سرطان الحادي عشر من أيلول
قد لا يكون من باب المصادفة أن يعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما حربه على «الدولة الإسلامية» في ذكرى أحداث 11 أيلول، خصوصاً أن الأميركيين اعتادوا انتقاء المواعيد لإعلانات رنّانة.
تزامُنُ إعلان أوباما الحرب على «الدولة الإسلامية» مع الذكرى الـ13، يصبّ ربما في خانة رفع معنويات الديمقراطيين في الولايات المتحدة ومستوى تأييدهم بعد الإدانات التي تلقاها الرئيس الأميركي من الجمهوريين على خلفية ما يقولون إنه يفتقد لاستراتيجية واضحة في محاربة التنظيمات المسلحة في الشرق الأوسط.
أما تداعيات هذا الإعلان على دول المنطقة فلها لون آخر، قد لا يستقيم مع استراتيجية أوباما، ويخالف ربما مواقف أطراف معنية ترى هي الأخرى في «الدولة الإسلامية» سرطاناً كما نعتها أوباما.
حاول أوباما خلال خطابه أمام «الأمة الأميركية» التأكيد على أنّ سياسته في الحرب هذه المرة ستختلف عن استراتيجية سلفه جورج بوش في محاربة الإرهاب، وذلك عبر تأكيد رفضه القذف بجنوده برّياً في المنطقة تفادياً لخسائر بشرية قد لا يتحمّلها الشعب الأميركي بعد حربَيْ أفغانستان والعراق.
لكن اللافت هنا، أن الخطاب يشير مباشرة إلى إمكانية التدخل في سورية عبر ضربات جوّية شبيهة بتلك التي تشنّها الطائرات الأميركية بين الحين والآخر على أهداف محدّدة في اليمن والصومال وباكستان. إضافةً إلى تقديم الدعم والتدريب لمقاتلي «المعارضة السورية».
تمادي «الدولة الإسلامية» في بطشها رفع أصوات استغاثة دولية وعربية ومنح الرئيس الأميركي الضوء الأخضر لملاحقتها أينما كانت، خصوصاً أنه صار في حلّ من أيّ قرار أممي ملزم بعدما أعلن أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون أن محاربة التنظيم لا تحتاج إلى تفويض من مجلس الأمن آنياً.
أوباما أدرك أن العملية العسكرية المقبلة قد تكون طويلة الأمد والأكبر منذ توليه الحكم، فأشار إلى أن واشنطن ليست وحدها في الحرب ضدّ «سرطان الدولة الإسلامية»، بل تجتمع في الائتلاف أربعون دولة غربية، والأهم عربية، ما يعني استثناء هذه الحرب من قاموس الحروب الغربية ضد دول المنطقة.
لكن ملامح هذا التحالف ما زالت مشوّشة حتى الآن، فلدول المنطقة ميزاتها في محاربة التنظيمات المسلحة، بدليل التناقضات داخل العراق نفسه حول هذا الموضوع. ولعلّ زيارة وزير الخارجية جون كيري إلى بغداد تصب في إطار التمهيد للحرب ضدّ «الدولة الإسلامية» في ظلّ حكومة عراقية متماسكة متفقة في ما بينها على ضرورة التخلّص من أزمتها الأمنية.
ويعلم الأميركيون علم اليقين أنّ نجاح الحرب ضدّ التنظيم مرهون أيضاً بانضمام الدول ذات الغالبية السنّية إلى التحالف، ويحاولون الضغط على تلك البلدان للانخراط علناً أو خفية، إذ إنّ كثيرين في بعض هذه الدول يرون أن الحرب ضدّ التنظيم ليست حربهم، وآخرون يعتبرون أن المشاركة في التحالف ستعرّض بلدانهم للخطر.
لا شك أنّ الولايات المتحدة ستعتمد في حربها على دول محورية في المنطقة استراتيجياً وجغرافياً مثل السعودية والأردن، لكن المعطيات الأخيرة تشير إلى أنّ التعاطف مع «الدولة الإسلامية» هناك في ارتفاع مستمرّ، ما سيحمّل هذه البلدان عبئاً كبيراً في حال مشاركتها.
وبعيداً عن التكهنات، فإن رياح الحروب الأميركية ضدّ التنظيمات المسلّحة لم تجر على الدوام بما تشتهي السفن الأميركية الحربية من نتائج، ولعلّ الحرب في أفغانستان مثال جليّ، إذ تسعى الولايات المتحدة منذ زمن إلى الانسحاب من هناك عبر مصالحة بين عدوها في الحرب، حركة طالبان والنظام الأفغاني الذي تدعمه واشنطن. وليس من المستبعد أن تنتهي الحرب في الشرق الأوسط كذلك بجاهات صلح بوساطة دول إقليمية، ليمتد «سرطان داعش» يد واشنطن الخفية في محاولة لانسحاب مشرّف من المعركة مع الإبقاء على متصالحين يفجّرون بعضهم من حين إلى آخر.