فسيفساء صاخبة… ووجوه مثقلة بخطوط الزمن

عبير حمدان

لم تعتمد الفنانة غيفارا عطايا الفكرة الواحدة في تقديمها رؤيتَها الفنية عبر معرض «خبايا العيون» الذي أقامته في المركز الثقافي الروسي في بيروت وليوم واحد، بل اختارت الوقوف عند زاوية اللون وتشكيل الخطوط بين وجوه البشر المثقلة بالحكايات وتفاصيل الطبيعة ووجع الكائنات واتحادها في مكان ما.

عطايا الآتية إلى بيروت من القارة السوداء، حملت بين شعيرات ريشتها هيئة الأثنى التي تجعل من تمايلها طقساً ترابياً حميماً وثورياً، فقدّمت جزءاً من معاناة أنثوية لا تختلف كثيراً بين مجتمع وآخر، إلا في ما يتّصل بالعِرق واللون. وبحسب عطايا، فإن ثورة الأنثى تكون بالتعبير عن حجم المعاناة بالرقص والعمل والبيع وكلّ ما هو متاح لها من فرح أو ادّعاء الفرح.

ترافقنا عطايا في جولة سريعة وتشير إلى دور الطبيعة وكائناتها في بلورة رؤيتها الفنية فتقول: «لم ألتزم بفكرة محدّدة، المعرض حمل اسم خبايا العيون، ولكلّ كائن خفاياه حتى ولو لم يكن من البشر. حتى العصافير تخفي عوالمها ولكنّها تظهر قوية باتّحادها ولو داخل إطار. وللخيل عزّ مختلف، كما أن الحمار يمكنه أن يلقي بحِمله عند نقطة تعب، ويشكو من ثقل ما يحمل».

في مكان آخر، تبرز قسوة الرمادي في اللوحة لتثبت أننا حين نصل إلى مرحلة متقدّمة في التعب، تصبغ الحياة وجهنا بالملح، والتجاعيد تروي مُصابنا. لوحة «ملح يديه» تتحدّث عن ذاتها من دون أيّ جهد في التأويل، لكن في المقابل هناك انعكاس شقيّ للذاكرة من خلال «شقاوة ذاكرة»، حيث الخطوط تبتعد عن الرمادي وتطرح مادة مشبّعة بالقصص الجميلة ربما.

نقلت عطايا ما حفظته عدسة الزميل كامل جابر من خلال بعض لوحاتها حيث اختارت أن تجعل من الصورة الفوتوغرافية لوحة تشكيلية. وفي ذلك أثبتت أن العين قادرة على رسم المشهد كما يجب أن يكون.

تقف عطايا على مشارف الغروب لتنقل التواضع والخوف، وفي زاوية ما تبعث رسالة اعتذار إلى كلّ أمّ تعبت من المسير في نهاية الدرب وحيدة. وتبدو فلسطين حاضرة بإيقاع العود من خلال تشكيل الصمود ولو على القماش المتمسّك بمفتاح العودة.

عطايا عرضت للمرّة الثانية في بيروت بعدما أقامت أربعة معارض في أفريقيا، هي لم تبحث عن حشد كبير بل سعت إلى تقديم رؤيتها الفنية التي تقدّم إحساسها للمتلقّي بسلاسة بعيدة عن التعقيد، وهي جرأة فنية تُحسب لها في زحمة الأسماء وضجيج الألوان.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى