صاحب «الفخامة» لا تنسى رئاسة صُنعت بـ «دماء غالية»
روزانا رمّال
البداية من جمائل وفضائل يعيش هاجسها التيار الوطني الحر من أصحاب سوابق لم ترَ في العماد عون رئيساً بأسوأ حساباتها، سعت لتحجيمه سنوات واتهامه بالعمالة تارة للسوري وأخرى للإيراني لتتموضع أخيراً لجانبه، فكيف هذا؟
إذا كان على العماد عون تحمّل فضائل وجمائل القوات اللبنانية، فإن عليه أن يتذكر أن جميلاً من نوع « يُتم سياسي» تعيشه القوات اللبنانية منذ أفول مشروع 14 آذار في المنطقة وتخفيض الحضور الديبلوماسي الاميركي فيها هو «وهم» صنعته اطماع القوات اللبنانية في تغطية مأزق سياسي وقعت فيه بانتفاء مشروع سياسي يضمّها بعد التغير الكبير الذي طرأ على الشرق الأوسط، فلا مشاريع أميركية او عربية تنضوي تحتها القوات اللبنانية، لا «ثورة أرز» ولا سقوط للرئيس السوري بشار الاسد ولا قدرة على نزع سلاح حزب الله ولا التفاتة أميركية لأيتام سفارة سحبت اهتمامها لما هو أبعد من الأحزاب اللبنانية والسياسة المحلية وسط تجنيد الديبلوماسيين الأميركيين بالمنطقة لمسائل بحجم التطرف ومتابعة عمليات امتدادها منذ لحظة اغتيال السفير الأميركي في بنغازي حتى اليوم. أين أدوار مثل جيفري فيلتمان؟ أين واشنطن مما يجري في لبنان.. أين المملكة العربية السعودية التي سحبت دعم حلفائها مالياً؟ أين قطر التي حاولت أكثر من مرة استغلال فرص تدخلها مجدداً من بوابة التعطيل الرئاسي؟
إذاً: لا شيء أمام سمير جعجع، لا مشروع ولا مستقبل واضح المعالم، لا حاضن سوى ثوابت «لفظية» والحل؟ إما التحجيم أمام قوة التيار الوطني الحر الصاعدة «مسيحياً» بعد فشل رؤى جعجع لـ «الربيع العربي» و«حزب الله» و«النصرة وداعش» وإما حل وحيد: المصالحة مع عون.
نسي بعض اللبنانيين أن مسألة التحالف أو المصالحة المسيحية ليست نتيجة كيدية، فقرّر جعجع التوجّه لقطع الطريق على رئيس تيار المردة سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية. فالمصالحة المسيحية كانت محور شهور طويلة منذ ما قبل ترشيح الحريري لفرنجية ولا تتعلق بردّ فعل من جعجع حتى لو نجحت في ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد.
يعرف الدكتور جعجع أن هذا هو واقعه مسيحياً، «العزل او عون». فالمشاريع الأميركية الكبرى في لبنان بحجم «ثورة الارز» قد «أفل» نجمها منذ لحظة الدخول الروسي الى المنطقة. هذا ما استدعى انعطافة جعجع المبنية على قراءة استراتيجية وإلا هل يجيب على هذا السؤال أيّ قواتي عتيق: ماذا لو قررت واشنطن ضخّ قوة مالية وسياسية وعسكرية بالمنطقة وطرح مشروع جديد في لبنان؟ أين كان سيتموضع سمير جعجع؟ هل كان ليدعم ترشيح عون للرئاسة؟ ألم يكن هو مرشحاً أصلاً لرئاسة الجمهورية؟ هل كان وارداً أن يتخلى عن ترشيحه لو لم يكن وفريقه في لحظة ضعف إقليمي؟ بماذا ضحى وتعاون سمير جعجع «الضعيف» وهو يعرف أنّ التيار الوطني الحر هو «دجاجة الذهب» لمستقبله السياسي؟
الفريق الآخر الذي يحمل عون جمائله وفضائله هو فريق الرئيس سعد الحريري الذي يعرف تماماً حجم الفيتو السعودي الموضوع على مرشح مسيحي قويّ مثل العماد ميشال عون لا يمكن للمملكة أن تتعاطى معه على أنه «بين الأيادي»، كما كانت تتعاطى سابقاً، فكيف إذا كان هذا المرشح هو مرشح حزب الله؟
عمل الحريري مع فريقه لست سنوات من أجل عزل حزب الله وخياراته اي «خيار عون للجمهورية» وواظب نوابه على نشر تعليمة «حزب الله المتمسك بعون مسؤول عن التعطيل» لسنتين. يعرف الحريري تماماً أنه لولا انفتاح حزب الله عليه لاحترق سعودياً وانّ الحلّ اللبناني جزء مما تستميت عليه السعودية لإنهاء أزمة اليمن بتعاون إيراني بنهاية المطاف.
عارضت كتلة الحريري حتى اللحظة الأخيرة التصويت لعون حتى جاء موفد سعودي «السبهان» لدعم المهمة… لم يتوجه الحريري نحو ترشيح اسم مقرّب من سورية او حزب الله أكان فرنجية أو عون إلا لمعرفته أن الطريق قد قطع إقليمياً على أي مرشح من فريقه ولأنّ حزب الله ومن ورائه إيران «المنتصرة» نووياً متمسكة بخيار حزب الله «ايّ كان» لحساب طويل يجمعها فيه بميادين المنطقة كشريك استراتيجي تهتم لنجاحه «سياسياً» كما عسكرياً.
يعرف الأفرقاء بدون استثناء أنّ انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان لم يكن يوماً وليد قرار محلي ويعرف التيار الوطني الحر بشكل خاص، ويعلن أنّ لحزب الله فضلاً اساسياً في إيصال عون إلى بعبدا، لكن الأهمّ أنها المرة الوحيدة التي يستطيع فيها فريق لبناني فرض مرشحه الرئاسي على «الخارج» بقوة تتعلق بتبدّل الدور، فحزب الله تحوّل من لاعب إقليمي إلى «صانع» للحدث» الإقليمي.
قوة الأمر الواقع التي فرضها حزب الله بخياره جاءت بدماء «غالية» نزفت في مواجهة التطرف الذي كان يحدق بلبنان فقاتلوا في الكنائس، كما في المساجد من سورية حتى العراق…
نرجوك أن لا تنسى أيها الرئيس الجنرال تلك «الدماء الغالية» فلا يضيع «الجميل الأكبر» و«انتصار الارض»، وتضحيات مقدسة بالسياسة لجمائل «مصلحية» فتتضخم الحصص وتتأخر ولادة الحكومة لأغراض تتعلق بقانون انتخاب إرضاءً لثلاثية مستجدّة «التيار والقوات والمستقبل»، فتفرض أكثرية على «حلفائك» بحكم استنفاد الوقت، وبحكم انّ الانتخاب بأيّ قانون أفضل من التمديد فتذهب فرصة التغيير والإصلاح الوحيدة إلى غير رجعة.