا هي الأخرى حسب المعلومات واستطلاعات الرأي نحو تغيير جذري في سياساتها الخارجية. فالمزاج الشعبي الفرنسي على ما يبدو يأخذ بعين الاعتبار وعلى محمل وازن من الجدية موجات الارهاب التي اجتاحته فقرّر التوجه نحو التغيير، وها هو المرشح فرنسوا فيون يعيش محطات انتخابية تقرّبه يوماً بعد الآخر من الوصول الى قصر «الاليزيه». فبعد فوزه الكبير في الدورة الأولى من الانتخابات التمهيدية لليمين والوسط، بات مرشحاً أقوى للفوز بالرئاسة. وهذه النتيجة ليست سوى دليل على خيار الفرنسيين الجديد ففيون تحدث اكثر من مرة عن رؤيته تجاه سورية والشرق الأوسط، معلناً نيته «اختيار» التعاون مع الرئيس السوري بشار الاسد طالما انّ هناك طرفين في سورية، واعادة فتح سفارة بلاده في دمشق. يقدّم فرنسوا فيون اجندة يرفع فيها أسهمه من خلال اعتبار مسألة مكافحة التطرف والاصولية التي يدرك انها تتغذى في فرنسا اليوم أكثر من أي وقت مضى المسألة الأكثر أهمية. مكافحة الاسلاموفوبيا هاجس المرشح فيون اما ما وراء الخبر، حسب معلومات صحافية فإن فيون هو «صديق شخصي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فقد كان الرجلان يمضيان أوقاتاً ودية بسبب انسجام قديم العهد وصداقة تجمعهما إضافة الى تمضية إجازات سوياً تحديداً في ارياف روسيا باستضافة الرئيس الروسي».
لا يمكن وضع السعي للاقتراب من الرئيس الروسي أو التوجه لمد اليد للتعاون الدولي معه خصوصاً في المستقبل الأميركي من خلال ما عبّر عنه الرئيس دونالد ترامب، واليوم من خلال المرشح فيون إذا فاز بالرئاسة الفرنسية إلا ضمن حسابين أساسيين يتعلقان بروسيا حول «المكانة والدور». وهما ركيزتان خضعتا لشتى أنواع الاختبارات فحسمت سورية النتيجتين. وها هي تعيد موسكو الى الساحة الدولية نقطة جذب العالم السياسي ومستقبل شعوبه. اجادت روسيا التمسك بملف رفع من سقف حضورها الدولي بعدما كادت الرهانات الأميركية منذ تفكك الاتحاد السوفياتي وتأسيس الاتحاد الأوروبي كمهمة أساسية في تحجيم روسيا تطيح بنفوذها وتأثيرها الدوليين. الحرب في سورية ودعم الجيش السوري أخذ العين الدولية نحو تطلع لمستقبل أكثر أمانا، لكن هذه المرة من منظار القيادة العسكرية الروسية ونظرة الكرملين السياسية. ربما الانفتاح المسبق على إيران مهد الطريق أيضاً نحو ما بات يعتبر تحصيلاً حاصلاً بقبول التعاطي مع الأسد لكن التاريخ سيسجل لإدارة الرئيس بوتين قدرة غير عادية على قراءة التوازنات واتخاذ خيارات كانت مستبعدة لوقت طويل. فالضغط الذي عاشته روسيا منذ عام 2011 وتمثل بتحريك المعارضة الروسية وفتح أزمة القرم كان يعني في ذلك الوقت انّ هناك من يريد الإطاحة بالنظام الروسي ايضاً، او فتح ازمات تستنزف القيادة الروسية لسنوات، فكانت أن قطعت الأخيرة الطريق ودخلت القرم بعملية عسكرية ومن بعدها الاراضي السورية.
رفعت سورية أسهم الحضور الروسي في «مستقبل» الغرب بشكل جعلها أقرب الى الشعوب منه الى انظمتها الحالية نتيجة الرغبة بالبحث عن الأمان. روسيا اليوم تقدم نموذج «المنقذ» من خطر تمدد التطرف من سورية لأوروبا فالعالم، فانكشف الموقع المصيري لسورية وما منحته الأزمة فيها من ساحة استثمار واسعة للسياسة الروسية «استثنائية» في كل العالم للمرة الأولى منذ عقود «الواحدية القطبية»..