الوقت اللازم لتمرير الستين كافٍ لعودة سورية؟

ناصر قنديل

– يطغى الارتباك على الفريق اللبناني المناهض للمقاومة بمكوّناته المختلفة تجاه الخيارات الداخلية وتبدّلاتها، ومحاولاته خلط الأوراق بداعي الخيارات الاستلحاقية التي اتخذها مع تبلور مشهد الهزيمة الإقليمية الكبرى لمرجعياته من الرياض وأنقرة إلى باريس وواشنطن، خصوصاً في حرب سورية. ارتباك العلاقة بالوقت، واحتماؤه وراء خيار ترشيح العماد ميشال عون للرئاسة ولاحقاً تصوير هذا الخيار مشروعاً مسيحياً، تارة باللعب على الغرائز والعبث بأوهام الماضي، أو بالمزايدة على فريق المقاومة بالالتصاق بالتيار الوطني الحر وتحويل بعض المنابر إلى محامي دفاع واتهام من موقع حرص مستجدّ على التيار من الذين فعلوا كلّ ما بأيديهم لعزله، وعزل قائده، والنيل من قياداته وخياراته، وطوراً بالحملات التي تستهدف المقاومة وحلفاءها وصولاً للنيل من حزبها، خصوصاً من قتاله في سورية، وخيارته الكبرى، وتصويرها كعبء على العهد الذي يتلاقى مع المقاومة وعلى ثقافتها وخطها بالخيارات ويرسمل معها على ما سيأتي من الانتصارات، وهو المدرك كيف فعلت هذه الانتصارات باستنطاق كلمات من الأفواه الكارهة كلمات الودّ الرئاسي.

– مصدر الارتباك هو الرغبة بالتصرف ضمن حلف المنتصرين من جهة، بداعي استلحاق الخيار الرئاسي للمقاومة، ومن جهة أخرى الثقة بفشل الخيارات الكبرى التي راهنوا عليها طويلاً وخسرت، رغم مظاهر الثقة المفتعلة التي يظهرونها وتشبه حال زوار المقابر المستوحشين عندما يؤنسون وحشتهم بالغناء فيها منتصف الليل، وتحديث أنفسهم عن بطولاتهم وشجاعتهم، حتى يسمعهم الموتى بأنهم ليسوا بخائفين وهم يرتجفون وفرائصهم ترتعد، وأسنانهم تصطك، وهم بهذا كمشغليهم يضيّعون بين التمهّل والاستعجال، فالعام المقبل مربك، وفيه سيتبلور مشهد دولي جديد عنوانه تعاون روسي أميركي في الحرب على الإرهاب مدخله انفتاح أميركي على سورية، ومن ضمنه تحجيم واضح للسعودية، ومشهد إقليمي جديد عنوانه تسوية يمنية تمنح حلفاء المقاومة مكانة أصحاب اليد العليا، ونصر سوري يتوّج الرئيس السوري بشار الأسد زعيماً إقليمياً، تتسابق على تطبيع العلاقات مع حكومته حكومات العالم وتتواصل معه القيادات الدولية، من واشنطن إلى باريس، وتبلور لمسار سوري عراقي إيراني مشرقي، وتحجيم للغطرسة الإسرائيلية، وفي كلّ ذلك ظهور نجم حزب الله الساطع في المنطقة كقوة إقليمية صاعدة، تحظى بتفويض حلفائها واحترام خصومها لقيادة عملية غير استعراضية للحرب على الإرهاب، ومن ضمنها تفويض بات محسوماً في ملف لبنان، كخلفية لراحة الحزب وضمان لاطمئنان تفرّغه لهذه الحرب، في ظلّ خيبة وخذلان «إسرائيليين» لا يقلان عن ضياع وارتباك ملوك وأمراء الخليج.

– يتراكض السعودي والقطري والتركي إلى لبنان لنيل صورة تذكارية مع الرئيس المقاوم ميشال عون، ويوجهون له الدعوات، ويتوهّمون أنهم يلزمونه بإحراج البروتوكولات، ويسارع مَن معهم في الداخل بالحديث عن لعبة لبنانية جاءت بالرئيس وستأتي بالباقي حكومة وقانون انتخابات ومجلساً نيابياً. يقول بعضهم إنه سيعزل المقاومة وحزبها للمرة الأولى ويفقدهما القدرة على صناعة السياسة في معادلات الداخل، متناسين كيف تمكّن حزب الثلاثة عشر نائباً من فرض خياره الرئاسي في مجلس المئة والثمانية والعشرين، وكيف يكفيه وزير واحد إذا قرّر منح مقاعده المتواضعة لحلفائه كي لا تسير الأمور خلافاً لبوصلته، مستقوياً بما ليس عندهم ولا بيدهم امتلاك مثله وهو أنه لا يطلب شيئاً لنفسه كي يصغر، وكيف يأتيه من الدول الصديقة بل من الدول التي تقاطعه رسمياً تبليغاً عما يُقال بحقه من خصومه أو بعض حلفائه أحياناً، واستئناساً برأيه في مقترحات يقولها خصوم وحلفاء ويرهنون بردّه قرارهم، لأنهم لا يقرأون مكانة للبنان وسبباً للاهتمام بما يجري فيه، ومبرّراً للتواصل مع شخصياته إلا من باب المكانة التي صنعها حزب الله للبنان إقليمياً ودولياً.

– يريد خصوم المقاومة في الإقليم والداخل تناسي كلّ هذا الكابوس، والتمتع بخداع بصري يتمثل بدورهم المشهدي في مسرحيات البروتوكول اللبناني، وصولاً لتشكيل الحكومة وانتهاء بأحلام تركيبات وتحالفات نيابية، فيقعون في الارتباك بين الحاجة للسرعة منعاً لتتابع المتغيّرات، التي يبدو نصر حلب أقربها، والزيارة التي يبدو أنّ الرئيس الفرنسي المقبل فرنسوا فيون سيقوم بها لدمشق خريف العام المقبل واحداً من تردّداتها، والتي لن يكون تعافي سورية وعودة الخارج الذي يهمهم ويمون كثيراً عليهم، لسؤالها رأيها اللبناني آخرها، كما كان يوم طلب إليهم زيارتها والمبيت في غرف نومها، لكن السرعة تعاكس الحاجة للمماطلة اللازمة في المسارين الحكومي والنيابي لضمان أفضل الحظوظ لقانون الستين وتحالفات يسمح بالتخطيط لها تتصيّد وزن التيار الوطني الحر وتوظفه للحصول على حصة نيابية دسمة، فيتوهون بين الخيارات المتعاكسة، أيخفّون الخطى أم يخفّفونها؟

– الرئيس ميشال عون الذي كان مطمئناً لمجيء الرئاسة إليه بدلاً من أن يسعى إليها كان يردّد: يستحيل أن أُهزَم وحلفي ينتصر في المنطقة. وهو على صبر مشابه اليوم وصمت لا يختلف، يعرف كقارئ للمعادلات ما سيجري ويتبسّم للمراهنات، والأوهام، وهو في وضعية رابح رابح، ولو كان البعض ممّن يحبونه يحوّلون محبتهم إلى حسابات وأرصدة أخرى من حيث يعلمون أو لا يعلمون، كما من يظنّون أنّ مهمّتهم حمايته يقفون وراءه لإطلاق الرصاص على الغير بداعي الحرص عليه، بدلاً من الوقوف أمامه وتلقي السهام عنه إنْ وجدت أو شبّه لهم وجودها، وينسون مهمتهم بتطبيق معادلته بعدم إمكانية أن يُهزَم محلياً مَن ينتصر حلفهم في المنطقة، وبينهم مَن لم يكونوا مع الخيار الرئاسي الذي مثله العماد ميشال عون، لكن في الحصيلة ستتكفل التطورات برسم المسارات بمعزل عن حسابات ورغبات الأفراد والأطراف وسيجد الجميع أنفسهم في قلب المعادلات الجديدة، وسيجد العماد الرئيس نفسه في قلب المزيد من الانتصارات والأرباح، وسيجد وراءه مستلحقين وراء مستلحقين.

– يقول أحد الظرفاء الذين يلتقون بقادة الرابع عشر من آذار، ويحاورونهم من موقع الصداقة والودّ، كما يفعل مع قادة الثامن من آذار، إنه قال لأحد أبرز قادة الرابع عشر من آذار، انتبهوا إلى ما تفعلون، فقد يكون الوقت اللازم لتمييع الحكومة وفرض قانون الستين وخطف التيار الوطني الحر في معادلة شراكة انتخابية، هو الوقت اللازم لعودة الرئيس السوري شريكاً مفوّضاً في الملف اللبناني، وقانون الستين يناسب سورية أكثر من سواه في إدارة اللوائح الانتخابية والتعامل مع صورة المجلس المقبل، وقد يكون التحالف مع التيار الوطني الحر سبباً لرؤية بعض حلفاء سورية على لوائحكم، فلا تجري الرياح دائماً كما تشتهي السفن!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى