ماذا بعد كاسترو؟
حميدي العبدالله
يتساءل كثيرون عن مستقبل كوبا والدول التي نالت استقلالية قرارها الوطني في أميركا اللاتينية مستفيدة من الرافعة التي مثّلتها الثورة الكوبية التي قادها فيديل كاسترو، بعد رحيل هذا القائد العظيم والتاريخي يخشى كثيرون، ولا سيما أنّ شقيقيه الذي تولى المسؤولية بعده طاعن في السنّ، لن تبقى كوبا على النهج الذي سار عليه فيديل كاسترو. ويخشى هؤلاء أيضاً على منظومة الدول المتحرّرة التي تضمّ كلّ من نيكاراغوا وفنزويلا وبوليفيا أن تتأثر برحيل فيديل كاسترو.
لا شك أنّ للقادة الكبار دوراً مؤثراً في مسار ونهج الدول التي يتولون قيادتها، ولا يمكن تجاهل تأثير هؤلاء القادة على مصير دولهم بعد رحيلهم. مثلاً مصر شهدت انقلابياً جذرياً في مسار الدولة التي انتقلت من دولة مستقلة إلى دولة خاضعة للهيمنة الغربية بعد رحيل الرئيس جمال عبد الناصر. هذا مثال يؤكد أهمية دور القادة الكبير في مصير بعض الدول.
لكن بكلّ تأكيد أنّ للمعطيات الموضوعية التي تشكل السياق المتزامن مع رحيل مثل هؤلاء القادة الكبار تأثير أكبر على التطورات اللاحقة في الدول التي يرحل قادتها الكبار.
في مصر جرى التحوّل نحو التبعية للغرب لأنّ منظومة التحرّر الوطني عانت في سنواتها الأخيرة من أزمات، بعضها ناجم عن حروبها المستمرة مع الغرب، وصعود المنظومة الغربية في وجه المنظومة الاشتراكية، وبعضها ناجم عن أخطاء وانحرافات وقعت فيها الحكومات في منظومة التحرّر الوطني، وبالتالي باتت الأوضاع مهيأة للتغيّر نحو اليمين.
لكن رحيل فيديل كاسترو، وقبل ذلك رحيل هوغو تشافيز، يأتي في ظلّ سياق ينطوي على معطيات معاكسة لتلك المعطيات التي رافقت رحيل الرئيس جمال عبد الناصر.
اليوم المنظومة الغربية تعاني من أزمات حادة ناجمة عن حروبها ذات الطابع الاستعماري, وأيضاً تعاني أنظمتها الحالية من أزمات حادة دفعت شخصية مرموقة بوزن زبيغنيو برجينسكي مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق، للحديث في كتابه «رؤية استراتيجية» الصادر عام 2011 عن «انكسار الحلم الأميركي» و«تقهقر الغرب»، بل إنه يتحدث عن أن الولايات المتحدة تعاني من مشاكل شبيهة بالمشاكل التي سبقت سقوط الاتحاد السوفياتي. إضافة إلى ذلك فإنّ منظومة التحرّر في أميركا اللاتينية استفادت إلى حدّ كبير من تجارب منظومة التحرّر التي تفككت مع سقوط المنظومة الاشتراكية وبنت أنظمة أكثر مرونة لجهة الانفتاح على المشاكل التي تعاني منها الغالبية، وثمة مستوى من تداول السلطة والرقابة الشعبية الذي يحدّ من مساوئ الحكومات التحرّرية، ويقطع الطريق على نشوء أوضاع تقود إلى تغيير جذري في المسارات.
بسبب هذه المعطيات، فإنه من المستبعد أن يقود رحيل كاسترو إلى حدوث تحوّل في كوبا أو في دول أميركا الجنوبية لصالح العودة من جديد إلى الهيمنة الأميركية.