لِمَ يحارَب «داعش»؟ وكيف ذلك بالافتقار إلى وجود الحلفاء؟
لِمَ هذا الرعب المصطنع حيال «داعش» في الولايات المتحدة؟ لِمَ توافق الغالبية على توجيه ضربة عسكرية إلى «داعش» في ظلّ عدم وجود استراتيجية جيدة للتعاطي مع هذه القضية، الأمر الذي سيخلق متضرّرين كثر يرغبون في قتال الغرب؟
المسألة برمّتها ليست منطقية. فـ«داعش» تنظيم إرهابي وخطِر بنى معتقداته على أسس عقائدية إيديولوجية صارمة وعنيفة، جذبت إليه عدداً من الأتباع، وأُنشئ في أعقاب الهجوم الأميركي على العراق. وبعدما حلّ «القيصر» بريمر الجيش العراقي وخلق مئات الآلاف من الرجال العاطلين عن العمل. فضلاً عن حملته التي شنّها لاجتثاث حزب البعث من العراق والتي جعلت الآلاف من موظفي الدولة والتكنوقراط السنّة في حال يُرثى لها من الفقر والجوع. قام الدستور العراقي المخطوط بحبر أميركي بتكريس الطائفية في البلاد.
لم تُجدِ الحكايات الدعائية الغربية حول ذبح الحكومة السورية للسنّة نفعاً ـ على رغم أنّ غالبية أعضاء الحكومة من السنّة. لكن ادّعاءات كهذه مكرّرة مراراً ومترافقة مع عبارات جوفاء مثل «الحرية» و«الديمقراطية»، ساعدت في تحريك مقاتلين أجانب كثيرين، ممّن انضموا الآن إلى «داعش».
يشكّل تنظيم «داعش» خطراً على من يعيش في سورية والعراق، وكذلك على بعض حكومات المنطقة. لكن الأمر ليس كذلك بالنسبة إلى الولايات المتحدة أو أوروبا. وحتى لو قام بعض مناصري «داعش» بأيّ عمل إرهابي في الغرب، فهذا لن يعدو كونه حدثاً طفيفاً في سلسلة من الحوادث الإرهابية المحلية التي حصلت خلال العقود الماضية.
لِمَ إذاً سيقاتل الغرب «داعش»؟ ومع من سيقاتله؟
أجبرت الولايات المتحدة المالكي على الاستقالة من حكومة العراق. ورئيس الوزراء الجديد عبادي ليس أقلّ طائفية من المالكي. فحكومته الحالية تضمّ 11 عضواً سنيّاً بينما ضمّت حكومة المالكي خمسة عشر. انضمّ الأكراد إلى الحكومة الجديدة لفترة تجريبية تستمرّ ثلاثة أشهر، كما أنّ الوزارتين الأكثر أهمية، الداخلية والدفاع، ستكونان كما في عهد المالكي بيد رئيس الوزراء نفسه. فكيف يكون هذا التغيير الذي أطاح بالمالكي قد أثمر جديداً؟ كما أنّ أيّ مساعدة عراقية ضدّ «داعش» ستؤدي حكماً إلى مذبحة طائفية جماعية. وأيّ مساعدة غربية للشيعة أو الأكراد ستُستغلّ فقط لخلق مكاسب لهذا المجتمع أو ذاك.
«الثوار المعتدلون» في «الجيش السوري الحرّ» الذي تدعمه الاستخبارات الأميركية بالأسلحة والأموال السعودية هم فقط جيش صوَري. فأعضاء هذا الجيش متطرّفون دينياً ومجرمون ولا فارق يُذكر بينهم وبين «الداعشيين». وهذا الجيش يساند «داعش» علناً في لبنان. ويقول باسل ادريس، وهو قائد «لواء التمرّد» في «الجيش السوري الحرّ»: «نحن نساند مقاتلي داعش والنصرة في معركتهم ضدّ الجيش السوري النظامي في منطقة القلمون».
من الواضح أنّ مجموعات «الجيش السوري الحرّ» هي التي خطفت الصحافي والجاسوس «الإسرائيلي» ستيفن سوتلوف وباعته إلى «داعش». وعملية نحر هذا الصحافي في ما بعد، حدت بإدارة الرئيس أوباما إلى التفكير بتسديد ضربة عسكرية على أهداف «داعش» في العراق وسورية. لكن لِمَ لا يُضرب «الجيش السوري الحرّ» الذي خطف سوتلوف وسلّمه إلى «داعش». فالأسلحة التي تُسلّم لهذا الجيش تقع في النهاية بأيدي مقاتلي «داعش». أيّ اعتقاد بأنّ مجموعات «الجيش السوري الحرّ» المتعاطفة أساساً مع التنظيم «الداعشي»، قد تساعد في الحملة ضدّ هذا الأخير، ضربٌ من الجنون.
كما أنّ هناك تقصيراً فاضحاً من التعاون الدولي في المنطقة. فالدولتان الوحيدتان اللتان قدّمتا المساعدة إيران وسورية. الأردن لم يتورّط رسمياً في هذه الحرب خوفاً من تمرّد داخلي. أمّا تركيا التي يقودها الإسلاميون فتؤمّن الدعم والحماية اللوجستية لـ«داعش»، ولم تصنّف «داعش» على أنه منظمة إرهابية. «إسرائيل» ساعدت «القاعدة» و«جبهة النصرة» بالاستيلاء على الحدود السورية في الجولان، من خلال تخلصها من مواقع الجيش السوري الذي حاول إعاقة تقدّم الإرهابيين. ينشغل الأكراد في حماية مناطقهم من الهجمات «الداعشية» المتكرّرة عليهم. فهم غير قادرين أو لا يسعون إلى التورط في صراع عسكري. أما ديكتاتوريو السعودية فيخشون «الداعشية الوهابية المتطرّفة» أكثر من الوهابيين السنّة الصوَريين والشكليين الذين يحكمون السعودية. كما أنه من السخرية القول إنّ «داعش» سيضرب السعودية قريباً، هذا البلد الذي نمت فيه عقيدته الإيديولوجية وترعرعت وحصل منه على تمويله المالي. لن يساعد السعوديون في الحرب ضدّ «داعش»، ابنهم الروحي، خوفاً من تأجّج الصراع الداخلي.
ما من أحد من حلفاء الولايات المتحدة يرغب في قتال «داعش»، باستثناء قوى ثلاث: سورية وإيران وحزب الله، وهذه القوى تُعتبر العدوّ الأبرز للولايات المتحدة. فكيف يمكن لأيّ أحد في الولايات المتحدة أن يفكّر في شنّ حملة عسكرية ضدّ «داعش» من دون حلفاء محليين؟ ومن دون مركز ثقل ودعم حقيقيّيْن على أرض الواقع؟
وكأني بالولايات المتحدة الآن تريد اتخاذ قرار على مستوى مجلس الأمن الدولي ضدّ «داعش». لكن على روسيا والصين أن تحذرا جيداً حيال هذا الأمر. فقد تستغلّ الولايات المتحدة أيّ قرار من هذا النوع لتبرير هجمتها الجديدة على سورية.