بعد «محاكمة» البطولة…اغضبوا… أيها القوميّون؟
نظام مارديني
أسئلة كثيرة، وكثيرة جداً، يطرحها القوميون الاجتماعيون في هذه المرحلة التي يضعون فيها كلّ ثقلهم بالحرب على الإرهاب ويرتقي منهم شهداء. وليس سراً هنا القول إنّ الحزب السوري القومي الاجتماعي يكاد يكون الحزب العلماني الوحيد الذي ينخرط في هذه المعركة المصيرية من تاريخ بلادنا.
يقول فيلسوف الخطابة الروماني لاكتانتيسوس «الخوف والحكمة لا يجتمعان في مكان واحد». فالخوف يغلق العقل تماماً ويعطّل تجلياته الابتكارية في التخلص او مواجهة المآزق والمشكلات، ويجنح إلى الاحتماءات الضيقة، والحكمة هنا بمعنى التصرف السليم تجاه تحديات قائمة أو محتملة أو مفتعلة. وهي واردة جميعها، فثمة عفن في الدولة اللبنانية، كما لو أننا في «هاملت» وما قاله مارسيلوس لهوراتيو: «ثمّة عفن في دولة الدنمارك»!
بهذا القول لاكتانتيسوس، يجب أن يقبل السوريون القوميون الاجتماعيون التحدّي الحقيقي الذي يواجههم جميعاً من قبل أفراد منكوبين بفايروسات الخيانة المتعدّدة الأشكال والوظائف. وعلى القوميين أيضاً امتلاك الهمة والاستعداد لمواجهة هذا الغول وشبكاته الاخطبوطية المتسللة لتفاصيل حياتهم الفردية والجمعية.
ولكن هذا الوعي والاستعداد يحتاجان الى تغيير شامل في سلم الأولويات السائدة عندهم، بعدما قرّرت «العدالة» الانحدار في لجة حماية الخيانة ومحاكمة البطولة. وهي محاكمة تضع رموز الخيانة على رأس الهرم السياسي والاجتماعي تحت ذرائع شتى، بينما يجب أن تقبع الشخصيات الوطنية والقومية في قعره!
مهمة تجفيف منابع هذا الفايروس الخياني القاتل، تحتاج أولاً الى حكمة غير ملوّثة بالفوضى الفردية، بل تحتاج إلى دعم القوى الوطنية اللازمة، خاصة مع الأطوار الجديدة لشراهته الفايروس التي تجاوزت تضاريس الأفراد لتصل إلى بعض وسائل الإعلام المحلية «الجديد» و«M T V» نموذجاً والإقليمية قناة «العربية» السعودية ، ببركة تقنيات العولمة المتوحشة الفالتة من الضوابط الأخلاقية، تُضاف إليها شبكات التواصل الاجتماعي التي أصبحت مرتعاً لسدنة عقائد هلوسة الخيانة، على الصعد المذهبية والطائفية والعرقية، في منطقة تزداد توحّشاً وتهويداً داعش والنصرة والقاعدة نماذج للعقل المتهوّد . ولعلّ محطات التلفزة هذه تذكّرنا بقول ميلان كونديرا: «الخيانة هي الخروج عن الصف والذهاب نحو المجهول».
المفارقة المؤلمة هي تلك التي تكمن في اللاتوازن الصارخ الذي يعيشه مجتمعنا، بين حاجاته للبطولة التي تدفع نحو المزيد من الكرامة والعزة والعقلانية والثقة ومدّ جسور الاتحاد في الحياة، وبين هيمنة الخيانة الفعلية للضدّ النوعي لمثل هذه المعايير الحيوية لمجتمعنا.
للقوميين نقول، اغضبوا، فإنَّ الغضب أكثر فاعليَّةً من الفوضى، وأكثر قُرباً إلى ماهيَّة الإنسان الإنساني جداً، وسط هذا الهذيان الذي تتعرّضون له. ولنتذكّر قول أديبنا الراحل سعيد تقي الدين مَن «غازل الشرّ تزوّج الفجيعة».
عدونا الخفي الآن هو الفوضى والتشرذم، وهما يستعملان ضدّنا ونستعملها في ما بيننا على خلفية الفكرة نفسها، وهي فكرة تعطيل العقل، وهي الفكرة القادرة على أن تحوّل الجميع ضدّ الجميع!
يقول الثائر غيفارا: «لا شيء أسوأ من خيانة القلم، فالرصاص الغادر قد يقتل أفراداً، بينما القلم الخائن قد يقتل أمماً».
وللزعيم أنطون سعاده «الخيانة هي انتحار مناقبي وليس انشقاقاً».