الحسنية: بعض العرب يدّعي التضامن مع شعوب سورية والعراق واليمن وينسى فلسطين البشير لـ«البناء»: نحن دعاة سلام لكننا جاهزون للحرب دفاعاً عن قضيتنا
اعتدال صادق شومان
احتضنت العاصمة اللبنانية بيروت ندوة لممثلية البوليساريو في المشرق العربي بعنوان: «آخر مستعمرة في أفريقيا»، بحضور وفد صحراوي ترأسه عضو الأمانة الوطنية لجبهة البوليساريو الوزير المستشار لدى رئاسة الجمهورية الصحراوية البشير مصطفى، ويضمّ السفير الصحراوي المتجول المكلف بالعالم العربي الشيخ ماء العينين، والشاعرة والناشطة النانة الرشيد، و ممثل الجبهة الشعبية لتحرير البوليساريو في المشرق العربي مصطفى محمد الأمين. أما الوفد العربي فضم رئيس اللجنة الوطنية الجزائرية للتضامن مع الشعب الصحراوي سعيد العياشي، د. بوجمعة صويلح ود. ليلى بديع، والمحامي محمد مرعي. كما شاركت في الندوة قوى وشخصيات لبنانية وعربية متضامنة تقدمها ممثل الحزب السوري القومي الاجتماعي العميد وائل حسنية والسفير الجزائري في بيروت أحمد بوزيان.
وبالعودة إلى جذور أزمة الصحراء المغربية، فقد مرّت عليها عقود من النزاع ألقت بظلالها الحادة على الاتحاد المغربي بشكل عام ولم تجد طريقها بعد إلى حل عادل يقبل به الشعب الصحراوي الرافض لأي مساومة على تحقيق استقلاله، ويُرضي أيضاً الجانب المغربي الذي يدّعي حقوقاً تاريخية له في الصحراء الغربية كرسها في المسيرة الخضراء التى أطلقها الملك الراحل الحسن الثاني عام 1975.
أخذ الصراع منحىً ثورياً مع نشوء الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب وتختصر باللغة الإسبانية باسم» البوليساريو» وهي حركة تحرُّرية تأسّست في 20 أيار عام 1973على يد الوالي مصطفى السيد الذي استُشهد في العام 1976. وتُسجل لها قيادة الحرب لتحريرية ضدّ المستعمرالإسباني الذي احتلّ الصحراء زهاء قرن من الزمن 1975-1884.
وعلى عادة أي احتلال، عند انسحابه القهري، اختلق هذا المستعمر أزمات لتوليد حالة من التوتر وخلق نوع آخر من الاستعمار الاستنزافي الذي يُبقي البلاد في حالة من الصراعات الجانبية فينال من طاقاتها ومقدراتها ويعطِّل سياستها في إدارة البلاد. وفي هذا السياق، سارعت إسبانيا إلى عقد اتفاقية مع المغرب وموريتانيا تمّ بموجبها تقاسم الإقليم الصحراوي بين إسبانيا والمغرب وموريتانيا، بما عرف باتفاقية مدريد، لتنسحب موريتانيا فيما بعد، فسارع المجلس الوطني الصحراوي، ضمنه جبهة البوليساريو، إلى إعلان قيام دولته المستقلة ذات السيادة الوطنية تحت مُسمّى الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية في 27 شباط عام 1976لتنشأ أزمة أخرى أوجدها قرار ملتبس أصدرته الأمم المتحدة فأبقت موقفها معلقاً بين عدم الإقرار بسيادة المغرب على الصحراء الغربية وعدم الاعتراف بالجمهورية الصحراوية كدولة عضو في الأمم المتحدة، لكنها اعترفت بالمقابل بجبهة البوليساريو، كمفاوض عن الشعب الصحراوي، وبحقها الشرعي في تأسيس دولة مستقلة.
أما الصراع الأبرز اليوم بين الجهورية العربية الصحراوية مع والمملكة المغربية فهو نتيجة الأزمة التي تولَّدت إثر قرار الأمم المتحدة بتنظيم استفتاء شعبي لتقرير مصير شعبها وحفظ السلام ومراقبة تحرّكات القوات المتواجدة في الصحراء الغربية من الجيش المغربي والجيش الصحراوي تحت قيادة جبهة البوليساريو. ولا تزال تراوح مكانها بسبب التعنُّت المغربي الذي ينمّ عن خشيته من الاستفتاء ويقينه من توحُّد الشعب الصحراوي وإصراره على الحرية والاستقلال.
من جهة أخرى، هناك خلاف بشأن من يحقّ له التصويت من سكان الصحراء فى خيارالاستفتاء، وفي هذا السياق، سألت «البناء» الوزير المستشار البشير: في حال فشل الاستفتاء إلى أين تتجه الأمور؟ فأجاب: «نحن سائرون إلى الحرب وجاهزون للقتال في حال تعرضنا لهجوم من قبل القوات المغربية، لكننا أقرب إلى خيار السلام وهذا سبب اعتراف الأمم المتحدة بقضيتا، فنحن دعاة سلام قبل كلّ شيء».
ولم يُخفِ البشير عتبه على العرب في معرض ردّه على سؤالنا عن موقفه من السياسةالعربية، وقال بكثير من الحسرة: «عندما أسمينا دولتنا الجمهورية العربية الصحراوية تعرضنا لنقد كبير وشديد. فأين العرب منا ومن قضيتنا؟ نحن عرب بانتمائنا إلى أرضنا وبانصهارنا فيها، وحتى لو تجاهلوا حقنا في الاستقلال لن نضيع هدفنا أبداً وتبقى فلسطين هي البوصلة وهي الشقيقة الجريحة في غمرة تجاهل العرب لها وسط انشغالهم عنها في إشعال الحرائق هنا وهناك».
وردّاً على سؤال «البناء» حول الدعم الجزائري التاريخي للقضية الصحراوية، أوضح السفير الجزائري أحمد بوزيان أنّ موقف بلاده من قضية الصحراء الغربية «يتعلق بتصفية استعمار يجب أن تُحلّ على مستوى الأمم المتحدة، ونحن ملتزمون بمخطط التسوية الأُممي الذي صادقت عليه كلّ الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، بما فيها المملكة المغربية ونحن لسنا سوى داعمين للشرعية الدولية ولا أطماع لنا سوى حقّ شعب الصحراوي في تقرير المصير، وموقف الجزائر ثابت في هذا الشأن».
وكانت كلمة مطوّلة في برنامج الندوة للوزير المستشار البشير مصطفى السيد تحدث فيها عن بدايات انطلاق البوليساريو من لبنان قائلاً: «تغمرنا سعادة كبيرة لتواجدنا في بيروت فنشأة البوليساريو كانت هنا من خلال زيارة مؤسِّسها الشهيد الولي مصطفي السيد عام 1972».
وتطرق الوزير في كلمته لأهم مستجدّات القضية الصحراوية، خاصة لجهة التعنت المغربي في رفض المكون السياسي والمدني لبعثة تنظيم الاستفتاء في الصحراء ووصفها بأنها مغامرة قد تعصف بجهود السلام في المنطقة، وتفتح المجال أمام احتمالات خطيرة»، وقد أعاب على العرب «تخلُّفهم عن مؤازرة الشرعية الدولية وإنهاء استعمار الصحراء،
وإنّ البعض ينظر باحتقار لمجمل شعوب المنطقة ويعتبر نفسه أقوى وأهم طرف فيها، ولا تزال حساباته الشخصية خاطئة ومحكومة بنظرة التفوق والقوة»، وأشاد «بالوحدة الوطنية الصحراوية التي كبرت اليوم بفضل تضحيات الجماهير الصحراوية المقاومة التي تؤكد أنّ الشعب الصحراوي موحّد بالفعل ومجمع على الاستقلال الوطني وحتمية إنجازه».
ودعا جميع المتضامنين مع القضية الصحراوية إلى «المساهمة في تحريك المجتمع الدولي من أجل ضمان حقّ الشعب الصحراوي في تقرير مصيره».
وفي ختام كلمته وجّه البشير «تحية شكر للحزب السوري القومي الاجتماعي الداعم لقضيتنا الشريفة والمحقة».
الحسنية
وأكد ممثل الحزب السوري القومي الاجتماعي في الندوة العميد وائل الحسنية على «خيار المقاومة كحقّ مشروع في الدفاع عن النفس والوطن كفلته الشرائع والقوانين الدولية، وقضية الصحراء الغربية هي ضمن هذه المشروعية الدولية في إطارها الإنساني والحقوقي لشعب الصحراء الغربية، مقاربة بين قضايا أمتنا القومية لذلك نحن نعي تماماً ماذا يعني قهر وتشريد شعب بالقوة، ونعي تماماً ماذا يعني اغتصاب واستيطان الأرض كما هو حاصل في فلسطين، فبلادنا أيضاً عانت تاريخياً من الاحتلال العثماني كما عانت من الاحتلال الفرنسي والبريطاني. وندرك جيداً معنى النضال والصراع ضد الاحتلال ومن هنا نقدّر النضال الصحراوي ضدّ الاحتلال الإسباني الذي لم يُزل من أجل استبداله باحتلال آخر بل من أجل فرض سيادته على أرضه».
وأشار الحسنية إلى «أنّ من حقّ الشعب الصحراوي النضال من أجل استراد حقوقه الوطنية، خاصة في ظلّ فشل الأمم المتحدة في إجراء الاستفتاء الذي أقرته منذ عام 1991».
وندّد الحسنية «بالموقف العربي من القضايا العربية سواء في الصحراء الغربية أو في فلسطين المحتلة في وقت يصرفون الأموال الطائلة من أجل هدر دم الشعب السوري والشعب العراقي تحت حجة إقامة الديمقراطية، وفي حقيقة الأمر شر البلية ما يُضحك وكأنهم أسياد الديمقراطية في بلادهم، وليس ادّعاؤهم حماية المسلمين في سورية والعراق واليمن إلا من قبيل ذر الرماد في العيون وحجة فاحشة وكأنّ فلسطين لا مقدسات إسلامية فيها تُمسّ وتُدنَّس من قبل الصهاينة اليهود على عينكم يا عرب.. إنه الهراء العربي الذي يخدم الإمبريالية العالمية والعائلات الحاكمة».
وعلى طاولة الندوة، أسهب المُحاضرون في شرح الوضع في المناطق المحتلة ومعاناة الصحراويين مع الاحتلال المغربي، كما قدّموا لمحة تاريخية عن الصحراء الغربية ومسارات نضال الصحراويين الطويل من أجل التحرّر والاستقلال، وقد أدارها الكاتب هاني مندس.