رياض الصلح… عروبة وهمية زائفة… للسمسرة والمناسبات
كتاب «رياض الصلح والنضال من أجل الاستقلال العربي» والذي كتبه باتريك سيل بطلب وتمويل من ورثة الصلح، وكما يشتهون، لم يحقق الغاية التي وضع من أجلها، وهي تلميع صورة رياض الصلح وتبييض صفحته وإخفاء ارتباطاته. ولعل أبلغ رد ما أعلنه سيل نفسه، إذ قال إنّ ابنة رياض ـ طلبت منه كتاباً «يصفّق لوالدها».
وعليه فإنّ رد بدر الحاج على الكتاب يُعتبر وثيقة مهمة تكشف حقائق عديدة حاول الكتاب التعمية عليها.
لذلك تنشر «البناء» رد الحاج على حلقات:
بدر الحاج
لننتقل من موضوع الحركة الصهيونية وعلاقاتها مع الصلح، والتي يمكن تلخيصها وفق عرض سيل بأنّ الرّجل عرض عليهم اقتراح «وعد بلفور عربي» مقابل الذهب والاتصالات الدولية لمصلحة الوحدة العربية. رفض الصهاينة عرض الذهب والوعود مقابل الأرض. واليوم يرفضون أيضاً عرض الأرض مقابل السلام. لكن، ماذا عن هذه العروبة الزائفة؟ عروبة السمسرة التي هي بمثابة قميص عثمان التي كانت تُرفع بوجه سعاده بين الحين والآخر، والتي يقول سيل عنها: «وفيما كان العرب سائرين نحو الهزيمة، شكّك سعاده في عدد من المقالات الناريّة بالعروبة، ووصفها بأنها مبدأ فاشل وأنّها مسؤولة عن هزيمة الجيوش العربية في فلسطين». ص 678 .
يدّعي سيل أنّ هذا الأمر كان بمثابة طعنة للسيد الصلح! لم يشكّك سعاده بالعروبة، بل كتب في مقال أنّ «العروبة أفلست» وفي مقال آخر أيضاً أنّ «الانعزالية أفلست».
وكرّر سعاده في أكثر من مقال وخطاب، أنّنا «حاربنا العروبة الوهمية لنقيم العروبة الواقعية». وأوضح: «في فلسطين أفلست عروبتكم إفلاساً كاملاً باهراً».
كيف يمكن توصيف خسارة فلسطين وقبول التقسيم بأنه انتصار؟ أوليس هو الإفلاس بعينه لعروبة الملك الفاروق، وعروبة الملك عبدالله وغلوب باشا قائد الجيش العربي المظفّر، وعروبة نوري السعيد والجيوش العربية المرسَلة إلى فلسطين تحت شعار «ماكو أوامر»، ناهيك عن الأسلحة الفاسدة. ماذا جلبتم لنا بعروبتكم الزائفة غير الويل والهزائم؟
ولا بُدّ قبل اختتام الحديث عن تشكيك سعاده بالعروبة الذي أثاره سيل، من الإشارة إلى المقاربة التالية، والتي هي باعتقادي تمثّل خير تمثيل عروبة رياض الصلح والطبقة السياسية في ذلك الزمان. إنها عروبة المناسبات. لقد كان منافس الصلح لرئاسة الوزارة في لبنان خير الدين الأحدب من غُلاة الدّاعين إلى العروبة والوحدة السورية، وعندما جاء به إميل إده سنة 1936 إلى رئاسة الحكومة، تعجّب أصدقاؤه وسألوه عن سبب تبديل موقفه والتعاون مع إده المعروف بمواقفه المضادّة لأية فكرة وحدوية وللعرب والمسلمين، فكان الجواب كما يذكر إسكندر رياشي في كتابه «قبل وبعد»: «كنا نعرف خير الدين الأحدب بالأمس العربي القحّ، وأحد كبار الحركة الثورية العروبية… وإذا بالأستاذ إميل إده يكتشف فجأة أنّ هناك أيضاً خير الدين الأحدب اللبناني الانفصالي عندما كلّفه بتأليف وزارته الأولى في كانون الثاني 1936. وكان الأحدب يقول في فطنته الغريبة: «إذا قرّر العرب الوحدة، فليس وجودي في سراي لبنان يمنعهم من تحقيقها، وإنّي سأجد سبيلاً لأن أعود عربياً عند ذلك». إسكندر رياشي «قبل وبعد»، دمشق الطبعة الثانية، 2006 ص 151 152 . وهذا بالضبط ما قام به لاحقاً الصلح حين ترأس الحكومة اللبنانية.
رواية سيل عن علاقة الصلح مع كامل حسين اليوسف
في معرض عرضه للتوتر الذي وقع بين بيروت ودمشق بسبب حادثة مصرع الجاسوس كامل حسين اليوسف في 10 أيار 1949، يقول سيل الذي لا يذكر أنّ القتيل كان جاسوساً إسرائيلياً ما يلي: «تعرّضت العلاقات الدافئة بين لبنان وسورية لضربة قاسية في منتصف أيار، عندما قامت مجموعة سورية بعبور الحدود اللبنانية واغتيال مواطن لبناني من أصل سوري، كامل حسين اليوسف، في منزله قرب حاصبيا الواقع أنّه لم يُقتل في منزله، بل بالقرب من جسر الحاصباني بناءً على ادّعاءات لاحظ كلمة ادّعاءات، لا إدانة إطلاقاً . كانت المجموعة تتكوّن من جنود في الجيش السوري بقيادة النقيب أكرم طبارة، تمكّن الدرك اللبناني من إلقاء القبض على المجموعة. فطالب السوريّون على الفور بإعادة طبارة ورجاله. وعندما رفض لبنان تسليمهم أقفلت سورية الحدود». ص 686 .
تعليقنا على هذا العرض المشوّه الذي يقدّمه سيل لتلك الحادثة، نقول إنّ السيد سيل تجاهل عمداً من هو كامل حسين اليوسف، بل أكّد في معرض شرحه للحادثة أنّ هناك ادّعاءات بحقّه! أقول للسيد سيل وللّذين شاركوه في اختراع الروايات التالي: «كامل حسين اليوسف ليس لبنانياً من أصل سوريّ، بل هو أكبر من ملاكي الحولة، مُنع من دخول لبنان سنة 1945 ثمّ رُفع عنه الحظر من قِبل رياض الصلح شخصياً ومُنح الجنسية اللبنانية. وكما يؤكّد الأمير عادل أرسلان في مذكراته «أنّ الجاسوس القتيل كان من أصدقاء رياض الصلح». مذكرات عادل أرسلان، الجزء الثاني، ص 832 . كان كامل اليوسف يملك نصف الأراضي في إحدى قرى الحولة، باعها لليهود وتوسّط لدى أهل القرية البسطاء لبيع الأراضي للوكالة اليهودية، فاشترى الصهاينة ما يقارب الثمانين في المئة من الأراضي بواسطته! ويذكر أكرم الحوراني في مذكّراته المزيد من المعلومات عن هذا الجاسوس، كون الحوراني كان من المقاتلين في شمال فلسطين في حرب 1948، فيقول: «كامل الحسين إقطاعي متنفّذ من أهالي قرية الخالصة في شمال الحولة وزعيم عشيرة في تلك المنطقة، وهو من خرّيجي الجامعة الأميركية في بيروت، كان عميلاً لحكومة الانتداب البريطانية في فلسطين، كما كانت تربطه صلات مشبوهة بالفرنسيين، وكان له نفوذ انتخابي في جنوب لبنان، وعندما كنّا نقاتل في الجليل عام 1948، سمعنا الكثير عن علاقة هذا الرجل باليهود، وأنّه كان يرأس شبكة تجسّس وتخريب واسعة لحسابهم. وبعد كارثة 1948 وسع نشاطه فأنشأ عصابة واسعة في شمال فلسطين وجنوب سورية ولبنان، جعل مركزها في حاصبيا ومرجعيون، لتهريب المواشي والمواد الغذائية والأسلحة لليهود، للتجسّس على حركات الجيشين السوري واللبناني. وكان قبل النكبة يضغط على المزارعين الفلسطينيّين الضعفاء لبيع أراضيهم لليهود. ثمّ صار بعد النكبة، هو وأعوانه، سماسرة لبيع أراضي اللاجئين الفلسطينيّين. وقد أصدر القضاء السوري عدّة مذكرات توقيف بحقّه، وخصوصاً بعد أن علم أنّه زار تل أبيب في أواخر شهر نيسان 1949». مذكرات أكرم الحوراني الجزء الثاني، مكتبة مدبولي القاهرة، 2000 الصفحات 966 967 .
ويضيف الحوراني أنّ قتل الحسين من قِبل الدورية السورية أثناء محاولة اعتقاله أدّى «إلى صدور عدة بيانات قاسية من دمشق، التي هدّدت بأنها ستضطر للكشف عن أسماء شركاء كامل حسين في الأوساط السياسية الحاكمة». ص 967 . ويتّفق كلّ من الحوراني وأرسلان في مذكراتهما على إدانة قرار مرّرته حكومة الصلح بعد أربعة أيام فقط على قتل الحسين، مستغلّة جو العداء بين سورية ولبنان. وجاء ذلك في القرار: «تقرّر في الاجتماع الذي عقدته لجنة الهدنة المختلطة اللبنانية اليهودية أن يؤذَن للأسر اليهودية في لبنان، والراغبة في الهجرة إلى إسرائيل باجتياز الحدود عند رأس الناقورة». ويعلّق الحوراني: «وقد رجعت منطقة حدود لبنان وفلسطين إلى ما يشبه عهدها زمن الانتداب عندما كانت حدودها مفتوحة». الحوراني، ص 967 .
هذه الحادثة كانت مدار متابعة دقيقة من قِبل سعاده، وكانت جريدة الحزب «الجيل الجديد» قد نشرت في صدر صفحتها الأولى تفاصيل مقتل الحسين الذي وصفته بالجاسوس الذي «يظهر أنّ السلطات صاحبة العلاقة في الماضي كانت تغضّ الطرف عن أعمال كامل الحسين وصلاته مع اليهود، فسرح ومرح ولا رادع ولا رقيب». وطالب القوميّون في مذكّرة قانونية حكومة الصلح بالإفراج فوراً عن الجنود السوريّين، وذلك في أوج غضب رياض الصلح على نهاية صديقه. «الجيل الجديد» العدد 29 السنة الثانية، الخميس 12 ايار 1949 الصفحة الأولى .