فيديل كاسترو: النضال الأسطوري

العلامة الشيخ عفيف النابلسي

رحل فيديل كاسترو من دون أن يتغيّر. سنوات طويلة من مقاومة الاستعمار بقي خلالها ثابتاً فوق تربة الصمود. أميركا القريبة من بلاده لم تستطع أن تلوي ذراعه أو تخترق شعبه.

خليج الخنازير شاهد من جهة على العدوانية الأميركية التي تعمل من دون كلل على سحق الشعوب، ومن جهة ثانية على إرادة المقاومة الراسخة لدى الشعب الكوبي رغم قلة الإمكانات والناصر والمعين.

كاسترو الذي وعى باكراً حقيقة الصراع مع الاستعمار طوّر فهماً ثورياً على مستوى شعوب الأرض التي اشتدّ عليها البؤس والحرمان والاستغلال تحت مجهر المؤسسات الدولية.

صحيح أنّ هناك اختلافاً في الرؤى والمنطلقات بين ثورة في أميركا اللاتينية وبين أخرى في أفريقيا أو آسيا، ولكنها كانت كلها متفقة على مناهضة الاستعمار الذي فرض نفسه بالإرهاب والحديد والنار. وقد كان كاسترو واحداً من الذين لعبوا دوراً بارزاً في تحريض الشعوب المستغَلَّة للتوحّد وبناء الذات ومواجهة قوى الفساد والشرّ.

عملت أميركا على رفع درجة اليأس السياسي والإحباط الاجتماعي والتحلل الخلقي والاحتراب الديني لاستغلال المجتمعات ونجحت في أماكن متعدّدة، ولكن في كوبا فشلت لأنّ فيها رجلاً وقف بكلّ قوة واقتدار في وجه من أرادوا تمزيق بلده وتقسيمه وتدميره.

كاسترو صمد لأنّه صادِق مع شعبه. مؤمن بعدالة قضيته. لم يغادر الأرض بل كافح من أجل الخبز والكرامة واختار أن يكون حراً جائعاً على أن يكون عبداً غنياً.

للأسف في عالمنا العربي قليلون هم الذين لم يستسلموا للريح واختاروا أن يسبحوا عكس التيار. لم يقرأوا من ثورة الإمام الخميني اللصيقة بالعروبة، ولا من كتاب كاسترو وتشافيز وأسماء أخرى كسرت قوانين الاستغلال وخرجت لتنادي بالحرية على مستوى العالم بأسره.

في عالمنا العربي أشباه رجال تحوّلوا إلى طائفيين وعنصريين وملوك استبداد وأنظمة استسلام. ولولا رجال كعبد الناصر وحافظ الأسد وبشار الأسد وحسن نصرالله وراغب حرب وعباس الموسوي وعماد مغنية لساخت الأرض تحت نار الاستعمار.

مات كاسترو، لكنه بقي في عيون المناضلين والأحرار بطلاً كبيراً. لم يتعب من المواجهة، أعداؤه هم الذين أعياهم صموده وشموخه وأصالته الثقافية والإنسانية. وليست الإشادات من كبار رؤساء العالم إلا شهادة لهذا الرجل على نضاله الأسطوري.

مات كاسترو، ولكنه ترك وراءه إرثاً كبيراً في مواجهة المتغطرسين، وتقاليد في المقاومة هي التي ستشكل الوعي الجديد لشعوب الأرض ولو طال أمد الطغاة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى